تقارير وملفات إضافية

“المسلمون يغزوننا”.. كيف يهدد تجاهل أوروبا لأزمة سوريا باندلاع “حرب دينية”؟

استغلال اليمين المتطرف لأزمة تدفق اللاجئين السوريين على اليونان عاد مجددا، ولكن هذه المرة لديهم مخططات خطيرة.  

وأدت لامبالاة الأوروبيين والغرب عامة بالحرب الأهلية السورية إلى إنفجارها في وجوههم مرة أخرى، حسب تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي. 

إذ يشن نظام الأسد وروسيا حملة قصف على مدينة إدلب، آخر “ملاذ آمن” للمعارضة السورية، التي أسفرت عن تشريد نحو مليون سوري ودفعتهم للفرار إلى الحدود مع تركيا. 

وبسبب رغبةً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إجبار الاتحاد الأوروبي على الانخراط في المسألة، فتح حدود بلاده الأوروبية أمام المهاجرين لكي يدخلوا إلى القارة. ولا يمكن وصف الوضع الحالي إلا بأنه فوضوي ومحزن، ولن يخرج أي طرف منه بأرباح سوى اليمين المتطرف. 

هؤلاء المتطرفون اليمينيون مدفوعون برواية كاذبة عن “غزو” المسلمين للغرب. وعلى مدى سنوات، ساعدتهم هذه الرواية على اكتساب القوة السياسية، فيما ألهمت إرهابيون لشن هجمات في أماكن مثل أوسلو  ببولندا وكرايستشيرش بنيوزيلندا.

والآن مع وصول القوارب المحملة باللاجئين إلى سواحل اليونان، ومحاولات المهاجرين المستميتة لشق طريقهم عبر الأسيجة أو عبور الأنهار والمزارع، يتجدد استغلال اليمين المتطرف لأزمة تدفق اللاجئين السوريين على اليونان وبدأت تكتسب خرافات اليمين المتطرف هذه زخماً. 

وعلى غرار أزمة اللاجئين التي حدثت في أوروبا عام 2015، يستغل تيار  اليمين المتطرف فتح تركيا المعلن لحدودها الأوروبية.

 ففي ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، والنمسا، وأوكرانيا، واليونان نفسها، تصف الجماعات اليمينية المتطرفة هذه الأزمة بأنها حرب عرقية شاملة، معلنة “لا بد من الضرب بيد من حديد، ويجب أن يستعيد الرجال البيض السيطرة على أراضيهم”.

وتراوحت هذه الرسائل من الدعوات إلى مضايقة المهاجرين وأنصارهم والصحفيين في مراكز اللاجئين اليونانية إلى ابتكار طرق لتشكيل ميليشيا متطوعة عند الحدود الأوروبية. والنقطة المشتركة التي تتصف بها جميع هذه الرسائل، هي الدعوة لتبني العنف.

من جانبه، كتب لوتز باخمان، المؤسس والزعيم الحالي للمجموعة الألمانية “بيغيدا” -وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب- إلى ما يقرب من 12000 مستخدم يتابعونه على تطبيق Telegram: “عندما يحاول مهاجرون غير شرعيين، يحتمل أن يكون لهم خلفيات إرهابية، عبور حدود دولة ذات سيادة، يجب أن ترد بهذه الطريقة، وهذا رد مشروع تماماً وملزم قانوناً”. 

ولا تصدر هذه الصيحات المتشددة من جماعات الكراهية فحسب، بل من المنظمات المسلحة الفعلية. إذ نشرت الفرقة الخبيثة (Misanthropic Division)، وهي الجناح المتطوع الأجنبي المتطرف لكتيبة النازيين الجدد “أزوف” الأوكرانية، ملصقات تحمل جميعها أيقونتها التي ترمز إلى سيادة الجنس الأبيض، وتدعو إلى: “الدفاع عن اليونان”.

 إضافة إلى ذلك، أعلنت بعض الجماعات اليمينية المتطرفة في أوروبا أنها ستذهب إلى اليونان للتصدي للاجئين. ومن بين هذه الجماعات، الفرع النمساوي لحركة “الهوية البيضاء” القومية بقيادة مارتن سيلنر، وهو مواطن من فيينا كان على اتصال مع برينتون تارانت منفذ الهجوم  على المسجدين في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا. وتبرع تارانت بنحو 2500 دولار لحركة سيلنر.

ونشر سيلنر مقطع فيديو يقول فيه إنه وزملاؤه الأعضاء “توجهوا إلى اليونان.. بوصفهم متطوعين لمساعدة الشعب اليوناني .. على حماية حدودهم”، وفي مقطع فيديو لاحق، ظهر سيلنر مع أنصار آخرين مزعومين وهم يستقلون سيارة “في طريقهم إلى اليونان”.

وأعلن سيلنر أيضاً إنشاء بوابة إلكترونية تعمل نقطة اتصال “لتجنيد” الراغبين في الذهاب إلى اليونان “للتظاهر” ضد المهاجرين و”حماية حدودنا“. كما تشجع البوابة على تقديم التبرعات لصالح هذه القضية.

وبالمثل، في دردشة مخصصة لحركة المقاومة الشمالية (The Nordic Resistance Movement)، وهي منظمة للنازيين الجدد في عموم أوروبا، استكشف المستخدمون إمكانية تشكيل قوة تطوعية “للذهاب ومساعدة اليونانيين على الدفاع عن حدودهم”.

وكتب أحد المستخدمين: “أنا أفكر بصدق في الذهاب إلى هناك”. 

ونُشِرَت أعمال فنية عبر قنوات Telegram اليمينية المتطرفة ومجموعات الدردشة الخاصة بهم، المتمثلة في رمز “الشمس السوداء” للنازيين الجدد وتمثال إسكندر بك، وهو شخصية عسكرية تاريخية تمردت ضد الإمبراطورية العثمانية. ورفعوا شعار: “قاتلوا المغتصبين المهاجرين، وأعيدوهم إلى الجحيم الذي ينتمون إليه!”.

  وشاركت إحدى قنوات التواصل على Telegram الشهيرة بين النازيين الجدد سلسلة من النصائح للرفاق الذين يخططون لدخول اليونان للمساعدة في صد اللاجئين أو مهاجمتهم. واقترحت القناة أن يتظاهر هؤلاء الأفراد بأنهم سائحون، فكتبت: لا تذهبوا إلى اليونان لإتمام مسائل خاصة بالرقابة على الهجرة، بل باعتباركم سائحين. لأن هذا ما أنت عليه، أليس كذلك؟ كرر بعدي: “أنا سائح. لا أرغب على الإطلاق في فعل أي شيء يتعلق بغزو أوروبا. أنا هنا لالتقاط الصور والاهتمام بشؤوني الخاصة… إليكم هذا الحل. هذا أفضل”.

ما نراه يتكشف أمامنا نتاجاً لأزمة إدلب هو عاصفة مثالية: مثال فضفاض يسهل تأويله لخرافة اليمين المتطرف عن “الغزو الإسلامي”، التي يتزامن توقيتها تزامناً مروعاً مع قرب حلول ذكرى هجمات 15 مارس في كرايستشيرش، التي نُفِذَت بإلهام من تلك الخرافة.

    وتثبت هذه التطورات مجددا  أن ما يحدث في سوريا ليس مجرد مشكلة السوريين وحدهم.

 فعلى مدى ما يقرب من عقد من الزمان، وقف المجتمع الدولي يشاهد بشار الأسد وعناصره يقصفون عشوائياً الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، ثم أصابهم القلق والدهشة عندما ظهر هؤلاء البشر اليائسون على أعتاب أوروبا.

   وحقيقة أن هذا مكّن الحركات اليمينية المتطرفة، ليس سوى واحدة من مجموعة من العواقب الناجمة عن لامبالاة الغرب. وسواء كان ذلك نابعاً من الاهتمام بالحياة البشرية، أو استقرار الشرق الأوسط، أو قوة ديمقراطية الإنسان، فإن الغرب لديه الكثير من الأسباب التي تجعله يهتم بسوريا. لقد حان تأخر الوقت المناسب -تأخر طويلاً- لإيلاء الاهتمام.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى