تقارير وملفات إضافية

من قاتل للمحتجين لبطل المقاومة.. كيف قدم الأمريكيون خدمة كبيرة للإيرانيين بقصفهم لحزب الله العراقي؟

هل أنقذ الهجوم الأمريكي على حزب الله العراقي إيران من المأزق الذي كانت واقعة فيه بسبب الاحتجاجات التي تناهض النخب الموالية لها التي تهيمن على مقاليد الأمور في البلاد؟

عَلِق العراق منذ سنوات في معركة شد وجذب بين أقوى رعاته، الولايات المتحدة وإيران. وفي الأشهر الأخيرة، بدأ الرأي العام يميل ضد إيران، وطالبت الاحتجاجات في الشوارع بوضع حد لنفوذ طهران المتفشي، بينما تراجع الغضب تجاه الأمريكيين مع تراجع دورهم.

لكن الغارات الجوية الأمريكية التي أسفرت عن مقتل 20 من أفراد إحدى الميليشيات المدعومة من إيران مطلع هذا الأسبوع جعلت واشنطن مركز العداء الجماهيري، ما قلل من حدة الغضب تجاه طهران ووكلائها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

وفرضت إدارة ترامب عقوبات اقتصادية على ثلاثة قادة ميليشيات هذا الشهر، بينهم قائد كتائب حزب الله التي استهدفها الهجوم الأمريكي. واتهمت الولايات المتحدة تلك الميليشيات بالمشاركة في هجوم غير مبرر على المحتجين المناهضين للحكومة أسفر عن مقتل 15 شخصاً.

اتهم قادة العراق الولايات المتحدة، أمس الإثنين 30 ديسمبر/كانون الأول، بانتهاك سيادة العراق وأعربوا عن خشيتهم من أن يؤدي تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى حرب بالوكالة على الأراضي العراقية.

بل وتحول اتجاه احتجاجات الشوارع من الشعارات المعادية لإيران إلى الشعارات المعادية لأمريكا. وهاجم المحتجون وغيرهم ما اعتبروه رداً مبالغاً فيه من أمريكا، أي قتل 24 من المقاتلين يوم الأحد رداً على مقتل مقاول أمريكي يوم الجمعة 27 ديسمبر/كانون الأول.

وقبل انقضاء اليوم، انتشرت دعوات لإنهاء «الاحتلال الأمريكي» ومطالبات بمغادرة الجيش الأمريكي للعراق.

إلا أن هذا التحول يأتي في الوقت المناسب بالنسبة لإيران، لأنها واجهت غضباً في المنطقة وقلاقل واضطرابات اقتصادية في الداخل.

وقالت ميليشيا كتائب حزب الله يوم الإثنين إن الغارات الجوية الأمريكية على قواعد الميليشيات في العراق وسوريا يوم الأحد أدت إلى إصابة 50 شخصاً بالإضافة إلى القتلى.

وأكدت الولايات المتحدة أن الضربات كانت رداً انتقامياً على أكثر من 30 صاروخاً أطلقتها كتائب حزب الله على قاعدة عسكرية عراقية قرب كركوك يوم الجمعة، ما أسفر عن مقتل المقاول الأمريكي وجرح أربعة جنود أمريكيين وجنديين عراقيين.

وصرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الأحد بقوله: «ما فعلناه كان رداً حاسماً يوضح ما ردده الرئيس ترامب لشهور عديدة. وهو أننا لن نقبل أن تأتي جمهورية إيران الإسلامية بأفعال تعرض الرجال والنساء الأمريكيين للخطر».

ورغم هذا التبرير الأمريكي، وصف رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الغارات الجوية بأنها «انتهاك للسيادة العراقية وتصعيد خطير وتهديد لأمن العراق والمنطقة».

وأدان المرجع الديني الأكبر للشيعة في العراق آية الله علي السيستاني الهجوم الأمريكي ونبه إلى أن الحكومة «يجب أن تعمل على عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية».

وقال إنه حتى لو كان الهجوم الأمريكي «انتقاماً لممارسات غير قانونية»، فالسلطات العراقية هي من ينبغي أن تتعامل معها، وليس الأمريكيين.

يُشار إلى أن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران تمثل مشكلة متنامية لكل من العراق والولايات المتحدة.

وجديرٌ بالذكر أن هذه الميليشيات تشكلت للمساعدة في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وهي معركة قاتلوا فيها بقوة في جانب الأمريكيين. وهي الآن تمثل فصيلاً قوياً في العراق، عسكرياً وسياسياً، وتسيطر على كتلة كبيرة في البرلمان.

وفي حين أن هذه الميليشيات تخضع من الناحية القانونية لإشراف قوات الأمن العراقية، يرتبط بعضها بعلاقات قوية مع إيران وتعمل بشكل مستقل إلى حد كبير. 

وفي الوقت الذي فرضت فيه إدارة ترامب عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، تزداد ضربات الميليشيات على الأهداف الأمريكية.

وقال مسؤول أمريكي، يوم الأحد 29 ديسمبر/كانون الأول، إنَّ الميليشيات شنَّت 11 هجوماً على مدار الشهرين الماضيين على قواعد عراقية ومنشآت تستضيف متعاقدين وجنود أمريكيين.

ونفت المجموعة التي اتهمتها الولايات المتحدة بشن الهجوم المميت يوم الجمعة 27 ديسمبر/كانون الأول، كتائب حزب الله، مسؤوليتها عن الهجوم، وذلك بحسب ما قاله محمد محيي، المتحدث باسم المجموعة، يوم أمس الإثنين 30 ديسمبر/كانون الأول.

وفي حين ترتبط الميليشيا بصورة وثيقة مع إيران، فإنَّ الكثير من العراقيين ينظرون إليها باعتبارها قوة عراقية بالأساس وشعروا بالغضب بسبب مهاجمة قوة أجنبية لها.

وقالت ماريا فانتابيه، المستشارة الأولى في شؤون العراق لدى مجموعة الأزمات الدولية: «إنَّنا نتحدث عن قوة أجنبية تهاجم قوة عراقية».

وفي حين كانت هناك بعض الانتقادات لهجمات الميليشيات على القواعد العراقية التي يتمركز بها الأمريكيون، فإنَّ معظم الاعتراضات الآن تُوجَّه نحو الولايات المتحدة. 

فعلى سبيل المثال، حثَّ رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر الميليشيات على التخلي عن «الأعمال غير المسؤولة»، قائلاً إنَّه سيعمل معهم لاستخدام الوسائل القانونية والسياسية لطرد الأمريكيين.

وقال محللون كذلك إنَّ حجم الهجوم الأمريكي –استهدف 5 مواقع في بلدين وأسفر عن مقتل قرابة 24 شخصاً- جعل من المرجح أن تشعر كتائب حزب الله بأنَّها مضطرة للرد وربما يوحد مشاعر العداء لأمريكا.

وتساءلت إيما سكاي، الزميلة الأولى بمعهد جاكسون للشؤون الدولية التابع لجامعة ييل الأمريكية: «هل هذا ردع، أم أنَّه في الواقع يخاطر بكامل الوجود الأمريكي في العراق؟».

وقال رانج علاء الدين، مدير مبادرة الحرب بالوكالة لدى مركز بروكنغز الدوحة في قطر، إنَّ الولايات المتحدة تحاول إرسال رسالة مفادها أنَّ قتل الأمريكيين خطٌّ أحمر لا ينبغي تجاوزه. لكنَّ حصيلة الهجوم على الأرجح ستؤدي إلى «مزيد من التوتر وتوسع العمليات» ضد الأمريكيين.

وأضاف: «ماذا كان هدف الولايات المتحدة وعلام ستحصل هما أمران مختلفان للغاية».

وتعهَّدت الميليشيا، كتائب حزب الله، وهي ميليشيا مختلفة عن حركة حزب الله في لبنان، بـ «انتقام» غير محدد، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، سيد عباس موسوي، إنَّ الولايات المتحد «لا بد أن تتحمل كامل المسؤولية عن عواقب هذا العمل غير الشرعي».

ويصعب التنبؤ بالكيفية التي قد ترد بها إيران. فإذا ما اختارت التصعيد، قد تضرب هي أو وكلاؤها مجموعة من الأهداف الأمريكية في العراق، حيث توجد قوات على الأرض وأمريكيون آخرون يعيشون ويعملون.

واتهمت الولايات المتحدة إيران هذا الشهر باستغلال الفوضى في العراق لبناء ترسانة خفية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى هناك.

ويمكن أن تعمل إيران كذلك مع شركائها لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة في مناطق أخرى بالمنطقة، مثلما حاولت أن تفعل في الماضي. ومثل هذه الأهداف تضمَّنت السعودية وإسرائيل والسفن العابرة للخليج. إذ ذكرت وكالة إرنا الرسمية أنَّ الحرس الثوري الإيراني احتجز سفينة بالخليج أمس الإثنين. ولم يذكر التقرير إلى أي دولة تنتمي السفينة.

وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، استفزت الميليشيات المدعومة من إيران بصورة متكررة الأمريكيين في العراق، فأطلقوا الصواريخ على المنطقة الخضراء والتي كانت على ما يبدو تستهدف سفارة الولايات المتحدة. 

واستهدفت الميليشيات كذلك عدة قواعد عراقية تؤوي جنوداً أمريكيين، بما في ذلك في القيَّارة إلى الجنوب من الموصل، وفي غرب العراق قرب قاعدة عين الأسد الجوية.

وقالت سكاي: «أعتقد أنَّ إيران كانت تفهم أنَّ ترامب يريد حقاً الخروج من المنطقة وليس مستعداً للرد عسكرياً». لذا كان الإيرانيون «يحاولون اكتشاف إلى مدى يمكنهم أن يذهبوا».

وحتى يوم الجمعة، لم تكن الميليشيات الشيعية قد قتلت أي أمريكي.

وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هُويته وفقاً لقواعد البيت الأبيض، إنَّ الضربات الجوية كانت تهدف لاستعادة الردع. 

وأضاف المسؤول أنَّ سياسة إيران كانت تتمثل في شن هجمات يمكن نفي المسؤولية عنها، وهي رواية لن تسمح الإدارة الأمريكية بها بعد الآن.

وقعت الضربات الجوية الأمريكية في العراق قرب بلدة على الحدود مع سوريا. ووقعت الغارات في سوريا في صحراء البلاد الشرقية، حيث تدعم إيران قوات تقاتل لصالح الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية.

وقال محللون إنَّ الرسالة الأمريكية واضحة، لكنَّ حصيلة القتلى العالية قد تطغى على الرسالة.

فقال علاء الدين من مركز بروكنغز: «يعيد هذا الكرة إلى ملعب إيران. لكن لا تخطئوا الظن، فالكرة بالوقت الراهن ستُلعَب في الساحة السياسية العراقية، حيث الولايات المتحدة أضعف بكثير. لدى إيران خطة لعب استراتيجية على الأرض في العراق تهدف لحماية وتعزيز نفوذها في العراق. لكن الأمريكيين ليس لديهم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى