آخر الأخبار

مسعفون عراقيون يكشفون استخدام الشرطة أسلحة حروب ضد المحتجين في الميادين

تسبب اعتداء عناصر وجنود الشرطة على
المتظاهرين بشوارع بغداد، في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، في تجاهل
المسعفَين العسكريَّين عباس وأحمد أوامر قادتهما، وانضما إلى المتظاهرين؛ دعماً
لهم ولعلاج إصاباتهم الناجمة عن تجاوزات قوات الأمن.

وحسب صحيفة The Guardian البريطانية، فقد شهدا المسعفان العسكريان على استخدام قوات الأمن اﻷسلحة النارية
وقنابل الغاز المخصصة للاستعمال في الحروب، لمواجهة المتظاهرين، وعلق المسعفُ أحمد
على ذلك بقوله: «لا يمكننا أن نبقى في منازلنا ونتظاهر بعدم حدوث أي شيء. كان
علينا أن نخرج ونعتني بالجرحى».

بغداد شهدت كثيراً من الحروب والانقلابات والتمردات،
لكن في المظاهرات الحالية اليومية غير المسبوقة، هناك ما يصل إلى 200 ألف متظاهر
يطالبون القيادة العراقية بتسليم السلطة إلى مسؤولين يُنهون الفساد الهيكلي وشبكات
المحسوبية التي دمَّرَت الثروة النفطية الهائلة التي تتمتع بها البلاد.

وحسب الصحيفة البريطانية، فقد طالب
المتظاهرون بتقليص الدور والنفوذ الإيراني الواسع وتدخُّله في الشأن العراقي. ولا
يبدو أن المسؤولين بالعراق على استعداد للتفاوض أو التسوية، بل تحوَّل التسامح
الذي استمر مع المظاهرات خلال أول أسبوعين، إلى حملة قمع عنيفة. قُتِلَ أكثر من
300 شخص وأصيب آلاف، سقط اعديد منهم في ساحة التحرير وسط بغداد، قلب الانتفاضة
الشعبية.

وهناك يعالج أحمد (31 عاماً)، وعباس (32
عاماً)، المصابين من المتظاهرين، وتحوَّلَت حملة القمع المفروضة على المتظاهرين
إلى حربٍ مفتوحة على المسعفين.

اكتسب المسعفان مهاراتهما الميدانية في أثناء
قتال تنظيم «الدولة اﻹسلامية» المعروف إعلامياً باسم (داعش) بين أنقاض
الموصل، وتكريت، وبيجي. يقول عباس: «بعد الحرب ضد داعش، لم أعتقد أنني سوف
أشهد معارك بهذه الشدة مجدداً. ولكن ما يحدث في شوارع وميادين بغداد أسوأ. في
الحرب، كانت الوفيات والإصابات أمراً متوقعاً. ولكن على مدار الأسابيع القليلة
الماضية خلال المظاهرات، رأيت بعض الإصابات الخطيرة التي نادراً ما تراها في حرب
حقيقية».

يصل المصابون أحياناً في مركبات «توك
توك» تستخدم كسيارات إسعاف، أو محمولين على أيدي المتظاهرين، الذين يستخدمون
أعلامهم لتضميد جراح الأعيرة النارية، ومحاولة إيقاف النزيف.

من الصعب التعامل مع صدمة علاج مدنيين
يحتضرون أمام عينيك، كانوا قبل لحظات أعضاء حركة مدنية تتمتع بالسلطة
والنفوذ. 

تكمن المعاناة في محاولة فهم هذا التباين بين
حيوية وقوة الشارع والمواطنين، والمبررات المألوفة للقمع الوحشي للمظاهرات.

المسعف عباس يقول: «حتى داعش لم تكن
لتطلق الرصاص على الطاقم الطبي خلال أسوأ المعارك. ولكن شرطة مكافحة الشغب تستهدف
المدنيين بقنابل الدخان والغاز المسيل للدموع».

وأضاف: «كان يُجلَب إلينا عشرات
المتظاهرين المصابين بجراح خطيرة وقنابل الغاز مغروسة في أجسادهم. إنها حاويات
صغيرة تحتوي على غاز مسيل للدموع مخصص للاستخدامات العسكرية في ساحات الحرب، ولكن
في هذه الحالة فإنها تطلق مباشرة نحو أجساد المتظاهرين».

يضيف عباس إن بعض الإصابات لم يسبق أن رأى
مثيلاً لها، إذ كانت القنابل تخترق الرؤوس والأجساد، وتتسبَّب في إصاباتٍ بشعة،
يصعب التعامل معها.

تعرَّض أحمد أيضاً لإصابةٍ من جراء قنبلة
غاز، ولكن لحسن حظه لم تخترق جسده، فضلاً عن تعرُّضه لكثير من الطلقات المطاطية.
وعندما يكشف أحمد عن ذراعه اليسرى يمكنك أن ترى الجرح الذي تسببت فيه قنبلة الغاز.
وكان ظهره مليئاً بالكدمات والرضوض. يقول أحمد: «كنت أصيح وأقول إنني مسعف،
ولكن الشرطة لم تتوقف عن إطلاق النار عليّ».

وقُتِلَ أربعة أشخاص آخرين في بغداد ليلة
الخميس 21 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما أطلقت قوات الأمن الرصاص الحي وقنابل الغاز
المسيل للدموع، على متظاهرين بالقرب من جسرين رئيسيين.

منظمة Human Rights
Watch قالت إن حجم الهجمات على
المسعفين «تُظهِر تجاهلاً تاماً للضرورة الواجبة التي تقتضي أن يؤدي العاملون
في القطاع الطبي مهمتهم الأساسية».

وقالت منظمة العفو الدولية إن قنابل الغاز
المسيل للدموع المستخدمة كانت إما صربية وإما إيرانية، وهي أثقل بمقدار 5 إلى 10
مرات من القنابل التي تستخدمها عادةً شرطة مكافحة الشغب، من أجل السيطرة على
الحشود والتجمعات. 

واستهدفت الشرطة مسعفين آخرين. خليل (22 عاماً)،
مثل زملائه رفض الكشف عن اسم عائلته، كان يرتدي سترة واقية تحت معطفه الأبيض، الذي
تظهر فتحة كبيرة في ظهره. وقال: «أطلقت شرطة مكافحة الشغب قنبلة دخان على
ظهري عندما كنت أحاول مساعدة متظاهر تعرَّضَ لإطلاق النار. كنت محظوظاً لارتدائي
درعاً واقية وإلا كنت سأتعرَّض لإصابة قاتلة».

وأُلقِيَ القبض على بعض المسعفين ولم يُسمَع
عنهم أي أخبار حتى الآن. وقيل لآخرين إنهم مطلوبون من قبل الشرطة. قال خليل:
«اعتُقِلَ أحد طلبة كلية الطب، كان يعمل معنا على جسر السنك في طريق عودته
إلى المنزل، ولم نسمع عنه شيئاً من حينها».

يعرف عباس وأحمد ما ينتظرهما إذا نجحت
الحكومة في قمع المظاهرات. قال عباس: «جاء ضباطٌ من الأمن الوطني إلى منزلي
وأخبروا عائلتي بأنني يجب أن أذهب إليهم وأن لديهم مذكرة للقبض عليّ. وقال لي
زملائي إنني موقوف عن العمل بالجيش وإنني سوف أواجه محاكمة عسكرية، ولكنني لا
أهتم. إذا أرادوا القبض عليّ فليأتوا إلى هنا ويقبضوا عليّ».

بينما لم يكن حال أحمد أفضل كثيراً، فقال:
«تلقيت مكالمةً من رقمٍ غير معروف يخبرني بأن أنتبه إلى نفسي، لأن هناك
أشخاصاً يطالبون برأسي».

وتتزايد أعداد الأشخاص الذين يُلقَى القبض
عليهم في هدوء بجميع شوارع وأنحاء بغداد، وسط مخاوف متزايدة مما قد يحدث لهم إذا
فشلت الدعوات المطالبة بالتغيير.

قال محامي أحد المقبوض عليهم: «أُلقِيَ القبض على موكلي من قبل جماعة ملثمة، عرَّفوا أنفسهم بأنهم ضباط مخابرات، في أثناء عودته من ميدان التحرير. وقد تعرض لضرب مبرح، ويواجه الآن تهمة التحريض على العنف».

وأضاف: «موكلي محتجزٌ بزنزانةٍ مزدحمة
وفي ظروفٍ سيئة ورهيبة. المحاكم لا تعمل، لذا لا يمكنني إخراجه. وأصبح التعذيب
والإهانات اللفظية ممارسة قياسية تتبعها السلطات ضد المتظاهرين السلميين».

وبرغم إدراكهم لحالات الاعتقال والاختفاء،
يعتقد عديدون في بغداد أن الزخم لا يزال إلى جانبهم، ويبدون استعدادهم لتقديم أي
إسهامات ممكنة لدعم حركة الاحتجاجات.

ويتولى إسماعيل، عامل في صيدلية، (45 عاماً)،
توصيل الأدوية إلى الفرق الطبية الميدانية يومياً، سواء مجاناً أو بخصوماتٍ كبيرة.
وقال: «إذا لم نمد المسعفين بالاحتياجات الأساسية، فسوف يخسر آلاف أرواحهم.
نحن نؤدي دورنا وما في استطاعتنا تجاه الشباب الذين يتعرَّض مئات منهم للإصابات كل
يوم في معركة غير عادلة».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى