تقارير وملفات إضافية

لا توجد خيارات جيدة.. كيف تضمن السعودية والإمارات الأمن في مواجهة إيران؟

لا شك في أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وفرت مظلة حماية لا يستهان بها للرياض وأبوظبي جعلت من طموحات كل منهما في المنطقة حصاناً جامحاً بلا حساب، لكن جاءت جائحة كورونا وحرب أسعار النفط لتكشفا عن حقيقة مريرة وهي أن تلك المظلة ليست مضمونة ولا دائمة، فما خياراتهما لضمان الأمن في مواجهة إيران؟

موقع Begin-Sadat Center for Strategic Studies الإسرائيلي نشر تقريراً بعنوان: “أمن الخليج: دول الخليج العربية ليست لديها خيارات جيدة”، ألقى الضوء على الخيارات الصعبة التي تواجه السعودية والإمارات في مواجهة إيران في ظل تغير الموقف الأمريكي من صراعات المنطقة.

تواجه الولايات المتحدة خياراً عسيراً في الشرق الأوسط إذا واصلت حملة الضغط الأقصى التي تمارسها ضد إيران: وهي مواجهة الجمهورية الإسلامية عسكرياً أو الانسحاب من المنطقة، وقد توصل تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد “كوينسي” في واشنطن والرئيس السابق للمجلس الوطني الإيراني الأمريكي، إلى استنتاج قاسٍ مؤخراً. ولا شك في أن بارسي ربما يكون مُحقاً في تحليله النهائي، إذ يمكن بكل سهولةٍ أن تخرج التوترات الأمريكية الإيرانية عن السيطرة وتتحول إلى حرب شاملة لا تريدها إيران ولا الولايات المتحدة.

غير أن هناك ظلالاً رمادية تفصل بين الهجمات الانتقامية المستمرة منذ أمد طويل ضد الأهداف الأمريكية -التي تحدث بصورة أساسية في العراق، وتحدث بين الحين والآخر عبر مضايقة السفن الأمريكية في الخليج، والردود الأمريكية المتفرقة- والحرب الشاملة.

تورطت الولايات المتحدة وإيران في هجمات انتقامية تباينت درجة شدتها على مدى السنوات، وقد تجنبتا حتى الآن تصعيداً لا يمكن السيطرة عليه رغم حوادث على شاكلة إسقاط طائرة إيران إير التي كانت تحمل الرحلة رقم 655 في عام 1988، والتي أسفرت عن مقتل 274 شخصاً، والاغتيال المستهدف لقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني في وقت سابق من هذا العام.

وبغضّ النظر عن البجعات السوداء المحتملة، ثمة سيناريو مرجح يشير إلى أن رغبة الولايات المتحدة في تخفيض التزامها تجاه دول الخليج زادت من شكوك الخليج حول موثوقية الولايات المتحدة بوصفها ضامناً أمنياً إقليمياً، وحول عالم جديد تكافح فيه دول الخليج والدول الغربية لتتعامل مع التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا وتتضافر لخلق بيئة أكثر ملاءمة للترتيبات الأمنية متعددة الأطراف، والتي يمكن أن تقلل من احتمالات وقوع الحرب، حتى وإن بدت تعددية الأطراف في تراجع حول العالم.

إذ إن التهديد الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مطلع أبريل/نيسان، بوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية إذا لم تنهِ حرب أسعار النفط التي تخوضها ضد روسيا، والتي أدت إلى انهيار أسواق النفط، يشكل معركة ملحمية حتمية على الحصة السوقية.

وعلى الفور، تُرجمت الرسالة في الرياض على أن الضمانات الأمنية الأمريكية كانت مشروطة وعززت من تصورات السعودية بأن الولايات المتحدة كانت تجني من علاقاتها الوثيقة مع المملكة أكثر بكثير مما تعطي.

وفي إشارة لا تُلحظ كثيراً حالياً، وضعت إدارة ترامب السعودية في قائمة الدول ذات الأولوية للمراقبة لانتهاك حقوق الملكية الفكرية، بسبب قرصنة حقوق البث المملوكة لمجموعة “بي إن” الإعلامية القطرية، وهدد وضع السعودية في هذه القائمة بتعقيد العرض المثير للجدل بالفعل، الذي تقدمت به الرياض لشراء نادي نيوكاسل الإنجليزي.

ولا يزال من المبكر تقييم التأثير الجيوسياسي للتراجع الاقتصادي العالمي، إذ إن انخفاض الطلب على النفط والغاز وانخفاض أسعارهما، يمكنهما أن يمكّنا الصين من تنويع مصادرها واحتمالية خفض اعتمادها على الشرق الأوسط، وهي منطقة متقلبة محفوفة بمخاطر أمنية شديدة، وزادت واردات الصين من النفط الروسي بنسبة 31% في الشهر الماضي، بينما تراجعت وارداتها النفطية من السعودية بنسبة 1.8% مقارنة بمارس/آذار 2019.

وفي الوقت ذاته، فإن انخفاض أسعار النفط، التي تجعل إنتاج النفط الأمريكي أقل صلاحية من الناحية التجارية، يمكنه أن يزيد مؤقتاً من اهتمام واشنطن بأمن الخليج.

ففي الأساس، وبغضّ النظر عن ماهية السيناريو الذي سيتحقق، لن يتغير إلا القليل، فسوف تظل الولايات المتحدة راغبة في تقليل تعرضها للشرق الأوسط. ومن جانبها، سوف تبقى الصين في حاجة إلى تأمين إمدادات النفط والغاز بالإضافة إلى استثماراتها وجالياتها الكبيرة في المنطقة، وفي الوقت ذاته سوف تسعى لتجنب السقوط في صراعات إقليمية مستعصية.

وبالطريقة نفسها، فإن الإنعاش التدريجي للحياة الاقتصادية، وضمن ذلك إعادة تنشيطٍ مرحلية محتملة لسلاسل التوريد والسفر الدولي، مقترنة بحاجة إلى إعادة التفكير في سكن العمال المهاجرين وخلق فرص عمل محلية، يمكن أن يغير من تصورات الشرق الأوسط حول طريقة الصين في أداء الأعمال التجارية.

كانت مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية تعني بالنسبة لهذه البلاد أن الصين تكسب مرتين، وهو ما سوف يتعاظم أكثر من ذلك بأي بيئة اقتصادية في أعقاب الجائحة، وإن كان ذلك إشكالياً على الدوام. تعتمد المشروعات التي تمولها الصين بدرجة كبيرة على الأيدي العاملة الصينية والمواد الصينية بدلاً من الاعتماد على المصادر المحلية.

يمتد نهج “الصين أولاً” الذي تنتهجه الجمهورية الشعبية إلى ما هو أبعد من الجوانب الاقتصادية والتجارية، ففي بيئة تبدو فيها الولايات المتحدة شريكاً لا يمكن استبداله لكنه شريك غير موثوق، قد تنظر دول الخليج نظرة مختلفة إلى تردد الصين في المشاركة في تحمُّل مسؤولية أمن المنطقة مع احتمالية الاضطرار إلى توريط نفسها في صراعات متعددة نجحت في أن تنأى بنفسها بعيداً عنها.

تعد جائحة فيروس كورونا نقطة فاصلة سوف تصبغ مواقف الشرق الأوسط تجاه جميع الأطراف الخارجية المهمة بالنسبة للمنطقة: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا. قبل الأزمة، كانت روسيا -الأضعف بين الثلاث- تستفيد من الجانب الاقتصادي الضعيف بطريقة جيدة، لكنها قد تجد صعوبة أكبر في ذلك الآن. 

الأرجح أن دول الخليج سوف تستنتج أن سياسات الانطلاق الفردية الحاسمة تحمل خطورة ولا تنجح إلا في ظروف تكون فيها القوى الكبرى طرفاً في الخدعة أو أنها تنظر بعيداً، على الرغم من أنه كان من السهل السعي وراءها في بيئة اقتصادية مستقرة تبدو فيها قاعدة إيراداتها من النفط والغاز آمنة.

يبدو أن الإمارات قرأت المكتوب على الجدار، فقد بدأت منذ عامٍ حماية نفسها من خلال التواصل مع إيران؛ في محاولة لضمان أنها لن تصير مسرحاً في حال خرجت التوترات الأمريكية الإيرانية عن السيطرة، ومع ذلك، لم يوقفها ذلك عن توجيه دعمها إلى المسلحين في ليبيا الذين يقودهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في خرق للحظر الدولي المفروض على السلاح في ليبيا.

ينبغي للتهديد الذي وجهه ترامب بإيقاف مبيعات الأسلحة إلى السعودية أن يكون قد أوضح النقطة في الرياض، بيد أن المملكة ودول الخليج الأخرى، التي أُضعفت مالياً واقتصادياً والأقل قدرة على تأليب القوى الكبرى بعضها ضد بعض والمحرومة من أي خيارات بديلة قابلة للتطبيق، قد تجد أن الترتيبات الأمنية متعددة الأطراف التي تدمج مظلة الدفاع الإقليمية الأمريكية -بدلاً من أن تستبدلها- هي القشة الأمنية الوحيدة التي يمكنها الإبقاء عليها.

ولكن إذا حاولت هذه الدول في نهاية المطاف، التفاوض على ترتيب جديد، فقد تجد نفسها لا تملك هذا النوع من النفوذ الذي امتلكته قبل الجائحة، التي سحبت البساط من أسفلها في نواحٍ كثيرة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى