تقارير وملفات إضافية

البعض يراه “ذنب” إيران.. هل يؤدي كورونا لانهيار لبنان أم يقلص نفوذ حزب الله؟

فيروس كورونا يضيف أبعاداً خطيرة لأزمة لبنان، فقد أعلنت الحكومة عن حالة الوفاة الثانية جراء إصابةٍ بفيروس كورونا المستجد أمس الأربعاء، في وقتٍ تعاني فيه البلاد وتبذل جهودها في سبيل تجنب الانهيار الاقتصادي والسياسي.

وتواجه الجمهورية الصغيرة الواقعة على ساحل البحر المتوسط سلسلةً متتالية من الأزمات، والتي بلغت ذروتها بإعلان الحكومة عجزها عن سداد ديونها السيادية في وقت سابق من هذا الأسبوع. 

وتضرّر قطاع الرعاية الصحية اللبناني بشدة من الأزمة المالية الحالية في البلاد، إذ تسبب النزاع الأمريكي الإيراني في وقوف الفصائل الموالية لإيران عقبةً أمام إصلاح اقتصاد البلاد، حسبما ورد في تقرير نشر بمجلة The National Interest الأمريكية.

وقال رئيس الوزراء حسن دياب في بيانٍ يوم الأربعاء، إن “العالم كله اليوم في مواجهة هذا التحدي، والحكومة لم تتأخر عن أي إجراء لحماية اللبنانيين. في حين أن هناك مَن يلجأ إلى المزايدات لتسجيل نقاط سياسية، مع أن الموضوع يفترض من الجميع الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة؛ لأن المطلوب هو حماية اللبنانيين من تفشي هذا المرض الذي يغزو العالم”.

ومع ذلك فقد تكون هذه الأزمة أيضاً فرصةً للحكومة المركزية لاستعادة الشرعية، وقد تضع حزب الله، الحزب السياسي الموالي لإيران والذي يدير وزارة الصحة اللبنانية حالياً، في موقف سلبي.

ويقول جون أبي نادر، رئيس الاتصالات في مجموعة العمل الأمريكية من أجل لبنان، إن “منظومة الصحة العامة تعاني نقصاً في الموارد. لكن البلاد لديها كوادر مهنية في غاية القوة” والتي يمكن تعبئتها للتعامل مع الوباء.

وأشار أبي نادر إلى الأزمة قد تدفع الشعب اللبناني إلى التوقف عن الاعتماد على النخب الطائفية، خاصة النخب الشيعية، إذا “استطاعت أجهزة الحكومة التعاون معاً وتقديم الخدمات اللازمة”.

ويعمل حزب الله، الذي أدرجته الولايات المتحدة في قائمة المنظمات الإرهابية، كدولة داخل الدولة لأجزاء كبيرة من المجتمع الشيعي في لبنان. لكن الموارد المالية للحزب تلقت ضربات كبيرة على إثر حملة “الضغط الأقصى” الأمريكية على إيران، والتي أضعفت من قدرة إيران على دعم حلفائها الإقليميين، واستهدفت كبار داعمي الحزب داخل البلاد.

وأجبرت الاحتجاجات الجماهيرية ضد الفساد الذي تمارسه النخب الطائفية في لبنان رئيس الوزراء السابق سعد الحريري على الاستقالة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتعهد بديله، حسن دياب بالحكم بصفته “تكنوقراط” ذا توجه إصلاحي بعد توليه السلطة في يناير/كانون الثاني. ومع ذلك، فقد هيمن على حكومته وزراء موالون لحزب الله والتيار الوطني الحر وهو حزب كاثوليكي ماروني.

يسيطر حزب الله على وزارتين تحت حكومة دياب، هما وزارتا الصحة والصناعة.

ويذهب بلال صعب، مدير برنامج الدفاع والسياسات الأمنية في معهد الشرق الأوسط، إلى أن “الحكومة الحالية جرى تشكيلها بدون شفافية. فهم أشبه ما يكون بواجهةٍ يتخفّى وراءها مجموعة من أصحاب المصالح والزعماء الطائفيين”.

وقد سمح ذلك باستمرار الحكومة في معدلات إنفاقها غير المنطقية.

ومن ثم فشلت حكومة دياب في توفير المخصصات المالية المطلوبة لدفع سندات بقيمة 1.2 مليار دولار كانت مستحقة السداد يوم الإثنين. والآن، يقترب لبنان من الموعد النهائي المفترض الذي قد يضطر فيه إلى القبول بخطة يضعها “صندوق النقد الدولي” لإنقاذ اقتصاد البلاد.

ومع ذلك، فقد يكون حزب الله عقبةً تمنع شريان الحياة هذا.

ولم يعلن صندوق النقد الدولي حتى الآن عن شروطه للبنان، لكن المنظمة التي تتخذ من واشنطن مقراً طلبت من الحكومات اللبنانية في السابق رفعَ الضرائب وخفض الدعم ومكافحة الفساد، وتقليص حجم المؤسسات الحكومية.

وسبق أن خرج الأردنيون احتجاجاً على قرارات مماثلة لحكومتهم تضمنت فرض ضرائب جديدة وزيادة كبيرة في أسعار الغاز في عام 2018 كانت قد أُقرت للوفاء بمتطلبات الحصول على قرضٍ من صندوق النقد الدولي.

وقال حسن فضل الله، عضو البرلمان اللبناني عن حزب الله لوكالة Reuters الأسبوع الماضي، إن مطالب صندوق النقد الدولي المتوقعة من لبنان “ستؤدي إلى ثورة شعبية”، وذلك على الرغم من أن حزب الله لا يعارض قطعياً العمل مع المنظمة الدولية.

ويقول صعب إن حزب الله يرى صندوق الدولي كنوعٍ من “التدخل الأمريكي” في البلاد.

وقد يدفع فيروس كورونا البلاد إلى أزمة اقتصادية أخطر، وهو ما يزيد من الضغط لقبول مساعدة صندوق النقد الدولي. وأعلنت الحكومة اللبنانية أنها ستغلق المقاهي والمطاعم يوم الأربعاء لعرقلة انتشار الفيروس.

وأوقفت السلطات اللبنانية مؤخراً جميع الرحلات الجوية القادمة من إيران، والتي تواجه أسوأ تفشي لفيروس كورونا في منطقة الشرق الأوسط. وهبطت الرحلة الأخيرة من إيران إلى لبنان في الساعة 8:45 مساءً، وفقاً لمحطة MTV Lebanon الإخبارية المحلية.

كانت الحكومة اللبنانية حظرت بالفعل دخولَ المواطنين الإيرانيين في أواخر فبراير/شباط، ومع ذلك فإن عدداً كبيراً من المواطنين اللبنانيين يسافرون بانتظام إلى إيران، منهم الحجاج وطلاب المعاهد الدينية.

وتقع مدينة قم التي تعد موطئاً لأهم المزارات الإسلامية الشيعية ومركزاً للمعاهد الدينية في بؤرة المناطق التي يتفشى فيها فيروس كورونا بإيران.

وسبق أن أكدت إيران تسعة آلاف حالة إصابة بفيروس كورونا على أراضيها، و354 حالة وفاة بسبب الفيروس حتى مساء الأربعاء، ومنهم 63 حالة وفاة في اليوم الماضي فحسب.

وعرقلت العقوبات الاقتصادية الأمريكية في البداية قدرةَ إيران على استيراد المعدات الطبية الخاصة بالاختبار والتحقق من الإصابات بفيروس كورونا. لكن، وعلى الرغم من سعي إدارة ترامب إلى توسيع القنوات التي تتيح جلب المساعدات الإنسانية اللازمة وعرضها دعماً مباشراً، فإن الحكومة الإيرانية نددت بهذه الخطوة ورفضتها باعتبارها عرضاً ينطوي على نوايا سيئة.

تفاقمت الأزمة الدبلوماسية يوم الثلاثاء عندما بدا أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، يفرض نوعاً من الشروط المحتملة على تقديم المساعدات الخارجية لإيران.

إذ قال بومبيو في بيانه: إن “أي دولة تفكر في تقديم مساعدات إنسانية إلى إيران يجب أن تسعى مع ذلك لإطلاق سراح جميع الرعايا من ذوي الجنسيات المزدوجة والأجانب لديها. فمع انتشار فيروس (كوفيد 19) في السجون الإيرانية، فإن احتجازهم في تلك الظروف يتحدى المعايير الأساسية لاحترام الإنسان”.

ومع أن لبنان منع الرحلات الجوية من وإلى إيران، إلى أن الاتصال غير الرسمي مع هذا البلد، أمر لا يمكن للحكومة منعه، لأنها لا تملك التحكم في تصرفات حزب الله، الأمر الذي يثير مخاوف من انتقال الفيروس عبر الزيارات غير المعلنة بين الحزب ورعاته في طهران.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى