تقارير وملفات إضافية

هل بدأت بقايا الدولة العميقة ترتيب صفوفها؟ فشل الجملي في تشكيل الحكومة التونسية يهدد طموح «النهضة»

دخل مسار تشكيل الحكومة التونسية منعرجاً حاسماً، بتولّي الرئيس التونسي قيس سعيد زمام الأمور وتكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة بالتشاور مع الأحزاب والكتل البرلمانية، بعد فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان التونسي.

 يأتي ذلك وسط حديث عن انهيار للتحالف المؤقت بين حزب النهضة وقلب تونس، الذي أفضى لوصول زعيم النهضة راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان.

ويبدو أن هناك تحالفاً جديداً يتشكّل داخل البرلمان، يضم ما يمكن أن يُوصف ببقايا الدولة العميقة أو الحزبين الأقرب لها، في ظل الخلافات بين الإسلاميين والقوميين واليساريين.

 هذه التغييرات المتوقعة جاءت في ظل توجيه الرئيس التونسي قيس سعيد دعوة رسمية إلى كل الأحزاب والائتلافات والكتل البرلمانية، لتقديم مقترحاتها بشأن الشخصية التي يرونها الأقدر على تشكيل الحكومة، في أجَل لا يتجاوز يوم الخميس، 16 يناير/كانون الثاني 2020، لتنطلق بعد ذلك المشاورات بشأن اختيار هوية رئيس الحكومة الذي سيتم تكليفه عوضاً عن الحبيب الجملي، الذي فشل في الحصول على ثقة البرلمان.

وينص الدستور التونسي على أن تكليف رئيس جديد للحكومة يجب أن يكون في أجل أقصاه 10 أيام من موعد عدم منح الحكومة السابقة الثقة، على أن تنطلق بعد ذلك المشاورات في تشكيل الحكومة، التي حددها الدستور بشهر، يمكن أن تنتهي بدعوة رئيس الجمهورية إلى انتخابات تشريعية مبكرة، في حالة فشلها في نيل ثقة البرلمان.

يُجمع الخبراء والمحللون على أن فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان ستكون له تداعيات كبيرة على حركة النهضة، خاصة على المستوى الداخلي.

إذ من المنتظر أن يعمق فشل الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية بأغلبية غير مريحة في تمرير الحكومة التي كلف رئيسه بتشكيلها، الخلافاتِ الداخلية داخل الحركة، التي طفت على السطح خلال الأشهر الماضية.

المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي قال لـ «عربي بوست» إن إسقاط حكومة الحبيب الجملي في البرلمان ستكون له تداعيات كبيرة وخطيرة داخل حركة النهضة، التي استقال أمينها العام زياد العذاري، وأعلنت قيادات أخرى عدم رضاها علناً عن الخيار الذي تبنّته الحركة في تشكيل الحكومة، خاصة ما يتعلق باختيار الشخصية المكلفة بتشكيلها.

ومن المنتظر أن ينعكس هذا الفشل وهذه الخلافات على موقف ودور الحركة في مشاورات تشكيل الحكومة التي يقودها رئيس الجمهورية هذه المرة، بعد أن فقدت حركة النهضة حرية اختيار رئيس الحكومة الجديد. 

ولن يكون من حق «النهضة» سوى اقتراح اسم كبقية الأحزاب، أو تقديم موقفها من الأسماء الأخرى التي تطرحها بقية الكتل البرلمانية والأحزاب المشاركة في المشاورات. 

النائب عن حركة النهضة أسامة الصغير قال لـ «عربي بوست» إن حركة النهضة لم تنهِ بعدُ مشاوراتها الداخلية بشأن الاسم الذي تقترحه لرئاسة الحكومة، مؤكداً أن النهضة ستختار بعد اجتماعاتها الداخلية إما تقديم اسم أو أسماء ترى فيها الحركة القدرة على تشكيل الحكومة المقبلة، أو تقديم اسم موحد مع أحزاب أخرى.

وفي هذا السياق يعتقد المحلل السياسي أيمن الحرباوي أن فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان يضع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في موضع قوة على المستوى الداخلي للحركة.

وأوضح لـ «عربي بوست» أن الغنوشي سيعود لفرض خياراته داخل الحزب، من منطلق أن خيارات مجلس شورى الحركة «هي التي أدت إلى هذا الفشل»، ذلك أن اختيار شخصية الحبيب الجملي لتكليفه بتشكيل الحكومة تم داخل مجلس الشورى، بينما كان رئيس الحركة من الداعين إلى تعيين شخصية مستقلة من خارج الحزب لتشكيل الحكومة.

من جهة أخرى، تسعى أحزاب وكتل برلمانية كان لها دور حاسم في إسقاط حكومة الجملي إلى توحيد خيارها بشأن الشخصية المقترحة لرئيس الحكومة، وخاصة الأحزاب الأقرب للدولة العميقة.

وذكرت مصادر مطلعة لـ «عرب بوست» أن حزبي تحيا تونس الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد، وقلب تونس بقيادة نبيل القروي، اللذان كان لهما دور كبير في فشل النهضة في تمرير حكومة الجملي، كثّفا المشاورات لتقديم اسم موحد لرئيس الجمهورية ليكون رئيس الحكومة الجديد.

وأوضحت المصادر أن الاسم الذي يتفق عليه الحزبان حتى الآن هو الوزير السابق في عهد بن علي، رضا مصباح، مع إمكانية إضافة اسم أو أسماء أخرى للقائمة التي ستُقدم لرئيس الجمهورية قيس سعيد. 

والحزبان يعتبران من أقرب القوى السياسية لبقايا الدولة العميقة في تونس.

على غرار أغلب الأحزاب لم تحسم حركة الشعب (حزب قومي)، التي كانت أول الأحزاب التي نادت بحكومة الرئيس، اختيارَها حول الشخصية المقترحة لتولي رئاسة الحكومة.

وأشار عضو المكتب التنفيذي للحركة أسامة عويدات لـ «عربي بوست»، أن حكومة الرئيس أصبحت واقعاً دستورياً يجب اعتماده، لذلك «ستتفاعل حركة الشعب إيجابياً بالمشاركة في المشاورات من أجل اختيار الشخصية المناسبة لقيادة هذه المرحلة»، على حد تعبيره.

وأوضح أنه يجب أن يكون رئيس الحكومة شخصية سياسية ذات تكوين اقتصادي واجتماعي، قادرة على تجميع الأطياف السياسية على برنامج موحد، يقدر على تحقيق طموحات التونسيين وتوقعاتهم، خاصة في مجال الاستثمار والتنمية الجهوية وإيجاد فرص عمل.

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي عبداللطيف دربالة أن علاقة التوافق بين حزب قلب تونس وحركة النهضة، التي نجحت في إيصال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى رئاسة البرلمان، قد وصلت إلى طريق مسدود بفعل ثلاثة عوامل مهمة.

أولها تعامل رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي مع المشاورات ومع تحالف الحزبين، حيث رفض  الجملي تنفيذ بنود التوافق بين حركة النهضة وقلب تونس في تشكيلته الحكومية، خاصة بعد تعثُّر المشاورات بين النهضة والتيار الديمقراطي (يسار وسط) وحركة الشعب، وثانياً بسبب الحرج الكبير الذي وجدته قيادات الحزبين في إعلان توافق جديد، ذلك أن هذا التوافق سيجعل النهضة وحزب قلب تونس في حرج كبير مع قواعدهما، وسيجعل الحزبين يدفعان ثمناً سياسياً باهظاً لهذا الخيار.

وأضاف دربالة أن العامل الثالث الذي أسهم في القطيعة بين النهضة وقلب تونس، هو دخول رئيس حزب تحيا تونس بقيادة يوسف الشاهد على الخط، حيث استغلّ رئيس حكومة تصريف الأعمال قربه من  الرئيس قيس سعيد، وتمكنه من أجهزة الدولة، لفرض معادلة سياسية جديدة تجعله طرفاً في الحكم. 

كما نجح الشاهد في خلق انقسام في كتلة قلب تونس، حيث أعلن جزء كبير من نواب الحزب عن العصيان، رافضين منح حكومة الجملي الثقة.

والأهم أن وساطات داخلية وخارجية أسهمت في إذابة الجليد بينه وبين نبيل القروي، حيث يبدو أن عرض الشاهد للقروي بمسار سياسي مغاير للحكم من دون النهضة قد أقنع رئيس حزب قلب تونس، ودفعه لإعلان القطيعة مع النهضة.

وفي سياق متصل، أكد المحلل السياسي بسام حمدي، أن حجب الثقة عن الحكومة المقترحة من الحبيب الجملي أوضَحَ للنهضة وزنَها السياسي الحقيقي بعد انتخابات 2019، بعد أن كانت تفاوض الأحزاب في مشاورات تشكيل الحكومة بنفس المقاربة التي اعتمدتها سنة 2011، عندما فازت بحوالي 89 مقعداً آنذاك.

وأضاف: الفوز المنقوص للنهضة في سنة 2019 لم تستوعبه الحركة في البداية، وظلت تتشاور مع الأحزاب بما وصفه بـ «استعلاء»، ولكن إسقاط الحكومة المشكلة من شخص كلفته النهضة سيضعها أمام حتمية تقاسم السلطة مع الأحزاب التي تليها في نتائج الانتخابات التشريعية، دون اعتماد مقاربة انفرادها بالحكم وإشراك حزبين معها مشاركة صورية.

وتابع  حمدي: النهضة ستتنازل عن عدة خيارات كانت تنتهجها في تشكيل الحكومة، وستُصبح مجبرة على القبول بثلاث أو أربع حقائب وزارية، بحيث يصبح تمثيلها في الحكومة كغيرها من الأحزاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى