تقارير وملفات إضافية

إيران لديها أسلحة أكثر فاعلية، فلماذا هذا الهجوم الصاروخي «الرمزي» على قوات ترامب؟

المقارنة بين الهجمات التي استهدفت منشآت أرامكو في السعودية من حيث الدقة والجرأة، والهجمات الصاروخية التي استهدفت قاعدة عين الأسد في العراق- تطرح تساؤلات مهمة حول ما إذا كانت إيران تخطط للانتقام لمقتل قاسم سليماني بوسائل أخرى لا تجرها إلى حرب مباشرة مع الولايات المتحدة.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً، بعنوان: «الصواريخ لم تُحدِث سوى أضرار طفيفة.. لكن إيران لديها أسلحة أكثر فاعلية«، ألقت فيه الضوء على القدرات العسكرية الإيرانية وما يمكن أن تشهده الفترة المقبلة من هجمات أخرى لا تتبناها طهران مباشرة.

فوجئ المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون الأمريكيون بمدى الدقة والثقل والجرأة الشديدة التي اتّسم بها الهجوم الصاروخي، الذي خلصوا فيما بعدُ إلى أنه كان هجوماً إيرانياً.

قبل أربعة أشهر، ضرب سربٌ من الطائرات المسيّرة المسلحة المحلِّقة على ارتفاعات منخفضة وصواريخُ كروز، منشآت نفطية في المركز الرئيس لصناعة البترول السعودية، هجومٌ أثار ذهول واشنطن، التي أٌخذت على حين غرَّة، وأوقف مؤقتاً 5% من إمدادات النفط بالعالم. ولم يكن بإمكان أي دولة في المنطقة، ربما باستثناء إسرائيل، أن تتصدى لهذا الهجوم.

ويُعدُّ الهجومُ الإيراني على مواقع عسكرية أمريكية بالعراق في وقت مبكر من يوم الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني، الهجومَ المباشر الوحيد على الولايات المتحدة أو حلفائها والذي تزعم إيران مسؤوليتها عنه رسمياً، منذ الاستيلاء على السفارة الأمريكية في 1979، وقد استُخدمت الصواريخ الباليستية في الهجوم، الذي لم يُلحق سوى أضرار طفيفة.

لكن في ظل التوترات التي تشهدها العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران على أعلى مستوى منذ أربعة عقود، يُعدُّ النجاح غير المتوقع لضربة سبتمبر/أيلول التي استهدفت المنشآت النفطية السعودية، تذكيراً صارخاً بأن طهران لديها تشكيلة من الأسلحة الخفية في ترسانتها، قد تُشكّل تهديدات أكبر بكثير إذا تصاعدات الأعمال العدائية.

وقد نفت إيران مسؤوليتها عن الهجوم على المنشآت النفطية السعودية، لكن مسؤولين أمريكيين خلصوا إلى أن إيران كانت وراء ذلك الهجوم، وأنه تم بطائرات مسيَّرة وصواريخ أُطلقت من إيران أو جنوبي العراق.

تدهورت القوة العسكرية التقليدية للجيش الإيراني تدهوراً شديداً خلال سنوات العزلة النسبية للبلاد منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ومع ذلك، فإن طهران أمضت تلك العقود في تنمية قدراتٍ عسكرية أقل تقليدية، أصبحت الآن من أعلى القدرات العسكرية فاعلية في العالم، وتعتبر مناسبة على نحو مثالي لخوض حربٍ غير متكافئة ضد قوة عظمى، مثل الولايات المتحدة.

تمتلك إيران إحدى كبرى ترسانات المنطقة من الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز، وشبكةً من مجموعات مسلحة متحالفة معها تنتشر في جميع أنحاء المنطقة وتضم ما يصل إلى 250 ألف مقاتل، إضافة إلى فرق من قراصنة الحاسب الآلي، الذين يعتبرهم مسؤولون عسكريون أمريكيون من بين أخطر أسلحتها.

كذلك طوّرت إيران طائرات مسيّرة مسلحة ولأغراض المراقبة والتتبُّع. وبالنظر إلى افتقارها إلى قوة بَحرية تقليدية قوية، فقد سعت إلى إيجاد طرق أخرى للتحكم في تدفق النفط عبر الخليج، من خلال أسطول من الزوارق السريعة الصغيرة ومخزون من الألغام البحرية المربوطة تحت الماء.

يقول جاك واتلينغ، وهو محلل بمركز «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» البحثي المتخصص في الشؤون الأمنية ويقع مقره بلندن، إن «قدرات الإيرانيين الهجومية أكبر بكثير من القدرات والاحتياطات الدفاعية المخصصة لمواجهتهم. كما أن القدرة المتوافرة لديهم على إلحاق أضرار جسيمة بالخصوم تجعل تكلفة الحرب مع إيران كبيرة للغاية».

لقد أظهر الهجوم الذي لم يُسفر عن أضرار كبيرة يوم الأربعاء، مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية، فبعضها يصل مداه لما يزيد على 600 ميل، لكنه كشف أيضاً عن افتقارها إلى الدقة، إذ سقط عدد كبير منها بعيداً عن أهدافه المفترضة. ومع ذلك، فإن بعض المحللين يشيرون إلى أن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، قد يكون أمر عمداً بهجوم رمزي وغير ضار نسبياً؛ لإظهار استجابة قوية للمواطنين الإيرانيين دون إشعال فتيل حرب شاملة مع واشنطن.

ويقول كريم سجادبور، الباحث الإيراني بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن «خامنئي كان عليه ضبط الردِّ بحيث يكون كافياً لكي تحفظ ماء وجهها، وعدم الاندفاع في الرد لدرجة تُفضي بإيران إلى فقدان رأسها».

لكن طهران وحلفاءها ربما ما زالوا يخططون لعمليات أقل حدّة ثأراً من الاغتيال الأمريكي للقائد العسكري الإيراني قاسم سليماني الأسبوع الماضي، ولدى كثير من المحللين قناعة بأن إيران وحلفاءها المتشددين سيعودون إلى نمط هجماتهم السرية أو غير المباشرة التي لا تترك أي دليل صريح على مسؤولية إيران عنها.

وقد قالت إحدى الميليشيات المدعومة من إيران بالعراق، والتي فقدت أحد قادتها في الغارة الجوية ذاتها التي أسفرت عن مقتل سليماني، يوم الأربعاء، إنها ستسعى إلى الانتقام. وقال حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني الحليف لإيران، إنه سينتقم أيضاً.

ولإيران تاريخٌ طويل مع الاغتيالات، وهو تكتيك يُمكن أن يتسق مع وعود المسؤولين الإيرانيين باتخاذ تدابير «متناسبة» مع عملية بحجم اغتيال اللواء سليماني. وقال عدد من الخبراء في الشؤون الإيرانية إن قتل مسؤول أمريكي، بالمنطقة على الأرجح، قد يكون القصاص العادل الذي تبحث عنه طهران.

وتعليقاً على ذلك، قال السير جون جنكينز، السفير البريطاني السابق لدى السعودية، «بالتأكيد لن أخرج إلى كثير من الأماكن العامة، لأن خطر التعرض للاعتداء أو الاختطاف كبيرٌ للغاية»، ومع ذلك، فإن إيران لديها نسبة نجاح ضعيفة فيما يتعلق باغتيال المسؤولين الأجانب.

فقد سبق أن حاولت إيران، وفشلت في قتل مسؤولين إسرائيليين بتايلاند وجورجيا والهند، وفي تفجير تجمُّع بباريس، من تنظيم «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» المعارض للنظام الإيراني، والذي كان من بين حضوره رودولف جولياني، عمدة نيويورك السابق. وفي عام 2011، تمكنت مجموعة من عملاء إنفاذ القانون الأمريكيين من تفكيك مؤامرة إيرانية وقحة ومتهورة لاستئجار أفراد من عصابات مخدرات مكسيكية مقابل 1.5 مليون دولار، بغرض تفجير مطعم إيطالي في واشنطن؛ لاغتيال دبلوماسي سعودي.

ويقول إيلان غولدنبرغ، وهو مسؤول سابق بالبنتاغون كان يُشرف على الفرق المنوط بها مراقبة أنشطة الخلايا الإيرانية في ذلك الوقت: «لقد كدنا ألا نصدّق تلك المعلومات، فقد اعتقد كل شخص اطّلع على المعلومات الاستخباراتية حينها، أن الأمر كله كان مجرد ضجيج أو زوبعة فنجان، حتى جرى نقل الدفعة الأولى من الأموال والبالغة 150 ألف دولار، إلى حساب مصرفي متفق عليه».

علاوة على أن هجوم سبتمبر/أيلول الماضي، على المنشآت النفطية السعودية قدّم بديلاً مخيفاً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه كشف عن نقطة ضعف في أنظمة الدفاع الصاروخي هناك، والتي كان معظمها قد صُمّم للدفاع ضد الصواريخ الباليستية، ولم يجر تجهيز أي منها تقريباً للكشف عن الطائرات المسيّرة السريعة التي تحلّق على ارتفاعات منخفضة، أو صواريخ الكروز. 

قال المسؤولون إن الهجمة أظهرت أن تكنولوجيا إيران متقدمة أكثر مما توقعت إدارة الاستخبارات الأمريكية، ويقول الجنرال كينيث مكينزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية التابعة لـ «البنتاغون»، في مقابلة حديثة له: «إن مهاجمة حقول البترول بالسعودية كانت مذهلة في عمق جرأتها».

قال تال إنبار، المدير السابق لمركز أبحاث الفضاء التابع لمعهد فيشر للدراسات الاستراتيجية الجوية والفضائية، وهي منظمة بحثية إسرائيلية مغلقة في الوقت الحالي: «إن إحكام الهجمة لا يمكن أن يكون قد تم فقط باستخدام نظام تحديد المواقع GPS». وأضاف: «هنالك إمكانات أعلى بكثير قد استُخدمت في هذا الهجوم»، وتابع: «ربما استُخدمت كاميرا في القذيفة، والطائرات المسيّرة، والتي تقارن الواقع بصورة مستهدفة». 

بخلاف الطائرات المسيّرة الأمريكية والصينية الأكثر تطوراً، فإن الطائرات المسيّرة الإيرانية ليس في إمكانها أن تلقي بالقذائف من الأعلى. لكن يمكن تحميلها بالمتفجرات، كما اعتُقِدَ في هجمة السعودية، ويمكن التحكُّم فيها عن بعد.

تتمتَّع القدرة التجوالية لقذائف إيران بنطاقٍ واسعٍ، ويمكنها أن تضرب على مسافة تبلغ أكثر من 1.500 ميل/2414 كيلومتراً عن حدود إيران، لتصل إلى أي مكان في منطقة الخليج. مدت الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية إيران بالذخائر والوسائل التكنولوجية، بالإضافة إلى الإنتاج المحلي في إيران لطائرات مسيّرة يُتحكم فيها عن بعد.

على الرغم من ذلك، وحتى وقت قريب، كانت إيران تفضِّل أن تعتمد على شبكتها من حلفاء الحرب بأنحاء المنطقة، من ضمنهم حزب الله في لبنان، وكتائب حزب الله بالعراق وهي تنظيم مكون من ميليشيات عراقية، وهي حالياً تحت تنظيم الحشد الشعبي، بالإضافة إلى الحوثيين في اليمن، ومجموعات أخرى حول المنطقة. بعضها الآن قد أضحى كبير العدد، ومجهزاً جيداً، واتخذ شكلاً مؤسسياً، كحزب الله، والقوات العراقية. حتى إنهم أصبحوا أقرب للجيوش الرسمية منها إلى غير الرسمية.

يقول أفشون أوستوفوار، الخبير بالجيش الإيراني في كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري، بكاليفورنيا: «إن هذا هو ما يجعل قوة إيران أكثر اتساعاً من حدودها».

إن العقوبات الاقتصادية التي صبتها إدارة ترامب على إيران خلال السنة الماضية، قد دمرت اقتصادها، وخفضت من قدرتها على تمويل حلفائها الحربيين. لكن، استنتج تقريرٌ صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية هذا الأسبوع، أن العدد الكلي للمحاربين بشبكة الميليشيات التي تدعم إيران، مستمرٌ في النماء بانتظام، وقد بلغ مدى النماء لعدد تقريبي من نحو 150 ألف إلى أكثر من 250 ألفاً. 

وعلى الرغم من مجهودات الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن إيران استمرت في تهريب قذائف بمختلف الأنواع والإمكانات إلى وكلائها في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن بحسب مسئولي الدفاع الأمريكيين والإسرائيليين.

السلسلة الأخيرة من الهجمات بين الولايات المتحدة وإيران بدأت بهجمة صاروخية قتلت متعهداً أمريكيا في العراق، وردَّت الولايات المتحدة انتقاماً، بضربها ميليشيا تدعمها إيران. وقد أدى ذلك إلى بدء حلقة من التصعيدات.

لكن، بعيداً عن نهاية هذه الهجمات الصاروخية، فإن بعض الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق قد صرحت بأنها، ومن دون تشجيع من إيران، قد قررت الآن أن تزيد من هجماتها على القوات اﻷمريكية لكي تطردها خارج البلاد، ويقول أوستوفوار: «أعتقد أننا سوف نثبت أمام فترة نزاع ستكون عصيبة».

ربما تكون الهجمات الإلكترونية Cyber Attacks –سلاح يمكن أن يتسبب في دمار بالغ جزئي حول العالم بتكلفة قليلة، وباستخدام  بصمات أصابع معدودة- كارت إيران الشرس.

قد رصد خبراء الأمن الإلكتروني ومسؤولو الحكومة بالفعل زيادة في حركة البرمجيات الخبيثة المفتعلة عن طريق قراصنة إيرانيين محترفين، ومستخدمي المواقع الاجتماعية، وهو ما جعلهم يعتقدون أن ذلك ينذر بهجمات إلكترونية أكثر خطورة من جانب طهران.

قال مسؤولون أمريكيون، وخبراء أمن إلكتروني مستقلون، إن هجمات البرمجيات الخبيثة التي شنتها إيران على السعودية كانت من ضمن أكثر الاعتداءات المدمرة من هذا النوع، وتسببت في خسارة بلغت على أقل تقدير، عشرات الملايين من الدولارات.

في هجمة تمت في سنة 2012، عزتها الولايات المتحدة إلى إيران، تم مسح بيانات محرك الأقراص الثابتة الخاص بشركة البترول أرامكو السعودية، وكتابة بيانات جديدة فوقها مرفقة بصورة لعَلم أمريكا وهو يحترق. وفي هجمة ثانية في سنتي 2016 و2017، دُمرت ملفات تخص البنك المركزي السعودي، بالإضافة إلى وزارات حكومية معينة، وعديد من الشركات الخاصة. في ذلك الحين، ظهرت على شاشات الكمبيوتر تلك صورة فوتوغرافية شهيرة لطفل سوري لاجئ في أثناء غرقه.

صنف دان كوتس، المدير السابق للاستخبارات القومية، إيران كواحدة من أخطر أربعة مصادر للتهديدات الإلكترونية للسنة الماضية، جنباً إلى جنب مع روسيا، والصين، وكوريا الشمالية. 

يقول: «إنها قادرة على أن تسبب آثاراً معرقلة مركزة ومؤقتة -كأن تُحدث تعطلاً في الشبكات لدى شركات ضخمة، يستمر من أيام إلى أسابيع- هذا مشابه لهجمات مسح البيانات التي حدثت لشبكات عشرات من القطاعات الحكومية والخاصة السعودية». 

حدثت بالفعل واحدة من الهجمات منخفضة المستوى، على ما يبدو، بهدف الثأر من مقتل الجنرال سليماني. استولى القراصنة الإيرانيون  على الموقع الحكومي الأمريكي Federal Depository Library Program مؤقتاً، واستبدلوا مديحاً للجنرال بمحتوى الموقع.

من المحتوى المكتوب على الموقع: «تمت القرصنة عن طريق مجموعات أمن إلكتروني إيرانية»، وأضيف: «هذا فقط جزء صغير من قدرات إيران الإلكترونية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى