تقارير وملفات إضافية

أين وصل «اتفاق الرياض» بشأن اليمن؟ وهل بات انفصال الجنوب أمراً واقعاً بالفعل؟

بعد مرور أكثر من شهر ونصف على توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، يبدو أن المشهد الاحتفالي الذي حضره ولي عهد السعودية وولي عهد أبوظبي مع الأطراف اليمنية لم يتعدّ كونه «مناسبة لاتخاذ صور تذكارية»، فالموقف على الأرض في عدن لم يتغير تقريباً، فما هي القصة؟

في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تم توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية برئاسة عبدربه هادي منصور (مدعومة من السعودية) من جهة وبين المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي (مدعوم من الإمارات) من جهة أخرى، معلناً عن انتهاء الاشتباكات المسلحة في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى، وشمل الاتفاق 29 بنداً هدفها نزع فتيل الصراع بين الطرفين.

اليوم الخميس 26 ديسمبر/كانون الأول يبرز السؤال بشأن ماذا تم تنفيذه من بنود الاتفاق بعد مرور ما يقرب من الشهرين؟ وقبل الإجابة على السؤال، دعونا نسترجع معاً الأحداث التي سبقت التوقيع عليه.

اندلعت اشتباكات عنيفة في أغسطس/آب الماضي في عدن بين قوات الحزام الأمني (تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تم تشكيلها وتدريبها وتسليحها من جانب الإمارات) وبين قوات الحماية الرئاسية التابعة لحكومة هادي، سرعان ما تحولت إلى حرب بين الجانبين امتدت إلى كامل المحافظات الجنوبية في اليمن، وانتهت لصالح قوات المجلس الانتقالي الساعي لانفصال جنوب اليمن.

شهدت تلك الفترة خروج الخلاف السعودي-الإماراتي (عضوي التحالف الذي تقوده الرياض ويحارب الحوثيين في اليمن منذ مارس/آذار 2015) إلى العلن، بعد أن اتضح أن أهداف أبوظبي تركز أكثر على  انفصال الجنوب تحت حكم المجلس الانتقالي الذي أنشأته وتستضيف قياداته، بخلاف ما تريده الرياض، وهو هزيمة الحوثيين المدعومين إيرانياً وإعادة حكومة هادي (الموجود في الرياض) إلى حكم اليمن موحداً.

ومنذ أغسطس/آب وحتى توقيع اتفاق الرياض، حاولت السعودية وبتدخل أمريكي التوصل لتفاهمات مع الإمارات لإنقاذ التحالف – الذي كانت الإمارات قد انسحبت منه عملياً بشكل مفاجئ تحت دعاوى إعادة التمركز بهدف إقرار السلام – وبالتالي تم التوصل لبنود الاتفاق والتوقيع عليه.

نصل الآن لإجابة السؤال، ونورد هنا أبرز البنود بحسب نص الاتفاق لنعرف ما تم تنفيذه منها وما لم يتم، وأسباب عدم التنفيذ.

نص الاتفاق على قيام رئيس الوزراء الحالي معين عبدالملك بمباشرة عمله في عدن خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام من تاريخ توقيع الاتفاق لتفعيل جميع مؤسسات الدولة في مختلف المحافظات (تم تنفيذ هذا البند بصورة جزئية، حيث عاد عبدالملك فقط إلى عدن، ولكن ذلك لم يتم إلا بعد مرور نحو شهر على الرغم من أن نص البند قال في مدة لا تتجاوز 7 أيام)

الاتفاق نص أيضاً على التزام الطرفين بتفعيل دور جميع سلطات ومؤسسات الدولة اليمنية، حسب الترتيبات السياسية والاقتصادية الواردة في الملحق الأول بالاتفاق وإعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع، حسب الترتيبات العسكرية الواردة في الملحق الثاني من الاتفاق (لم يتم تنفيذ ذلك حتى الآن). 

بند آخر نص على إعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية والالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لجميع أبناء الشعب اليمني ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي ونبذ الفرقة والانقسام، وإيقاف الحملات الإعلامية المسيئة بكل أنواعها بين الأطراف وتوحيد الجهود تحت قيادة تحالف دعم الشرعية لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن، ومواجهة التنظيمات الإرهابية (لم يتم التنفيذ حتى الآن). 

نص الاتفاق على تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراً (مناصفة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس هادي)، على أن يؤدي أعضاء الحكومة القسم أمام الرئيس في اليوم التالي لتشكيلها مباشرة في عدن (لم يتم تنفيذه حتى الآن). 

يعين الرئيس عبدربه منصور هادي محافظاً ومديراً لأمن محافظة عدن خلال 15 يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاق، كما يتم تعيين محافظ لأبين والضالع خلال 30 يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاق (لم يتم التنفيذ حتى الآن).

كما نص الملحق الثاني للاتفاق «الترتيبات العسكرية» على عودة جميع القوات – التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية شهر أغسطس/آب 2019م – إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها وتحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة خلال 15 يوماً من تاريخ توقيع هذا الاتفاق (لم يتم التنفيذ حتى الآن). 

كما نص على تجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن خلال 15 يوماً من تاريخ توقيع الاتفاق إلى معسكرات داخل عدن تحددها وتشرف عليها قيادة تحالف دعم الشرعية، وتشمل هذه الأسلحة على وجه الخصوص الدبابات، المدرعات، المدفعية، كاتيوشا، الهاونات الثقيلة، الصواريخ الحرارية، والأطقم المسلحة بعيارات ثقيلة ومتوسطة (لم يتم التنفيذ حتى الآن). 

كما أكد الاتفاق على نقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن إلى معسكرات خارج محافظة عدن تحددها قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الاتفاق، ويستثنى من ذلك اللواء الأول حماية رئاسية الذي يناط به مهمة حماية القصور الرئاسية ومحيطها وتأمين تحركات الرئيس (لم يتم التنفيذ حتى الآن). 

السبب الرئيسي وراء عدم تنفيذ بنود اتفاق الرياض وعلى الأرجح أنه لن يتم تنفيذها أيضاً يكمن في تفسير كل طرف لذلك الاتفاق، فالمجلس الانتقالي يراه «مكسباً سياسياً» لقضية انفصال الجنوب، بينما تراه حكومة هادي في سياق مختلف بل مناقض.

في كلمة له خلال الاجتماع الفصلي للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، قال الزبيدي إن اتفاق الرياض محطة تاريخية توجت بتحقيق الاعتراف بالمجلس والجنوب وقضيته، وأضاف: «لقد خرج الاتفاق بملفات سياسية وعسكرية على خطى استعادة دولتنا، فنحن أصحاب الأرض وسنشارك في كل المواقع والمواقف، ولن نكون طرفاً لتجار يعملون باسم الجنوب وهم بعيدون عنه».

لكن وزير الخارجية في الحكومة اليمنية محمد الحضرمي كان له تفسير آخر حين قال – رداً على تصريحات الزبيدي – إن اتفاق الرياض لم يأت لتغيير شكل الدولة بل للحفاظ عليها وعلى أمنها واستقرارها وسلامة ووحدة أراضيها.

الرياض، التي رعت الاتفاق، قدمت نفسها كضامنة لتنفيذه، لكن الأوضاع على الأرض تشير إلى أن بنود الاتفاق ليست إلا مجرد حبر على ورق، وأن المجلس الانتقالي (ومن خلفه أبوظبي) يسعون للانفصال وإقامة دولة الجنوب ولا يوجد لديهم أي نية للعمل ضمن حكومة هادي أو غيره.

وعلى الرغم من وصول قوات سعودية إلى مدينة عدن، للإشراف على تنفيذ الملحقين العسكري والأمني، أقر قائد القوات السعودية العميد مجاهد العتيبي بأن هناك صعوبات كبيرة في تنفيذ الاتفاق على الأرض، وما لبث أن استدرك بأن ذلك ليس مستحيلاً، مشيراً إلى أن بلاده قادرة «وبكل حزم» على تذليل الصعوبات والعمل على تنفيذ جميع البنود.

حين بدأت قوات الحماية الرئاسية بالعودة إلى مواقعها في قصر المعاشيق بعدن، مقر الحكومة، ومعسكرات ألوية الحماية الرئاسية، استنفرت قوات الحزام الأمني التابعة للانتقالي الجنوبي قواتها، وأعلنت التعبئة العسكرية، ونصبت الحواجز على الطرق.

وكانت قوات الحماية تتجه من محافظة شبوة الخاضعة لسيطرة الحكومة، في طريقها باتجاه الغرب إلى محافظة أبين ثم إلى مدينة عدن، لكن الأحداث التي تلتها كانت إشارة إلى أن اتفاق الرياض لا يزال حبراً على ورق.

وسرعان ما احتدم قتال محدود بين القوتين في مديريتي «المحفد» و «أحور» شرقي محافظة أبين، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، قبل أن تتدخل السعودية لتهدئة الوضع. ووفق مصدر عسكري في القوات الحكومية، فإن قوات الحماية الرئاسية كانت تتحرك وفق اتفاق الرياض، الذي نص على عودة جميع القوات إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها خلال 15 يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاق.

وأوضح في حديث لوكالة الأناضول أن ردة فعل القوات الموالية للانتقالي كانت إشارة واضحة إلى أنها لم تلتزم باتفاق الرياض. وأشار إلى ان الانتقالي الجنوبي قَبِل دخول القوات الموالية للحكومة إلى عدن، في حافلات نقل، بعد أن يتم تجريدهم من السلاح بما في ذلك السلاح الشخصي، وهو أمر رفضته قوات الحماية الرئاسية تماماً.

الصحفي يوسف عجلان يرى أن اتفاق الرياض «فشل حتى اللحظة»، إذ إن المعطيات على الأرض تشير إلى أن بنوده لم تُحقق. ويضيف في حديثه للأناضول: «لا شيء تغير على أرض الواقع، في ظل حالة الصراع والنوايا المبطنة من قبل النظام الإماراتي، إضافة إلى أن الاتفاق لم ينجح في استيعاب الصراع القائم والجوانب الخلافية بين الحكومة والانتقالي».

ويرى عجلان أن «المستقبل قاتم مع التهديدات التي يطلقها الانتقالي بطرد الحكومة، إضافة الى التحشيد للقوات والتحشيد المضاد في محافظة أبين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى