تقارير وملفات إضافية

سجناء أيرلندا قبل 100 عام أفضل حظاً من معتقلي مصر.. مأساة المضربين عن الطعام التي يتجاهلها العالم

منذ حوالي خمس سنوات خرج محمد سلطان من بوابة الوصول في مطار واشنطن دولس الدولي،  ليجد في انتظاره مجموعة من أفراد العائلة والأصدقاء المبتهجين الذين هرعوا لعناقه. ونهض من كرسيه المتحرك وخرَّ راكعاً ليقبل الأرض، ليكون الفائز الوحيد تقريباً من مأساة السجناء المضربين عن الطعام في مصر.

وقبل ذلك ولمدة عامين، كان سلطان، وهو مواطن أمريكي، معتقلاً في مصر بتهمة نشر معلومات كاذبة بعد أن نشر بثاً مباشراً على تويتر لتفريق مجموعة من المتظاهرين الإسلاميين. وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وبدأ إضراباً عن الطعام لعدة مئات من الأيام في محاولة لتأمين حريته، وفقد في النهاية أكثر من 45 كغم من وزنه.

وفي السجن، التقى مصطفى قاسم، وهو مواطن أمريكي من أصل مصري، اعتقل عليه وسط حملات اعتقال عشوائية أثناء زيارته للعائلة في القاهرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

لكن حين أطلق سراح سلطان لم يطلق سراح قاسم معه. ويوم الإثنين، بعد أن بدأ قاسم إضرابه عن الطعام الذي استمر أكثر من عام، توفي الرجل الذي كان يعمل سائقاً لسيارة أجرة في نيويورك والأب لطفلين في مصر بسبب قصور واضح في القلب.

يُذكر أن قاسم ظل رهن الحبس الاحتياطي لمدة خمس سنوات، وحُكم عليه عام 2018، بالسجن 15 عاماً بتهمة المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة المصرية.

Senator Chris Murphy:An American citizen Mustafa Qasim died in an Egyptian prison just like thousands of political prisoners.
The #Egyptian#American citizen, Mustafa Qasim, who Washington demanded for his release last month, died Monday evening, January 13, in SISI prison. pic.twitter.com/sUE0PWzQN1

وقال سلطان، الذي أسّس بعد إطلاق سراحه مجموعة حقوقية للدفاع عن السجناء الآخرين في مصر: «كان الأمر مدمراً، وبصراحة كان مأساوياً بالنسبة لي. كان قراراً كنت متخوفاً منه لمدة عامين».

يُشار إلى أن السجون المصرية تضم عشرات الآلاف من السجناء السياسيين. وهناك ما لا يقل عن ستة مواطنين أمريكيين ومقيمين أمريكيين دائمين محتجزين في مصر.

ويُعتقد أن حوالي 300 سجين دخلوا إضراباً عن الطعام، ويعتمد طول مدة تمكنهم من البقاء على قيد الحياة إلى حد كبير على قوة الإرادة وأساليب الصيام ونوع الجسم.

وقال سلطان خلال مكالمة هاتفية هذا الأسبوع إنه خلال إضرابه عن الطعام، لم يشرب سوى الماء مع بعض الفيتامينات. وحتى بعد دخوله غيبوبة وإفاقته منها وإصابته بانسداد رئوي، واصل الإضراب، وكان يكتفي بتناول مكملات من منتجات الحليب واللبن الزبادي قرب نهاية اعتقاله.

وقال سلطان في إشارة إلى سلطات السجن: «هم أولاً يسلبونك حريتك، ثم يحاولون سلبك كرامتك وإرادتك. وفكرة الإضراب عن الطعام تُفشل هذه العملية، استخدم ما تبقى من عزيمتك، وقدرتك على تناول الطعام أو عدم تناوله، لتسترد كرامتك، وحريتك أيضاً كما نتعشم».

لطالما اُعتبرت الإضرابات عن الطعام شكلاً من أشكال الاحتجاج السياسي والشخصي. ففي حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، نظم مئات السجناء السود إضرابات عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنهم. ونظم المهاتما غاندي إضراباته الطويلة الشهيرة عن الطعام احتجاجاً على الحكم البريطاني للهند. وأضرب الفلسطينيون المحتجزون في السجون الإسرائيلية عن الطعام للمطالبة بتحسين ظروف الاعتقال.

ففي عام 2017، أضرب أكثر من 1000 معتقل فلسطيني معاً عن الطعام. ورفض العديد من السجناء في مركز الاعتقال الأمريكي في خليج غوانتانامو تناول الطعام، ما أدى إلى جدال حول ما إذا كانت السلطات الأمريكية محقة في إطعامهم بالقوة.

ويطلق الفلسطينيون على الإضراب عن الطعام «معركة الأمعاء الخاوية».

وقال سلطان إنه قبل أن يبدأ إضرابه عن الطعام في مصر، استمد الإلهام جزئياً من ثبات بعض المضربين عن الطعام في أيرلندا.

قبل قرن من الزمان، نظم تيرينس ماكسويني، عضو البرلمان ورئيس بلدية كورك، إضراباً عن الطعام للمطالبة بالإفراج عنه بعد أن حكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة التحريض على الفتنة. وكانت أيرلندا خاضعة للسيطرة البريطانية في ذلك الوقت، وخشيت السلطات البريطانية من أن يعزز موت مكسويني قضية الأيرلنديين المطالبين بالاستقلال. إلا أنهم رفضوا إطلاق سراحه، وتوفي مكسويني بعد 74 يوماً.

يقول ديارميد فيريتر، أستاذ التاريخ في جامعة كوليدج في دبلن: «ساد شعور بالدهشة في ذلك الوقت من أن شخصاً تمكن من أن يعيش لهذه الفترة الطويلة لأنه لم تكن هناك معرفة كبيرة بالطريقة التي يتعامل بها جسم الإنسان مع الإضراب عن الطعام. 

لقد اجتذب الحادث الانتباه الدولي لأنها كانت صورة قوية للجمهورية الأيرلندية في مواجهة الإمبراطورية البريطانية. وولد فيضاً من المشاعر».

وبعد عقود، خلال فترة الاضطرابات العنيفة في أيرلندا الشمالية المعروفة باسم «المشكلات»، استمد المضربون عن الطعام الإلهام من الذين أضربوا عن الطعام في السابق مثل ماكسويني، ونجح البعض في تحقيق مطالبهم. 

إذ نظمت دولورز وماريان برايس، الشقيقتان اللتان قُبض عليهما بسبب تورطهما في تفجيرات في لندن، إضرابات عن الطعام وقاومتا إجبارهما على تناول الطعام. ونُقلتا في نهاية المطاف من السجن في لندن وأُعيدتا إلى أيرلندا الشمالية.

واستسلم آخرون للموت جوعاً. إذ اُنتخب بوبي ساندز، وهو جمهوري أيرلندي، لعضوية البرلمان في الوقت الذي كان يقود فيه مجموعة من السجناء المضربين عن الطعام. وتوفي بعد 66 يوماً.

ولفتت هذه الإضرابات الانتباه إلى القضية السياسية للجمهوريين الأيرلنديين. لكن السلطات البريطانية أثبتت أنه حتى تهديد وفاة عضو منتخب في البرلمان لم يكن كافياً لإجبارهم على الاستسلام.

إلا أن فيريتر يقول: «يرى بعض الناس على المستوى الدولي أن الأيرلنديين قدموا نوعاً من التوضيح لما يمكن تحقيقه من إضراب ناجح عن الطعام».

لكن سلطان يقول إنه يخشى أن يكون تأثير المضربين عن الطعام في مصر ضئيلاً مقارنةً ببعض الحركات الأكثر نجاحاً.

قال سلطان: «لا يمكنني أن أتخيل ما شعر به ..  300 شخص من السجناء المضربين عن الطعام و60 ألف سجين سياسي وهم ذاهبون إلى النوم عندما اكتشفوا وفاة مصطفى».

وقال إنه إذا مات شخص أمريكي في أحد السجون المصرية مع وجود مسؤولين من حكومة قوية يدافعون عنه، فهذا لا يبشر بالخير للسجناء الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى