الأرشيفتحليلات أخبارية

الأمة العربية…. إلى أين ؟

من روائع الأديب الكاتب
السعيد الخميسى* لم تمر على العالم العربي حقبة أسوأ مما هو فيه الآن من تدهور وتدنى وضعف وهوان واستسلام وإفلاس فى كل مناحي الحياة اقتصاديا وسياسيا وتعليميا ورياضيا . حتى فى مجال الرياضة وكرة القدم فقد خرجت كل الفرق العربية تجر وراءها صفر المونديال , صفر الخزي والعار فلا خطط  ولا مناهج ولا قوة ولا لياقة بل استسلام تام للهزائم المتتالية , وأسالوا المنتخب المصري إن كنتم لا تعلمون , كيف ذهب وكيف عاد بخفى حنين .  لقد ساءت الأمور فى كثير من الدول العربية أكثر مما كانت عليه أثناء الإحلال الأجنبى لها . وربما فاقت ما كانت عليه الأمور أثناء الاحتلال الأجنبى للدول العربية . فلقد كانت هناك على الأقل حركات ثورية  ووطنية تحررية مناهضة للاحتلال وتحظى بتأييد كل جموع وطوائف الشعوب العربية ضد المحتل الاجنبى . وربما يعود بنا هذا الانحلال والتفسخ والتشرذم إلى ماكان عليه العرب قبل مجئ الإسلام . لقد تفشى الخمر والميسر والربا ووأد البنات وسيطرة القبيلة وشيخ القبيلة على المجتمع . ولا أدل على سوء الأوضاع الاجتماعية والخلقية ما كان يسمى  ” نكاح الاستبضاع  “حيث كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها،  حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ،  وكانوا يفعلون ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح هو نكاح الاستبضاع. وهذا غيض من فيض من مظاهر الانحلال الخلقي فى عصر ما قبل الإسلام .
* أما الحالة السياسية عند العرب قبل مجئ الإسلام فحدث ولا حرج ,
فقد كانت الحروب تشتعل لأتفه الأسباب، ويتساقط الضحايا بالمئات والآلاف مثل ما هى عليه الآن فى كثير من الدول العربية . فهذه حرب البسوس سببها أن رئيس قبيلة بني بكر ضرب ناقة امرأة من تغلب تسمى البسوس بنت منقذ ، حتى اختلط لبنها بدمها، فقتل رجل من تغلب رجلاً من بني بكر، فدارت حرب بين القبيلتين استمرت أربعين سنة حتى كادتا تفنيان.  ولاينسى التاريخ حرب داحس  والغبراء و هما  اسمان لفرسين دخل صاحباهما سباقًا، لطم أحدهما فرس الآخر على وجهه، ليمنعه من الفوز، فقامت حرب بين القبيلتين قتل فيها الألوف.  وكانت شبه جزيرة العرب مفككة سياسياً لا توحدها دولة , ولا تديرها حكومة , وكانت الدول القديمة التي قامت في اليمن ونجد وأطراف العراق والشام قد اندثرت , وطغت البداوة على المدن الباقية في الحجاز , فكانت القبيلة هي الوحدة السياسية والاجتماعية , وكانت مكة تدار من قبل الملأ في دار الندوة. والمدينة في حالة نزاع دائم بين الأوس والخزرج. أما الأحوال الاقتصادية في شبه جزيرة العرب , فقد كانت البادية تعتمد على الاقتصاد الرعوي , فالقبائل العربية تستقر في الأماكن التي يتوفر فيها الماء وتصلح لرعي الإبل والأغنام . لا أرى فروقا شاسعة بين العرب قديما وبين العرب الآن غير السيارة والطيارة والدولار والآبار .
* و الباحث المدقق والمحقق فى حال العرب اليوم لا يجد فرقا شاسعا بين الحالتين , فيسود اليوم  الحروب الأهلية والطائفية والتدخل الاجنبى وانتعاش الروح المذهبية وتردى الروح الوطنية , فضلا عن تحكم صندوق النقد الدولي فى اقتصاديات بعض الدول العربية . وحدث ولا حرج عن العنوسة والبطالة وانتشار الجريمة وقطع الطرق والبلطجة والنهب والسرقة والرشوة والاختلاس والغش والتزوير والتدليس والكذب الإعلامي تماما صورة طبق الأصل لعهد ” أحمد سعيد ” مذيع النكسة . أضف إلى ذلك نهب وسرقة المال العام وانتفاخ بطون شريحة من اللصوص من المال العام المحرم . فى الوقت الذى تعيش فيه شرائح كثيرة من شعوبنا العربية فى القبور ويأكلون من أكوام القمامة التى تأكل منها القطط والكلاب الضالة .  هذا فضلا عن انتشار ظاهرة البلطجة وقطع الطرق وتثبيت المسافرين ليلا ونهب أمتعتهم وقتل أطفالهم واغتصاب نسائهم  فى كل مكان . انظر عن يمينك ويسارك إلى ما يحدث فى سوريا وليبيا واليمن والصومال والعراق ولبنان , حروب بين طوائف الشعب المختلفة  , وانقسام وتشرذم وتربص واتهامات هنا وهناك . وحالة تقسيم تلك الدول إلى دويلات صغيرة ليس ببعيد , ومصر ليست بعيدة عن تلك الحالة فهي فى القلب منها . إن الاستعمار الجديد لايريد الدول العربية  إلا مجموعة من الأصفار على شمال الكيان الصهيوني الذي يريدونه رقما صحيحا بين تلك الأصفار سياسيا واقتصاديا وعسكريا  حتى ينفرد بنا كما ينفرد الذئب الجائع بفريسته فيلتهمها ويمزقها إربا إربا .
* مخطئ من يظن يوما أن الدول الغربية الاستعمارية قديما وحديثا تريد الاستقرار والحرية والديمقراطية لشعوبنا العربية . هى لا تريدها سوى جزر منفصلة عن بعضها , يقاتل بعضها بعضا ويقتل بعضها بعضا . هم لا يريدون دولا وأمما وشعوبا عربية قوية تملك غذاءها ودواءها وسلاحها . يريدون فقط لنا أن نظن قابعين فى مؤخرة الأمم والشعوب نعيش على صدقات المحسنين وتبرعات الصالحين من البنك الدولي , ولا أراهم صالحين بل أراهم محتلين لقرارنا السياسي والإقتصادى .  هم يريدون فقط لنا أن نعيش تابعين لهم  ,  أذلاء  علاقتنا بهم كعلاقة الأسياد بالعبيد . وقد قالها مدرب انجلترا عندما التقى منتخب انجلترا مع منتخب مصر فى كاس العالم فى بداية التسعينات , لخص المشهد بقوله :” اليوم هو لقاء الأسياد مع العبيد..!؟”  . هم لا ينسون التاريخ , لكن العرب ينسون فى المساء مافعل بهم فى الصباح . لذا فهم حريصون كل الحرص أن يظل نفوذهم ممتد إلى باطن الأرض السابعة فى بلادنا يديرونها من وراء ستار بشعارات زائفة ومخادعة وديمقراطية كاذبة شكلية استكمالا للديكور كباقات الورود والزينة فى حجرة استقبال الضيوف ..!.
* إن أمريكا وروسيا وباقى القوى العظمىsuper power  اليوم يقتسمون النفوذ داخل المنطقة العربية . فما كان لروسيا أن تدخل بأسطولها العسكري برا وجوا إلى سوريا وقتل أطفالها ونساءها وشبابها ,  وحرق أرضها وزرعها وضرعها إلا بإشارة خضراء من أمريكا . ولا مانع من إصدار بيانات إدانة من هنا وهناك لزوم الحبكة الدرامية السياسية . وما كان لأمريكا أن تدك العراق وتحتل أرضه وتقتل شعبه إلا بإشارة خضراء من روسيا . وما يحدث فى بقية الدول العربية لا ينجو ولا يخلو من تلك الموازنات السياسية الثنائية بين البلدين الاستعمارين . حتى ليبيا صارت ساحة عالمية لكل القوى الاستعمارية لتجرب فيها صلاحية الأسلحة التى أنتجتها حديثا لتتحول إلى تجارب على أجساد أطفال ونساء وشباب العرب . ومعظم شعوب الدول العربية منكفئة على ذاتها تبحث عن الدواء ورغيف العيش والماء الكهرباء وتسلى نفسها أحيانا بمشاهدة فرق كرة القدم العربية المنكوبة والمهزومة قبل أن تنزل لأرض الملعب . إننا اليوم نواجه معركة وجود وليست معركة حدود . وان لم ينهض العالم العربي من كبوته ويقفز خطوات سرعة للإمام فانه سيغرق فى قاع البحر , ولن تقوم له قائمة بعد اليوم . إن أنصاف الحلول لن تجدى مع الحالة العربية , فحالة العرب اليوم مثل الجسد المصاب بالسرطان ولا بد من استئصال تلك الأورام قبل بدء العلاج حتى تتعافى أمتنا العربية مما لحق بها من هزائم ومصائب ونكسات . ويسألونك متى هو , قل عسى أن يكون قريبا . والله من وراء القصد والنية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى