آخر الأخبار

أُجبِرَ على النوم تحت الشمس وبين البعوض والصراصير.. حكاية بحّار تقطعت به السبل 3 سنوات قبالة شواطئ الإمارات

طيلة السنوات الثلاث الماضية، ظلّ التاجر البحّار فيكاش ميشرا من مومباي عالقاً على متن سفينة شحنٍ صدئة في البحر بالإمارات العربية المتحدة، على بُعد آلاف الأميال من عائلته الصغيرة، بعد أن هجره مالك السفينة.

وغطّت صحيفة Guardian البريطانية محنته التي امتدت لـ39 شهراً يوليو/تموز، والتي وصفها بأنّها «تعذيبٌ نفسي»، حين وصلت الأوضاع على ممر الشحن المزدحم إلى مرحلةٍ شديدة الخطورة في أعقاب فشل محركات السفينة، لدرجة أنّه خشي على حياته هو وثلاثة من أفراد الطاقم.

ولم يحصل على رواتبه، وأُجبِرَ مع الآخرين على النوم في الخارج في حرارة الشمس الحارقة تحت رحمة البعوض والصراصير.

وتُشبه قصة ميشرا حالة القبطان أيابان سواميناثان، القبطان الهندي الذي تخلّت عنه نفس الشركة الإماراتية التي تحمل اسم Elite Way Marine Services، والتي سلّطت الصحيفة الضوء عليها في أبريل/نيسان أيضاً.

والثنائي مُجرّد اثنين من أصل خمسة آلاف بحّارٍ تخلّى عنهم مُلّاك السُفن، وسجّلتهم المنظمة البحرية الدولية ومنظمة العمل الدولية عام 2004.

ولكن اليوم، وبعد قضاء ثلاث سنواتٍ بإمدادات محدودة، ووسائل اتصال ضعيفة، وسلسلةٍ من الوعود الواهية من مُلّاك السفينة؛ وصلت ميشرا (34 عاماً)، المهندس الثاني على متن سفينة تميم ألدر، الأخبار التي كان ينتظرها. إذ تسلّم 80% من رواتبه، ويأمل في العودة إلى وطنه بحلول عيد الميلاد.

وقال ميشرا، المُقيم الآن بميناء مدينة دبي الملاحية، في رسالةٍ صوتية عبر واتساب: «نحن محظوظون للغاية. هناك الكثير ممن تقطّعت بهم السبل هنا، دون أجر، ودون أيّ شيء. وبعد 39 شهراً، أستطيع أخيراً العودة إلى وطني لرؤية عائلتي. حين أتيت إلى هنا، كانت ابنتي تانيا في شهرها الثامن. وستبلغ عامها الرابع في الشهر الجاري. لقد غبت عنها لثلاثة أعياد ميلاد مُتتالية».

وأضاف ميشرا أنّ ابنه تانماي قال له: «سأقول لبابا نويل: أرجوك، لا أريد هدية، فقط أعِد والدي إلى أرض الوطن».

وشكر ميشرا صحيفة Guardian لمساعدتها في تسليط الضوء على محنته، ومحنة البحّارة الآخرين الذين تقطّعت بهم السبل.

وهو ورفاقه الثلاثة الآخرون من طاقم السفينة تميم ألدر، مع كبير المُهندسين الهندي أرسو لوبو وتيسفا مايكل وويلداي ميهاري أيرا من إريتريا، هم آخر المُتبقين من أصل 36 بحّاراً تقطّعت بهم السُبل على مُختلف السفن التابعة لشركة Elite Way Marine Services في الخليج. وأُجبِروا فعلياً على مواصلة العمل على متن السفينة دون أجر، من أجل الحفاظ على سلامتها. وأُعيد البقية إلى وطنهم بنجاح، إذ اجتمع شمل أيابان بعائلته في يونيو/حزيران.

وفي وقتٍ من الأوقات، كان ميشرا ورفاقه البحارة قد شعروا بالخوف الشديد على حياتهم، لدرجة أنّهم هجروا السفينة تميم ألدر وحاول السفر مسافة 25 ميلاً بحرياً إلى الميناء في قارب نجاة، قبل أن يُجبروا على العودة إلى سفينتهم وتحذيرهم من تعرّضهم للسجن.

وفي أغسطس/آب، أقنعت شركة Mubarak Marine ميشرا وآخرين بالعودة إلى دبي، حيث يعيشون الآن على متن قارب. وحصل ميشرا على ثمانية آلاف درهم (ألفا دولار تقريباً)، وأرسلها إلى عائلتها التي ترزح تحت وطأة ديونٍ شديدة. وفي الأيام الأخيرة، حصل ميشرا على 80% من مبلغ الـ78 ألف دولارٍ أمريكي كانت مُستحقةً له.

وشبّهت المنظمة البحرية الدولية وجماعات حقوق الإنسان بين زيادة أعداد قضايا من تقطّعت بهم السبل، بالسخرة والعبودية المُعاصرة.

إذ شهدت السنوات الثلاث الأخيرة ارتفاعاً هائلاً في عدد قضايا من تقطّعت بهم السبل، والإمارات هي من أسوأ الدول المعنية. ففي العام الجاري فقط، لم يحصل 50% من أصل 474 رجلاً تقطّعت بهم السبل -254 بحّاراً- على أجورهم، ولا تزال قضاياهم مُعلّقة بحسب المنظمة البحرية الدولية.

وهناك قرابة الـ40 سفينة مهجورة سُجّلت العام الجاري، و44 سُجّلت عام 2018، و55 سُجّلت عام 2017، وذلك مُقارنةً بـ12 إلى 17 حالة سُجِّلت خلال السنوات الخمس السابقة. وقالت المنظمة البحرية الدولية إنّ هذا الارتفاع يرجع جزئياً إلى تحسُّن التقارير وزيادة الحماية الممنوحة للبحارة بموجب تعديلٍ في اتفاقية العمل البحري عام 2017. إذ إنّه بموجب الاتفاقية، يستطيع البحارة الذين تقطّعت بهم السبل ولم يحصلوا على أجورهم لمدة شهرين أن يُطالبوا بها من خلال التأمين الإلزامي.

ولكن الإمارات العربية المتحدة، حيث نجد أنّ 90% من القوى العاملة هي من العمالة المُهاجرة، ليست من الدول المُوقّعة على اتفاقية العمل البحري التي تُؤكّد كذلك على الحقوق النقابية. وفي العام الماضي، حظرت البلاد عمل شركة Elite Way Marine Services في مياهها، وتُخطّط لتشريعٍ جديد من أجل حماية البحارة. وسيسمح القانون الجديد، الذي لم يُدرج بعد على قائمة القوانين الأساسية بعد، للسلطات بمُصادرة السفن التي تقطّعت بها السبل وبيعها ومنح الأولوية للبحارة بدلاً من المدنيين.

ومن بين القضايا التي أُبلِغ عنها عام 2019، قالت المنظمة البحرية الدولية إنّ هناك أربع دول مُتورّطة لم تُوقّع على اتفاقية العمل البحري: جزر القمر ودومينيكا وسوريا والإمارات. ويمتلك الاتحاد الدولي لعمال النقل أرقاماً مُختلفة بعض الشيء، إذ سجّل خمس سفنٍ في الإمارات، وأربع سفن في قطر، وثلاث سفن في إيران.

وقال جان إنغيل دي بور، المسؤول القانوني البارز بالمنظمة البحرية الدولية، إنّه يُؤمن بأنّ القضية لا تحظى بتغطيةٍ كافية لأنّ البحّارة يرزحون تحت ضغطٍ من مُلّاك السفن لعدم تنبيه السلطات. وأضاف دي بور: «عدد القضايا التي تُحَلّ قليل. هذا هو انطباعي. إذ إنّ الأرقام التي تصلنا لا تُعبّر عن ما يحدث، بل عن ما يجري الإبلاغ عنه فقط. لذا فنحن لا نعلم مدى سوء الأوضاع».

وحين تتقطّع السبل بالبحارة، يقعون عادةً تحت رحمة الجمعيات الخيرية، التي تتصرّف بوصفها وسيطاً يزور العائلات لتقديم الدعم.

وقال القس أندي بورمان، من جمعية Mission to Seafarers، الذي عاد للتو من زيارةٍ إلى عائلة ميشرا في مومباي: «الشيء المُحزن هو أنّ الأطفال كانوا يقولون: أين والدنا، ومتى سيعود إلى أرض الوطن؟. لقد حصلوا على الكثير من الوعود الزائفة. ولكنهم بقليلٍ من الحظ، سيعودون إلى وطنهم بحلول عيد الميلاد». وهو يعلم بقضايا 60 شخصاً على متن 10 سفن، قبالة ساحل الإمارات العربية المتحدة، تقطّعت بهم السبل لفتراتٍ تتراوح بين ثلاثة وعشرة أشهر.

وأضاف بورمان: «هناك تغييراتٌ تحدث، ولكن ببطءٍ شديد. إذ لم يُدرج القانون الجديد على قائمة القوانين الأساسية. وفي حال حدوث ذلك؛ فسيُمثّل هذا تحوّلاً كبيراً في التعرّف إلى البحّارة».

وتواصلت صحيفة Guardian مع الهيئة الاتحادية للمواصلات البرية والبحرية في الإمارات من أجل التعليق على هذا المقال، لكنّها لم تحصل على رد.

وقالت شركة Elite Way Marine Services الإماراتية للصحيفة في أبريل/نيسان إنّها فشلت في دفع رواتب البحارة من السفينة أرزاقمياه وغيرها من السفن إثر تعرّضها لمشكلات مالية، ولكنّها وعدت بدفع الرواتب قريباً. وقال القبطان إبراهيم جعفر، مُدير العمليات بالشركة، إنّ الشركة لم ترغب في بيع أيٍ من سفنها سابقاً -بغرض توفير سيولةٍ مالية من أجل دفع الرواتب- نظراً لأن أوضاع السوق غير المواتية كانت تعني أنّ سعر البيع لن يكون جيداً. ولكن الشركة عثرت لاحقاً على مُشترٍ لإحدى السفن، في حين بيعت سفينةٌ أخرى خردة. وأوضح جعفر حينها: «نمُرُّ بضائقةٍ مالية. فالسوق راكد منذ عامٍ ونصف العام. ولن يدفع أيّ شخصٍ مبلغاً جيداً مقابل سفينة».

ولكن الصحيفة عجزت عن التواصل مع الشركة من أجل هذا المقال. كما لم تحصل على ردٍ من شركة Mubarak Marine، الشركة التي كانت تعتني بالبحارة منذ أغسطس/آب.

وقال ديفيد هاموند، من منظمة Human Rights At Sea: «حين تتقطّع بهم السبل؛ يتعين على البحارة المُخاطرة بحياتهم بالبقاء على متن السفينة، من أجل الحفاظ على حقهم والتعامل معهم بجدية، وهذا لا يجب أن يحدث. ويجب أن تأتي مساءلة مالكي السفن من التشريعات الوطنية. والافتقار إلى تشريعات مساءلة مُلّاك السفن يُعَدّ فشلاً، ويأتي معه افتقارٌ إلى الرغبة في المُحاكمة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى