تقارير وملفات إضافية

إثيوبيا أساءت لمصر وتحرَّشت بالسودان والأغرب ما فعلته بأمريكا.. فلماذا تخشى القاهرة الوساطة الأوروبية في أزمة النيل؟

“نرفض موقف مصر المجرد من المبادئ”، بهذه الكلمات الحادة المجافية للدبلوماسية هاجمت أديس أبابا موقف مصر من سد النهضة الإثيوبي، ضمن حملة استقواء إثيوبية شملت مصر والسودان، ولم تنجُ منها حتى القوة العظمى الأولى في العالم؛ الولايات المتحدة. 

إذ انتقدت أديس أبابا، الأسبوع الماضي، ما وصفته بالموقف المجرد من المبادئ للحكومة المصرية تجاه سد النهضة الإثيوبي (GERD)، وزادت هذه الانتقادات من حدة الخلاف في واحدة من أكثر المفاوضات الدبلوماسية إثارة للجدل في إفريقيا في العقود الأخيرة، حسب وصف تقرير لموقع Quartz الأمريكي.

وبلغ الخلاف الدبلوماسي حول أطول أنهار  إفريقيا؛ النيل، الذي يمر عبر 11 دولة، بسبب سد النهضة الذي تُشيده إثيوبيا التي يأتي حوالي 85% من مياه النيل المتدفقة إلى السودان ومصر منها.

قال وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندارجاشيو، متحدثاً في مؤتمر صحفي مع ممثلي الأحزاب السياسية في قاعة مؤتمرات الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، يوم الأربعاء: “بدلاً من أن تدخل مصر في حوار جاد استخدمت منصة التفاوض للمطالبة بأن يكون السد أصغر حجماً، وأن يخزن كمية أقل من المياه، ويتحول إلى شيء لا يفي باحتياجاتنا. وبأيديهم أن يتركوا هذا النهج المُعيق ويتعاونوا بدلاً من ذلك مع الأطراف المعنية”.

ويعد إصرار إثيوبيا على ملء خزان السد دون التوصل إلى اتفاق على الجوانب الفنية نقطة الخلاف الرئيسية التي تعترض عليها مصر، إذ تبلغ سعة خزان السد 74 مليار متر مكعب، وتخطط إثيوبيا لتخزين حوالي 18.4 مليون لتر مكعب من المياه في العامين القادمين.

وتقول مصر إن فعل ذلك دون التوصل إلى اتفاق يعد خرقاً للقانون الدولي، وسيؤثر بشكل خطير على حصتها من المياه. 

وأكدت إثيوبيا مجدداً أنها لا تحتاج إلى موافقة مصرية لملء السد. وقد ألمح المسؤولون الأمريكيون، الذين طلبت منهم مصر التوسط، إلى إحراز تقدم، إلا أن الخلافات بين البلدين كثيرة وأدت في النهاية إلى انسحاب إثيوبيا من الجولة الأخيرة من المفاوضات، في أواخر فبراير/شباط.

وكتب سفير إثيوبيا لدى الولايات المتحدة فيتسوم أريغا على تويتر في ذلك الوقت: “إثيوبيا لن توقع أبداً على اتفاقية من شأنها التنازل عن حق لها في نهر النيل”.

كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هو من التمس وساطة أمريكية، بعد أن وافق رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على إشراك وسيط طرف ثالث، كما شارك ممثلون من البنك الدولي في المفاوضات أيضاً للتحكيم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، وافقت إثيوبيا من حيث المبدأ على طلب مصري بأن تجري عملية ملء السد على مراحل على مدى سبع سنوات. لكنهما لم يتمكنا من الاتفاق على التفاصيل الدقيقة لكيفية تنفيذ هذه العملية، مثل السرعة التي سيُملأ بها الخزان.

في هذا الصدد لم تفعل الولايات المتحدة الكثير للجمع بين الطرفين المتعارضين، وقررت إثيوبيا في النهاية الامتناع عن حضور جولة نهائية من المفاوضات، في أواخر فبراير/شباط، حيث كان من المفترض أن يوقع الجانبان اتفاقية قانونية وملزمة. 

ورفضت إثيوبيا شروط اتفاق اعتبرته منحازاً لمصر، ما أدى إلى اتهامات من قبل إثيوبيين بأن الولايات المتحدة كانت تحاول إرغام إثيوبيا على المساومة على طموحاتها من بناء السد. 

ونزل الإثيوبيون في الولايات المتحدة إلى الشوارع للاحتجاج على “ضغوط الولايات المتحدة على إثيوبيا”.

وفي الوقت نفسه، اعترضت مصر على غياب إثيوبيا عن الجولة الأخيرة من المحادثات، ورفضها التوقيع على الاتفاقية التي صاغها بالفعل الوسطاء المتمثلون في الولايات المتحدة والبنك الدولي. 

وفي رسالة وجّهها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر، انتقد وزير الخارجية المصري سامح شكري “التوجه أحادي الجانب لإثيوبيا، وافتقارها إلى الرغبة في التعاون، ورغبتها في ملء سد النهضة بغض النظر عن تأثيره على الدول المشاطئة لنهر النيل”.

وفي حين أن نصّ الاتفاق الذي صاغه الوسطاء الأمريكيون غير متاح للجمهور، قدم شكري فكرة عما يتضمنه في رسالته إلى مجلس الأمن. ومن بين البنود التي رأت إثيوبيا أنها غير مقبولة وفقاً لشكري، حل وسط يتضمن “إجراءات تخفيف” سيجري تنفيذها حتى بعد انتهاء المرحلة الأولى من ملء السد، إذا تعرضت مصر للجفاف.

وتصف إثيوبيا هذا البند بأنه شائن. وقال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي الدكتور سيليشي بيكيلي: “الجانب المصري أعاق المفاوضات حتى الآن بسبب رغبة مصر في الحفاظ على هيمنتها التاريخية”، حسب وصفه.

وبحسب الوزير، بلغ تقدم بناء سد النهضة نحو  73.7%.

بعد شهور من الجمود، ضغط السودان لإعادة تنشيط المفاوضات الثلاثية المتوقفة، وتلقى رداً إيجابياً من القاهرة وأديس أبابا، رغم المشاحنات العلنية  بين الاثنتين.

وأبدى السودان عزمه على تخفيف حدة التوتر، حيث يُعتَقد أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قد رتب لاستمرار المحادثات الثلاثية من خلال التواصل مع نظيريه الإثيوبي والمصري في الأسابيع الأخيرة. كما ضغطت الصين على الاثنين لوضع حد للصراع والعمل من أجل التوصل إلى حل سلمي. ومن المرجح أن اهتمام بكين ينبع من دعمها المالي لمشروع سد النهضة. إذ حصلت شركتان صينيتان حكوميتان على 150 مليون دولار في عقود بناء سد النهضة العام الماضي.

ولكن بعد أن أخبر أبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، الإثيوبيين أنه “حتى فيروس كورونا” لن يعيق خطط بناء السد، ورسالة مصر شديدة اللهجة إلى مجلس الأمن، فيبدو أن الخلاف قد يزداد تأزماً في يوليو/تموز المقبل.

وأفادت تقارير بأن القاهرة تلقت اتصالات مكثفة من المفوضية الأوروبية ومفوضية الاتحاد الإفريقي وعواصم إفريقية مختلفة، لمحاولة تقريب وجهات النظر بينها وبين أديس أبابا، بشأن قضية سدّ النهضة بعد فشل الوساطة الأمريكية، وسط إصرار إثيوبي أبلغ للوسيط السوداني باستبعاد نتائج مفاوضات واشنطن من أي تفاهمات تالية، بينما تتخوف مصر من أن أي وساطة جديدة من شأنها جرها إلى دائرة مفرغة جديدة من التفاوض.

وهناك مخاوف كذلك من تعقد العلاقة بين إثيوبيا والسودان الشريك والوسيط في الوقت ذاته في قضية النيل جراء الهجوم الذي نفذته ميليشيات إثيوبية على الحدود السودانية، رغم تأكيد الطرفين، لأنه لا علاقة لقضية النيل بهذه الأحداث.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى