تقارير وملفات إضافية

كارثة محتملة بسبب خطط ترامب لإنتاج لقاحات كورونا.. رئيس أمريكي آخر ورَّط شعبه بها

كارثة يمكن أن يتسبب فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جراء أساليبه المندفعة لتسريع فترة إنتاج لقاحات كورونا وتوزيعها دون المرور بالمراحل العلمية المعتادة.

فحين دشَّنَ دونالد ترامب “عملية الالتفاف السريع”، الأسبوع الماضي، استعار لغته من فيلم Star Trek لوصف السعي من أجل التوصُّل إلى لقاحٍ لفيروس كورونا المستجد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية. 

وقال الرئيس الأمريكي: “هذا يعني عمليةً كبيرةً وسريعة”، مُبشِّراً بجهدٍ “يجري بسرعةٍ قياسية، قياسية للغاية”. 

كان أمله بأن يكون هناك لقاح لفيروس كورونا المُستجَد “قبل نهاية العام” أسرع من الجدول الزمني المتفائل -والمُتكرِّر غالباً- للتوصُّل إلى لقاحٍ جاهز للاستخدام في فترة 12 إلى 18 شهراً. 

بدا أن السباق من أجل التوصُّل إلى لقاح مجالٌ جذَّاب هذا الأسبوع، حين كشف شركة Moderna للتكنولوجيا الحيوية، ومقرها بوسطن، نتائج إيجابية مبكِّرة للقاحها المُحتَمَل في تجربةٍ صغيرة، فيما قالت شركة AstraZeneca إن بإمكانها التوصُّل إلى الجرعات الأولى من لقاحٍ آخر قبل يجهز بحلول أكتوبر/تشرين الأول إذا نجحت التجارب. 

أسعَدَت هذه الإعلانات الساسة الذين يحاولون منح الأمل للمواطنين الذين يتوقون من أجل إنهاء حالة الإغلاق والمستثمرين الحريصين على عودة النشاط الاقتصادي. 

لكن عديداً من العلماء يشعرون بالواجب لتثبيط هذا الحماس. يقولون إن اللقاح قد يستغرق وقتاً أطول، لأن المعلومات المتوفِّرة محدودة عن المرض وعن رد فعل الأجسام تجاه محاولات تحصينها منه. 

وفي الحقيقة، يحذِّر بعضهم من أننا قد لا نتوصَّل أبداً إلى لقاحٍ لعلاج كوفيد-19. 

تعتقد سمية سواميناثن، العالمة الكبيرة بمنظمة الصحة العالمية، أن السيناريو المتفائل هو أن يُنتَج لقاحٌ بـ”عشرات الملايين من الجرعات” في غضون العام المقبل، وسوف يُوزَّع بالأساس على العاملين بالرعاية الصحية، ومن ثم تُنتَج كمياتٌ أكبر في 2022.

وتقول إن تلقيح العالم وهزيمة كوفيد-19 قد يستغرق من أربعة إلى خمسة أعوام

قالت سواميناثن لصحيفة Financial Times البريطانية إن ما مِن “بلورة سحرية” لدينا لنتنبَّأ بالمستقبل، وتضيف: “يعتمد هذا على سلوك الفيروس؛ ما إذا كان يتحوَّر، وما إذا كان يصبح ساماً بهذا القدر أو ذاك، وما إذا كان يصبح أكثر أو أقل قابلية للانتشار”. 

يقول بيتر هوتيز، الأستاذ بكلية بايلور للطب في هيوستن، بولاية تكساس الأمريكية، إن الرئيس الأمريكي ينظر إلى اللقاح باعتباره “مشكلةً تصنيعية”، مثل إنتاج المزيد من أجهزة التنفُّس الصناعي أو الاختبارات. 

يقول هوتيز: “التصنيع ليس هو العقبة. إنه فقط يستغرق وقتاً من أجل جمع ما يكفي من بيانات الكفاءة والسلامة”. ويضيف: “إن لغة عملية الالتفاف السريع التي تصدر عن البيت الأبيض وشركات التكنولوجيا الحيوية وشركات الأدوية، بأنهم سوف يتوصَّلون إلى لقاحٍ بحلول الخريف -أو في غضون أسابيع أو أيام- تسبِّب الكثير من الضرر”. 

تُطوَّر اللقاحات عادةً عبر سنينٍ عديدة، وحتى عبر عقودٍ من الزمن. تفيد ورقةٌ بحثية أعدَّها علماءٌ هولنديون أن اللقاح المتوسِّط يستغرق 10.71 عام، ويُحقِّق مُعدَّل نجاح بنسبة 6% من البداية إلى النهاية. وكلُّ مرحلةٍ هي تجربة: من تجارب المرحلة البسيطة الأولى التي تجري الآن، إلى التجارب الثلاث للمرحلة الكبرى اللازمة للموافقة التنظيمية. 

هناك أسبابٌ وجيهة للاعتقاد بأن اللقاح هذه المرة سيكون أسرع. يقول والتر أورنستاين، الأستاذ بمركز Emory للقاحات في أتلانتا، إن لقاحات كوفيد-19 تستفيد من العمل الذي جرى من قبل على الفيروسين التاجيَّين سارس وميرس، حتى إن لم يكن قد صُدِّق عليهم قط. 

وتُعزِّز تكنولوجياتٌ جديدة الأمل من أجل عمليةٍ أسرع، إذ يقدِّر مُحلِّلون من مؤسَّسة مورغان ستانلي للخدمات المالية والاستثمارية أن لقاح شركة Moderna لديه فرصةٌ بنسبة 65% للنجاح. ويعتقدون أنه قبل حلول نهاية العام الجاري سوف نرى لقاحاتٍ من شركة Pfizer وشريكتها الألمانية BioNTech، وAstraZeneca وجامعة أوكسفورد. 

لكن التقدُّمات التي استخدمتها شركة Moderna وBioNTech، وشركة ألمانية أخرى هي CureVac، مثل برمجة الحمض النووي الريبوزي المرسال (messengerRNA)، لم تُستَخدَم قط لإنتاج أيِّ منتجات لقت تصديقاً من أيِّ جهةٍ منظِّمة. تترجم هذه التقنية بروتيناً من الفيروس إلى الخلايا البشرية وتُظهِره للخلايا البائية ( إحدى خلايا الدم البيضاء التي تشكل جزء من جهاز المناعة
) التي تفرز أجساماً مضادة. 

دفعت الجائحة الحكومات والشركات لضخِّ الأموال لإنتاج لقاحاتٍ لفيروس كوفيد-19، حتى إن كان هناك افتقارٌ للتعاون العلمي. قال بيتر باش، مدير مركز السياسات والنتائج الصحية بنيويورك، إن وجود متنافسين كُثُر في هذا السباق مفيد. 

من أجل خوض هذه الحرب، من المفيد أن نعرف عدونا جيداً. باعتباره مرضاً تنفّسياً، أطلق كوفيد-19 هجماتٍ مُفاجِئة تماماً. ويبدو أن الفيروس يمارس تكتيكاتٍ مختلفة في حالة الأطفال، إذ ظهرت تقارير تفيد بأن بعض الأطفال يعانون إصابةً تنفُّسية خطيرة. 

أعلنت شركة Moderna نتائج مُبكِّرة من تجارب المرحلة الأولى يوم الإثنين 18 مايو/أيَّار، وأظهرت أن لقاحها استخلص استجاباتٍ مناعية قوية على الأقل مثلما وُجِدَت لدى المُصابين المُتعافين. 

لكن بعض العلماء يتساءلون كيف حدَّدَت التجربة متوسطاً لاستجابة المريض. يقول الدكتور هوتيز إن الورقة البحثية جاءت بعد أيامٍ من دراسةٍ تُظهِر أن المُصابين المُتعافين لديهم فقط مستوى منخفض من الأجسام المضادة. يقول أومير رافات، مُحلِّل التكنولوجيا الحيوية في مجموعة Evercore، إنه سيكون من المهم أن نعرف متى اختُبِرَ مستوى الأجسام المضادة لدى المتماثلين للشفاء، لأن هذا المستوى يميل إلى الانخفاض مع الوقت. وإذا اختُبِرَ هذا المستوى لاحقاً، لن تكون هذه مقارنةً صائبة. 

هناك أسئلةٌ كبرى عن مدة حماية الاستجابة المناعية للمرضى. 

يعتقد أغلب العلماء أن الإصابة بالمرض تمنح بعض المناعة، لكننا لا نعرف إلى أيِّ مدى تدوم. استمرَّت المناعة لفيروس سارس على سبيل المثال لمدة عامين. 

وحتى الآن لم يتحوَّر فيروس كوفيد-19 بشكلٍ كبير، وهو يتغيَّر في الشكل بسرعةٍ أقل من الإنفلونزا. لكننا نتتبَّع الفيروس لأشهرٍ فقط، لذا فهناك خطورة من أنه لا يزال قيد التحوُّر. 

ويركِّز معظم صانعي اللقاحات على بروتين “السنبلة”، الذي يستخدمه الفيروس لغزو الخلايا. ويحاولون تعليم الجسم التعرُّف على هذا البروتين من أجل إنتاج الأجسام المضادة. وإذا تغيَّر هذا البروتين، ستفقد الكثير من التحصينات المُحتَمَلة هدفها. 

أُجرِيَت التجارب الأولى على أفرادٍ أصحاء وأصغر سناً. وجاءت النتائج الأولى لشركة Moderna من أناسٍ يتراوح عمرهم بين 18 و55 عاماً. لكن مَن يناهزون الـ65 من العمر عانوا أكثر من كوفيد-19 إذ تضعف استجابة أنظمتهم المناعية. ويضيف المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية فئةً عمريةً أكبر إلى التجربة. 

ليس ترامب أول رئيسٍ يرى أن لقاحاً يمكن أن يمثِّل طريقةً لنزع فتيل الخطر السياسي الذي يحمله فيروس فتَّاك. 

ففي العام 1976، سارع الرئيس الأمريكي آنذاك جيرالد فورد لإطلاق لقاحٍ لما خشي أن يكون تفشياً رهيباً لإنفلونزا الخنازير. لكن كان للقاح أثرٌ جانبي خطير، إذ أُصيبَ المئات من الأشخاص جرائه بمتلازم غيلان باريه، حيث يُصاب الجسم بالشلل نتيجة مهاجمة النظام المناعي الأعصاب. 

صار كوفيد-19 بمثابة الجائحة التي لم يصبح عليها فيروس إنفلونزا الخنازير قط. لكن تخفيف المُتطلَّبات من أجل التصديق على اللقاحات قد يطرح هذه اللقاحات في السوق قبل أن نكتشف كافة الآثار الجانبية لها. 

في الولايات المتحدة، أدَّى إرخاء الضوابط خلال الجائحة بالفعل إلى معارك حول السلامة. واشتعلت النزاعات بين الأطباء والوكالات الحكومية حول ما إذا كان من الآمن معالجة المرضى بعقار الهيدروكسي كلوروكين، الذي يستخدمه ترامب وله آثار جانبية على القلب ونفسية المرضى، وقد حذَّرَت إدارة الغذاء والدواء بالفعل من عدم دقة العديد من اختبارات الأجسام المضادة. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى