لايف ستايل

منها احتمالية نشوبها بالخطأ.. الحروب النووية أسئلة وإجابات

أصبح احتمال استخدام الأسلحة النووية أقرب الآن من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، ولكن احتمالات محو البشرية بالكامل نتيجة استخدام تلك الأسلحة تضاءلت بشكل كبير، وبحسب ما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية، هناك أسئلة قد تطرأ على أذهان الكثيرين، ويخشون طرحها، فإليكم الإجابات.

هناك تسع دول تمتلك أسلحة نووية. خمس من تلك الدول (الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين) أعضاء في النادي الرسمي لمالكي الأسلحة النووية، إذ صنعوا أسلحتهم في وقت مبكر وجعلوها مشروعة في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية الموقّعة عام 1968، التي تعد المكوّن الرئيسي للقانون الدولي الحاكم والمنظم لامتلاك الأسلحة النووية.

وأثبتت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية نجاحاً كبيراً. في ستينات القرن الماضي، كان من المتوقع أن تمتلك عشرات الدول قنابل نووية، إذ بدت أنها طريقة سريعة لبسط النفوذ واحتلال مكانة جيدة على الساحة العالمية، ولكن حتى الآن لم يتجاهل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية سوى أربع دول صنعت قنابلها الخاصة، وهذه الدول، بترتيب الامتلاك هي: إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية.

لقد تخلَّى عدد أكبر من الدول عن برامج تطوير الأسلحة النووية، وذلك اعتقاداً أنها تمثل تهديداً، لا تعزيزاً، لأمنها القومي.

طوَّر نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ستة رؤوس حربية سراً، ولكنه فكك القنابل وتخلّى عن البرنامج بالكامل عام 1989، قبل تحول النظام إلى الديمقراطية.

حتى السويد كانت تمتلك خطة متقدمة وطموحة تعتمد على مفاعلات الماء الثقيل لتطوير مئات الرؤوس الحربية، ولكنها تخلّت عن المشروع في ستينات القرن الماضي، مفضّلة إنفاق ميزانية الدفاع على الطائرات الحربية.

وأدارت المجالس العسكرية في البرازيل والأرجنتين برامج سريّة لتطوير الأسلحة النووية، وبالرغم من اقترابهم من تصنيع القنبلة، تخلّى كلا البلدين عن برامج تطوير الأسلحة، وانضمّا إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في بداية تسعينات القرن الماضي.

وبدأت تايوان وكوريا الجنوبية تطوير برامج لإنتاج البلوتونيوم في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، قبل أن تقنعهما الولايات المتحدة بالتوقف في منتصف السبعينات، والاعتماد على واشنطن في حفظ أمن البلدين. وتمتلك اليابان «قنبلةً تحت الطلب»، إذ تمتلك كل الموارد والمعرفة اللازمة لتطوير رأس حربي سريعاً إذا قرّرت اتّباع ذلك المسار وتجاهل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، إلا أن ذلك غير مرجح في الوقت الحالي.

وورث ثلاث دول من دول الاتحاد السوفيتي سابقاً الأسلحة النووية عام 1991، وهي أوكرانيا وكازاخستان وروسيا البيضاء، ووافق الثلاثة على تسليم تلك الأسلحة. وفي حالة أوكرانيا وافقت أوكرانيا على تسليم الأسلحة مقابل ضمانات من روسيا، تضمن سيادتها على أراضيها، التي أثبتت لاحقاً أن تلك الضمانات بلا قيمة حقيقية.

وفي العراق، فكّك صدام حسين برنامج الأسلحة النووية بعد حرب الخليج الأولى عام 1991، وسلّم معمّر القذافي، الرئيس الليبي السابق، نماذجه الأولية للأسلحة النووية إلى الولايات المتحدة في 2003. ومصير كليهما قد يكون إنذاراً لأي ديكتاتور مستقبلي لكي يتخلّى عن أحلامه النووية.

من الصعب جداً صنع سلاح نووي إذا لم يكن الأمر بهذه الصعوبة فلم نكن لنحيا على الأرجح حتى الآن، والأمر صعب من ناحيتين؛ صنع المواد الانشطارية، ثم إنشاء الجهاز الذي يفجرها.

تنشطر المادة عندما يمكن انقسام نواة ذرة بواسطة نيوترون مُحرر من ذرة أخرى، مما ينتج عنه قدر هائل من الطاقة والمزيد من النيوترونات. وعندما تستمر تلك النيوترونات الحرة في تقسيم ذرات أخرى يحدث تفاعل متسلسل، يتسبب في الانفجار النووي.

يُستخدم اليورانيوم والبلوتونيوم في صناعة الأسلحة النووية، ولكن هناك إعدادات ذرية أو نظائر معينة من تلك المواد انشطارية. النظائر الانشطارية المستخدمة في صناعة الرؤوس الحربية النووية هي «يورانيوم-235» و «بلوتونيوم-239». التحدي والصعوبة الأكبر في صناعة رأس حربي نووي هو الحصول على عدد كافٍ من تلك النظائر الانشطارية من العناصر الموجودة في الطبيعة.

يتضمّن مسار اليورانيوم في تصنيع القنبلة تحويل اليورانيوم المكرر إلى غاز ثم تدويره بسرعة عالية جداً في أجهزة الطرد المركزي لفصل «يورانيوم-235″، الذي يمثّل أقل من 1% من اليورانيوم في الطبيعة. عادة ما يحتوي اليورانيوم منخفض التخصيب، المستخدم في الطاقة النووية المدنية، على 3% إلى 4% من «يورانيوم-235″، بينما اليورانيوم المستخدم في الأسلحة يجب أن يحتوي على 90% من «يورانيوم-235» المخصّب أو أكثر. بناء عدد كافٍ من أجهزة الطرد المركزي، ودفعها إلى الدوران بسرعة كافية في تناغم تامٍ هو التحدي التقني الأصعب في صناعة القنبلة النووية.

ينتج «بلوتونيوم-239» بكميات كبيرة عن طريق استخراجه من وقود اليورانيوم المشع من خلال مفاعل. ولأنه أكثر قدرة على الانشطار يمكن استخدام مقدار أقل من البلوتونيوم في صناعة السلاح النووي. الرأس الحربي الحديث المطوّر يحتاج إلى 2 كيلوغرام فقط من البلوتونيوم، أو ثلاثة أضعاف هذا الرقم على الأقل من اليورانيوم.

بمجرد حصولك على قدر كافٍ من المادة الانشطارية عليك أن تجعلها تنفجر، ولتحقيق ذلك عليك إجبار الذرّات على الاقتراب من بعضها البعض بما يكفي لتحفيز تفاعل متسلسل، وهناك طريقتان لتنفيذ ذلك، لذا هناك تصميمان أساسيان للقنبلة النووية.

الطريقة البدائية هي الرأس الحربي الأشبه بالبندقية، والتي تنطوي على واحدة من المواد الانشطارية إلى أخرى بسرعة عالية باستخدام المتفجرات التقليدية. قنبلة «الولد الصغير» (The Little Boy) التي أُسقطت على هيروشيما كانت من هذا النوع، واستخدمت 64 كيلوغراماً من اليورانيوم عالي التخصيب.

وهناك نوع أكثر تطوّراً يحتاج إلى كمية أقل من المواد الانشطارية، ويسمح باستخدام البلوتونيوم (الذي لا يناسب الرؤوس الحربية من نوع البندقية) وهو نوع «الانفجار الداخلي»، وفيه تحاط كتلة اليورانيوم عالي التخصيب أو البلوتونيوم بمتفجرات معدّة للانفجار في نفس الوقت بدقة لتوليد الضغط المطلوب على المادة الانشطارية. قنبلة الرجل البدين (The Fat Man) التي أُسقطت على ناغازاكي كانت من هذا النوع، باستخدم 6 كيلوغرامات من البلوتونيوم.

القنبلة الهيدروجينية هي المصطلح العامّي الدارج للسلاح النووي الحراري، وهي تصميم من الجيل الثاني من القنابل بقدرة انفجارية أكبر بكثير من الرأس الحربي الانشطاري البسيط.

وهو جهاز من مرحلتين؛ قنبلة انشطارية أولية تنفجر وتضغط على قنبلة ثانية مملوءة بنظيرين ثقيلين للهيدروجين، ديوتيريوم وتريتيوم (ومن هنا جاءت تسمية القنبلة الهيدروجينية). ويخضعون إلى عملية اندماج نووي، مما يدفع عملية دمج نواة الذرات معاً وزيادة مقدار الطاقة التي يحررها الجهاز على نحو هائل. كل الأسلحة الاستراتيجية في ترسانات الأسلحة العصرية الآن نووية حرارية، أو قنابل هيدروجينية.

كان مضمون وجوهر معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية هو موافقة الدول الأعضاء الذين لا يمتلكون أسلحة نووية على عدم امتلاكها مستقبلاً، مادامت الدول التي تمتلك تلك الأسلحة خفضت ترساناتها الضخمة، القادرة على تدمير الكوكب عدة مرات. وقد حدث ذلك بالفعل إلى حد ما، أولاً نتيجة لاتفاقيات الحدّ من انتشار الأسلحة، ثم نتيجة انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة.

وفقاً لاتحاد العلماء الأمريكيين، انخفض عدد الأسلحة النووية من 70,000 في ذروة الحرب الباردة، عام 1985، إلى حوالي 14,000 حالياً، ولكنه لا يزال مقداراً كافياً لإنهاء الحياة على الكوكب. في الوقت الحالي تعود أغلبية تلك الرؤوس الحربية إلى الولايات المتحدة وروسيا (93% في عام 2018)، بحوالي 6,000 إلى 7,000 رأس حربي، إلا أن حوالي ربعها فقط هو المنتشر والمستعد للاستخدام، وبقية الترسانة في المخزون الاحتياطي أو تخضع لعملية التفكيك وإنهاء الخدمة.

وفي المستوى الثاني للدول التي لديها قدرات نووية، وفقاً لتقديرات اتحاد العلماء الأمريكي، تمتلك فرنسا 300 رأس حربي، وتمتلك الصين 270، وتمتلك بريطانيا 215، وتمتلك باكستان 130، وتمتلك الهند 120، وتمتلك إسرائيل 80، بينما تمتلك كوريا الشمالية ما بين 10 و20 رأساً حربياً.

ووقع باراك أوباما وديمتري ميدفيديف آخر الاتفاقيات الناجحة للسيطرة على انتشار الأسلحة، معاهدة ستارت الجديدة، عام 2010، التي تقيّد الولايات المتحدة وروسيا بنشر 1,550 رأساً حربياً استراتيجياً فقط لكل منهما. وكان الأمل في ذلك الوقت أن تبرم القوتان النوويتان العظميان معاهدات لاحقة، وفي مرحلة ما اقترح أوباما تقليص حجم الترسانة الأمريكية بمقدار الثلث من جانب واحد، ولكن لم يحدث أي من ذلك.

السلاح النووي الإرهابي واحد من أكثر السيناريوهات المفزعة التي تواجه العالم، على عكس الدول، تلك الجماعات لا يمكن ردعها أو منعها من استخدام تلك الأسلحة بسبب صعوبة تحديد هوية مرتكب الانفجار، وصعوبة ملاحقته والعثور عليه، بالإضافة إلى استعداده لقبول الموت ثمناً لإلحاق أضرار مدمرة وبالغة بأعدائه. 

ولا تحتاج الجماعات الإرهابية إلى صواريخ باهظة التكلفة لتوجيه الرؤوس الحربية، يمكنهم الإبحار بتلك الأسلحة في حاويات شحن بحرية في الموانئ، أو عبور الحدود بها على متن شاحنة.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أنفقت الولايات المتحدة موارد ضخمة على تفكيك العديد من الأسلحة ومنشآت إنتاجها، إلى جانب تأمين حصول العديد من العملاء النوويين على وظائف بديلة، لكيلا يبيعون خبراتهم وعلمهم إلى أي جهة لديها استعداد للدفع. ولكن لا تزال هناك مخاوف جدية بشأن الأمان النووي، وتعد باكستان تحديداً مصدر قلق بالغ بسبب وجود عناصر متطرفة داخل الجيش والمخابرات، وتربطهم صلات بجماعات إرهابية.

وهناك مخاوف أيضاً من أن تبيع كوريا الشمالية أياً من رؤوسها الحربية لأي أسباب، سواء كانت ضائقة مادية أو بدافع الانتقام. وهناك تهديد حديث يتمثل في قدرة أي مجموعة إرهابية على اختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالسيطرة والتحكم في الأسلحة النووية، وإطلاقها، أو إطلاق نظام الإنذار المبكر، للإيحاء بوجود هجوم وشيك من الأعداء.

مع مرور العديد من السنوات منذ نهاية الحرب الباردة، أصبح من الواضح أننا نجونا، لحسن الحظ منع استخدام الأسلحة النووية خلال تلك الحقبة بسبب أخطاء في الحسابات أو أعطال تقنية. على سبيل المثال، في عام 1979، ترك ضابط المراقبة الأمريكي أشرطة التدريب في أنظمة الإنذار المبكر عندما أنهى نوبته، فرأى ضابط المناوبة الجديد على الشاشات ما يشير إلى هجوم بالعديد من الصواريخ السوفيتية، ولولا فطنة وحسن تصرّف الضابط المسؤول ربما كان تحوّل الأمر إلى حرب نووية.

في مثل هذه المواقف، إذا لم يتعرف الضابط في أسفل التسلسل القيادي على موطن الخلل سوف يُمرر الأمر إلى القيادة العليا لما يبدو أنه إنذار حقيقي، وما هي إلا دقائق ليقرر فيها القائد الأعلى إطلاق الصواريخ قبل أن تدمرهم صواريخ العدو. وحتى بعد ثلاثة عقود من نهاية الحرب الباردة لا تزال الولايات المتحدة وروسيا تحتفظان بمئات الصواريخ على أهبة الاستعداد، جاهزة للإطلاق في ظرف دقائق، تحسباً للظروف.

في النظام الأمريكي لا يوجد أي تدقيق أو عائق مؤسسي أمام الرئيس لإطلاق تلك الصواريخ، بمجرد أن يُعرّف نفسه لغرفة الحرب في مبنى وزارة الدفاع باستخدام الرموز النووية المخصصة للرئيس.

من المرجح أن يسعى ترامب إلى اتفاق أكثر طموحاً للحدّ من التسلح، يمكنه وضع اسمه عليه. ولكن سوف يكون من الصعب إقناع بوتين بأي نشاط للحد من التسلح النووي من دون تقليص حجم نظام الدفاع الصاروخي للولايات المتحدة، وهذا غير مرجح في الوقت الحالي.

وانحسر التهديد المتمثل في نشوب صراع مع كوريا الشمالية إلى حد كبير منذ قمة سنغافورة، ولكن من الواضح على نحو متزايد عدم استعداد بيونغ يانغ إلى التخلّي عن سلاحها النووي في أي وقت قريب. والسؤال هو ماذا سيفعل ترامب بمجرد أن يصبح ذلك الأمر واضحاً وجلياً بالنسبة له؟

احتمالات حدوث مواجهة نووية مع إيران في تزايُد، خاصة مع العداء المتزايد بين البلدين، وبعد تراجع ترامب عن اتفاق 2015 النووي مع طهران، الذي يحد من أنشطة إيران النووية في مقابل تخفيف العقوبات. والآن، تُراكم الولايات المتحدة عقوباتها على إيران وتدعو العالم للتوقف عن شراء النفط الإيراني. 

وعاجلاً أو آجلاً سوف تتوقف الحكومة الإيرانية عن الالتزام بالاتفاقية، وتبدأ في تخصيب اليورانيوم وأنشطتها النووية الأخرى. ومن المحتمل أن يزيد ذلك من حدة التوترات في منطقة الخليج بشكل كبير، ويجعل بقية الدول في المنطقة تسعى لامتلاك الأسلحة النووية بنفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى