تقارير وملفات إضافية

ترامب قتل سليماني لحماية المصالح الأمريكية، فهل بالفعل أصبحت أكثر أمناً بعد العملية؟

عملية «البرق الأزرق» التي قتل فيها قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، كما يراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضربة دفاعية استباقية هدفها القضاء على التهديد الأبرز للبعثات الدبلوماسية الأمريكية والمصالح في المنطقة وحول العالم، فإلى أي مدى يمكن أن يكون الهدف قد تحقق؟

محاولة استقراء السيناريوهات التي قد تتمخض عن الزلزال الذي استيقظت عليه المنطقة اليوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني، يجب أن تمر أولاً بإلقاء الضوء على ما يمثله رجل الظل الإيراني في المنطقة قاسم سليماني بالنسبة لطهران، حتى يمكن أن نقرأ خيارات النظام الإيراني في الرد على تلك الضربة الأمريكية التي لم تكن متوقعة.

سليماني لم يكن قائداً عسكرياً نافذاً بالمعنى التقليدي، فالرجل على مدى عقود كان يمثل حجر الزاوية وراء محاولات إيران بسط نفوذها في المنطقة أو كما يطلقون عليه «تصدير الثورة الإسلامية» إلى شعوب المنطقة.

تولى اللواء قاسم سليماني قيادة فيلق القدس منذ عام  1998، وفيلق القدس هو بمثابة جهاز مخابراتي وفرقة عسكرية خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني تتولى العمليات العسكرية السرية خارج الحدود الإيرانية، وعلى مدى ثلاثة عقود، ومن خلال شبكة مصالح اقتصادية ممتدة من أفغانستان إلى نيجيريا، تمكن سليماني من بناء دائرة نفوذ إيراني مركزها طهران، وتمتد إلى العراق، وسوريا، ولبنان، وشرق المتوسط، واليمن.

من المستحيل إذن ألا ترد إيران على قتل سليماني وانعكس ذلك في ردود الفعل الصادرة عن النظام الإيراني ممثلاً في المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، والذي ترأس بنفسه اجتماعاً لمجلس الأمن القومي الإيراني للمرة الأولى، وتوعد واشنطن بأن هناك «انتقاماً عنيفاً ينتظر قتلة سليماني المجرمين».

التوعد بالانتقام لمقتل سليماني جاء أيضاً من حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني ومن الحشد الشعبي في العراق ومن الحوثيين في اليمن، أي أن الشبكة التي شكلها وسلحها سليماني في المنطقة تستعد الآن للانتقام لمقتله، وهذا أمر متوقع خصوصاً وأن المشاعر الآن هي الغالبة على المواقف وبالتالي لا يعني ذلك بالضرورة أن الأمور ستشتعل وتصل إلى حد المواجهة العسكرية المفتوحة.

صحيح أن لجوء النظام الإيراني لخيار شمشون أي مهاجمة القواعد الأمريكية بشكل مباشر ربما يبدو احتمالاً ضعيفاً، قياساً على سلوك طهران على مدى أربعة عقود من الصراع مع واشنطن، لكن «التعقل وضبط النفس» ربما لا يكون شيئاً مؤكداً بالنسبة للوكلاء (الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن) لأسباب متعددة.

أول وأهم هذه الأسباب هو مقتل سليماني نفسه، فالرجل كان العقل المدبر لخطوات تلك الميليشيات وغياب العقل بتلك الصورة المفاجئة ربما يؤدي لانفلات آلية اتخاذ القرار داخل تلك التجمعات المسلحة بصور يصعب توقعها.

السبب الثاني هو أن وجود تلك الكيانات ذاته أصبح الآن على المحك وأعضاء تلك الميليشيات لن يتقبلوا بسهولة أن يمر مرور الكرام دون رد انتقامي موجع للجانب الأمريكي، وبالتالي حتى في حالة تغليب قيادات تلك الميليشيات صوت العقل وعدم التصعيد سيكون الأمر خطيراً وربما يؤدي لانقلابات داخلية في صفوفها.

ربما يكون التصريح الأكثر دلالة في ردود الفعل على مقتل سليماني هو ذلك الصادر عن النظام الإيراني بأن «مقتل سليماني تجاوز للخطوط الحمراء»، ولو نظرنا في عجالة إلى أبرز محطات الحلقة الدائرة حاليا من الصراع بين واشنطن وطهران (حلقة ترامب) والتي بدأت بانسحابه من الاتفاق النووي وتطبيق سياسة الضغط القصوى أي فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، سنجد أن الخط الأحمر تمثل في عدم سقوط قتلى من الجانبين.

عندما أسقطت إيران طائرة الاستطلاع الأمريكية في يوليو/تموز الماضي، برر ترامب تراجعه عن الرد العسكري في آخر لحظة بعدم سقوط ضحايا أمريكيين بل وشكر طهران على عدم استهداف طائرة أخرى كانت تقل 35 عسكرياً أمريكياً، وتم تجاوز تلك الهاوية.

هذه المرة الأمور اختلفت تماماً، فقد سقط أمريكي قتيلاً في هجوم صاروخي من جانب ميليشيات حزب الله العراقي وردت أمريكا بضربات جوية ضد مقرات الحزب وقتلت 25 من مقاتليه، ورد الحشد الشعبي باقتحام محيط السفارة الأمريكية في بغداد ومن ثم زلزال اليوم بقتل سليماني، وبالتالي فإن الرد الإيراني لا يمكن توقعه بنفس القدر الذي لم يتوقع أحد أن يقدم ترامب على اتخاذ قرار قتل سليماني.

توجيهات الخارجية الأمريكية للمواطنين الأمريكان «بمغادرة العراق فوراً» وتصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو بأن «واشنطن لا تسعى لحرب مع إيران» وأن إدارة ترامب «لن تسمح بتعريض الأرواح الأمريكية للخطر»، يمكن أن توضح «الخطوط الحمراء» من الجانب الأمريكي.

وصول 750 عسكرياً من قوات المارينز إلى السفارة الأمريكية في بغداد اليوم الجمعة 3 يناير/كانون الثاني مؤشر آخر على توقع الجانب الأمريكي أن تظل السفارة هدفاً للانتقام وهو على الأرجح تقييم دقيق، في ظل تصريحات رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي والرئيس برهم صالح وغيرهما التي استنكرت الهجوم الأمريكي الذي قتل سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس واعتبرته «انتهاكاً لسيادة العراق».

قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارته لليونان والعودة لتل أبيب وإعلان حالة الاستنفار من جانب الجيش الإسرائيلي يشير إلى احتمالات رد حزب الله على اغتيال سليماني بمهاجمة إسرائيل، ولا أحد يعرف ما يمكن أن يقدم عليه الحوثيون تجاه السعودية.

وفي العراق توجد قواعد أمريكية ونحو 6 آلاف عسكري أمريكي في مرمى أسلحة الحشد الشعبي، بخلاف القوات الأمريكية الموجودة في سوريا والكويت والأسطول الخامس في البحرين وحتى الوجود الأمريكي في أفغانستان لا يمكن استبعاد أي منها كهدف للانتقام لمقتل سليماني، كما أن مضيق هرمز وناقلات النفط وحركة السفن فيه قد تمثل هدفاً آخر أمام إيران.

المعطيات على الأرض إذن تشير إلى أن المصالح الأمريكية والسفارات والقواعد في المنطقة لم تصبح أكثر أمناً بقتل سليماني وربما يكون العكس هو الأقرب للواقع، والساعات والأيام القادمة كفيلة بالكشف عن صحة أو خطأ قرار ترامب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى