تقارير وملفات إضافية

لماذا أرسل حفتر محمود الورفلي ذراعه اليمنى إلى بني وليد؟ للمدينة أهمية استراتيجية

في محاولة لتوريط مدينة بني وليد الليبية في أتون الحرب بالمنطقة الغربية، أرسل اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أحد ضباطه الذين يوصفون بالدمويين لتولي عملية تأمين طريق الإمداد الاستراتيجي بينها وبين مدينة ترهونة (غرب)، مما يدفع للتساؤل حول مصير هذه المنطقة، بعد أن دخلها محمود الورفلي، المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية.

واشتهر المقدم محمود الورفلي (42 سنة)، القائد الميداني في لواء الصاعقة، التابع لحفتر، بإعدامه لأسرى ومساجين مقيدي الأيدي ومعصوبي الوجوه، على طريقة داعش، أو إعطائه الأوامر لجنوده بتصفيتهم بدم بارد ودون محاكمات، وتسجيل جرائمه في فيديوهات ونشرها عبر صفحات التواصل الاجتماعي قصد التشفي، مما أثار استياء عالمياً.

وتحركت المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت، في 15 أغسطس/آب 2017، مذكرة اعتقال بحق الورفلي، متهمة إياه بارتكاب جرائم حرب في ست عمليات إعدام بدون محاكمة، قتل خلالها أكثر من 33 شخصاً في مناطق مختلفة من مدينة بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس).

كما أن الشرطة الدولية (الإنتربول) أدرجته ضمن قائمة المطلوبين لنفس التهمة، وكذلك فعلت وزارة الخزانة الأمريكية، في 2019، التي أدرجته على قوائم العقوبات لارتكابه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وأشارت الوزارة الأمريكية، أنه “منذ 2016، نفذ الورفلي أو أمر بقتل 43 محتجزاً غير مسلح في ثماني حوادث منفصلة. تم تصوير العديد من عمليات القتل هذه ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي”.

وبعد ضغط دولي شديد، أمر حفتر باعتقال الورفلي والتحقيق معه لكنه رفض تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، وبقي الورفلي 6 أشهر محبوساً في مكان غير معروف، لكنه تمكن من الفرار في يوليو/تموز 2018، بمساعدة رفاقه، ليتم إعادة دمجه في ميليشيات حفتر بعد أن خفت العاصفة. 

وفي خطوة استفزازية للمجتمع الدولي، قام حفتر، في يوليو/تموز 2019، بترقية صاحب الفكر المدخلي محمود الورفلي من رائد إلى مقدم، وكلفه مطلع مايو/أيار الجاري، بالتصدي لحركة الرفض المتصاعدة في بني وليد (180 كلم جنوب شرق طرابلس) ضد محاولة توريطها في الحرب واستخدامها كقاعدة خلفية لإمداد معاقله في ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس).

وهذا التحدي للمجتمع الدولي جعل مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة مارك سيمينوف، يصف الأمر بـ”المخجل”، لإفلات الورفلي من العقاب، وذلك في كلمته أمام مجلس الأمن، الثلاثاء الماضي.

المدعية العام للمحكمة الجنائية فاتو بن سودا أثارت، في تقرير عرضته على مجلس الأمن، في 5 مايو/أيار الجاري، ما سمّته “عدم تيسير” حفتر عملية اعتقال وتسليم الورفلي إلى المحكمة الجنائية الدولية، “ولم يضمن إجراء تحقيق سليم ومحاكمته في ليبيا”.

تحاول بني وليد التي تقطنها قبائل الورفلة، إحدى أكبر القبائل الليبية وأكثرها انتشاراً، الوقوف على الحياد بين القوات الحكومية وميليشيات حفتر، خاصة أنها عانت كثيراً من ويلات الحروب.

ففي عهد زعيم النظام السابق معمر القذافي، عانت بني وليد من اضطهاد أهلها عقب محاولة انقلاب فاشلة في 1993، قادها عدد من الضباط أغلبهم منحدرون منها.

وخلال ثورة 17 فبراير/شباط 2011، وقفت قبائل الورفلة إلى جانب القذافي، وقاد حفتر حينها عملية اقتحام بني وليد، لذلك إلى اليوم لا يثق سكان المدينة في جنرال الشرق، لكنهم بالمقابل متحفظون أو جزء منهم من كتائب مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) التي اقتحمت المدينة في 2012، عقب قيام أفراد من بني وليد باختطاف أحد قتلة معمر القذافي.

ومنذ ذلك التاريخ أصبح أعيان بني وليد يفضلون السلام، وإن كان أغلب أهلها متشبثين بولائهم لآل القذافي، وأغلب كتائبها انحازت إلى حفتر، وسيطرت على مطار المدينة، الذي تحول إلى نقطة إمداد بالمسلحين والأسلحة والذخائر إلى ترهونة وجبهات القتال جنوبي طرابلس.

ولم يبقَ من الموالين لحكومة الوفاق سوى أعضاء المجلس البلدي للمدينة، الذين رفضوا رفقة أعيانها الانضمام إلى عدوان حفتر على العاصمة، لكن مدينتهم ظلت منطقة عبور لإمدادات ميليشيات حفتر من قاعدة الجفرة الجوية (600 كلم جنوب شرق طرابلس) نحو ترهونة.

ونظراً لأهمية الطريق الاستراتيجي بين الجفرة وترهونة، قامت طائرات الوفاق بقصف قوافل الوقود والذخيرة، في محيط بني وليد لقطع خطوط الإمداد، خاصة على مستوى منطقتي نسمة وتيتيناي.

وأدى ذلك إلى أزمة وقود في ترهونة بل في بني وليد نفسها، وخلق ذلك تنافساً بين المدينتين حول إمدادات الوقود، ضف إلى ذلك اتهام قبائل الورفلة لمسلحي ترهونة باختطاف أفراد منها، مما وتر العلاقة بين المدينتين وتسبب في قيام أفراد من الورفلة بقطع طريق الإمدادات الرئيسي إلى ترهونة، المعقل الرئيسي لحفتر في الغرب الليبي، والتي أصبحت شبه محاصرة بعد سيطرة قوات الوفاق على مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) وعلى مدن الساحل الغربي.

وفي هذا السياق، وبحسب بيان مصور لمسلحين من بني وليد، صدر في 1 مايو/أيار الجاري، كلف حفتر محمود الورفلي بالتوجه إلى بني وليد لتأمين الطريق الاسترتيجي نحو ترهونة، والذي أصبح مهدداً بفعل غارات طيران الوفاق وأبناء الورفلة الغاضبين.

أول جريمة ارتكبت في بني وليد، بعد تولي الورفلي قيادة المجموعات المسلحة الموالية لحفتر في المدينة، محاولة اختطاف أو اغتيال الناشط الإعلامي  يوسف شفتر، الذي أصيب برصاصة في صدره.

لكن العملية فشلت بعد تدخل إخوة شفتر وأبناء عمومته في بني وليد، الذين قضوا على 6 من عناصر المجموعة المهاجمة، وعلى رأسهم علي الطبولي، فيما فر آخرون، بحسب وسائل إعلام محلية.

وتتهم صفحات موالية لحفتر، يوسف شفتر بدعم قوات حكومة الوفاق، بالرغم من أنه من أنصار نظام القذافي السابق، وهددت بالانتقام من دم الطبولي ورفاقه.

لكن أحد الأسباب غير المعلنة التي أغضبت حفتر من بني وليد، أن فئة من أبنائها عندما دعاهم لتفويضه رئيساً على البلاد، فوضوا سيف الإسلام القذافي رئيساً بدلاً عنه، على غرار ما حدث في مدن أخرى في شرق البلاد وغربها، بالرغم من أن أغلب مسلحي النظام السابق يقاتلون في صفوف ميليشياته، مما ضرب مصداقيته وساهم في إفشال مشروع التفويض.

لكن إرسال الورفلي إلى بني وليد، قد يمهد لسعي حفتر للسيطرة على المدينة بالكامل، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام، وإدخالها رغماً عنها في حرب لا يرى حكماؤها طائلاً منها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى