تقارير وملفات إضافية

أحد أعضاء نادي الأثرياء يقولها بوضوح فهل من مستجيب: «الرأسمالية ظالمة وليست منتجة»

الاقتصاد العالمي بخير، هذا ما تقوله تقارير المؤسسات المالية الدولية وهي الرسالة التي يكررها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صباحَ مساء، لكن أحد أعضاء نادي الأغنياء الذين يمثلون 1% من سكان الكوكب ويملكون أغلب ثرواته له رأي مختلف؛ الرأسمالية توحشت وستؤدي لنتائج كارثية.

صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: «المستثمر الملياردير الذي يدعو لإصلاح الرأسمالية: «الأمر ليس عادلاً وليس مُنتِجاً»، تناول وجهة نظر أحد أعضاء نادي الأثرياء في منظومة الراٍمالية الحالية.

أصدر المستثمر الملياردير راي داليو للتو كتابه الأول للأطفال، والكتاب عبارةٌ عن قصة قبل النوم يأمل أن تُلهِم جيلاً جديداً من رواد الأعمال والقادة. ولكن هناك قصص أخرى تخطف النوم من عيون داليو في المساء.

إذ ارتفعت أسواق الأسهم في السنوات الأخيرة، وصارت الشركات تُعاني من أجل العثور على موظّفين، في حين لا تزال مُعدّلات التضخُّم تحت السيطرة. ورغم ذلك، «فإنّ هذه الحقبة مُشابهة للغاية لحقبةٍ الثلاثينيات. ونحن نتشاجر بشدة في أوقاتٍ يُفترض بها أن تكون أفضل الأوقات. ولكنّني قلقٌ بشأن الأوقات السيئة».

وداليو هو مؤسس شركة الاستثمار Bridgewater Associates التي تُعَدُّ واحدةً من أكبر المحافظ الوقائية في العالم، وتصل ثروته الشخصية إلى 18.7 مليار دولار، وهو واحدٌ من نسبة 0.01% من الأشخاص الذين أعربوا عن قلقهم حيال المنظومة التي ساعدتهم في جمع ثرواتهم.

وكتب في سلسلةٍ من المنشورات المُنتشرة حول المشكلات التي لاحظها في الاقتصاد المُعاصر العام الماضي: «لقد جُنّ جنون العالم، والمنظومة معطوبة».

ونمت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشدة، ولم يشهد الكثيرون نمواً حقيقياً في دخلهم منذ عقودٍ على حد تعبيره. ولم يعُد الاقتصاد يعمل في صالح أبناء القاع. إذ اشترك التعليم، والرعاية الصحية، والنظام الضريبي، ونظام السجون، والجمود السياسي في خلق حالةٍ تُمثّل «خطراً وجودياً» على الولايات المتحدة وبقية العالم. وتنطوي تلك التصريحات على اتّهامٍ قاطع للوضع الراهن، لا سيّما أنّه يأتي من شخصٍ انتفع من تلك المنظومة أكثر من غيره.

وعلى الرغم من أنّ الأرقام المالية الظاهرة للاقتصاد العالمي تبدو جيدة، لكن من الواضح أنّ فترة الكساد الكبير خلّفت سلسلةً من الاستياء الشديد في أعقابها. وتكتسح النعرة القومية العالم، في حين تدور رحى النظام السياسي. كما أشار إريك هوفر في كتابه «المؤمن الحقيقي The True Believer» حول الحركات الجماهيرية إلى أنّ الثورات الفرنسية والروسية لم تشتعل في أوضاعٍ اقتصادية واجتماعية عصيبة، بل إبان تحسُّن أوضاع المعيشة.

ويأمل داليو أن ينجح كتابه جزئياً في مساعدة الناس على المستوى الفردي ليتطرّقوا إلى المعضلات التي يُواجهونها الآن وسيُواجهونها دائماً -بغض النظر عن الرياح المُعاكسة سياسياً واقتصادياً. وبوصفه تقطيراً مُصوّراً لكتابه الأكثر مبيعاً «مبادئ النجاح Principles for Success«، يُقدّم الكتاب دروساً حياتية يقول داليو إنّها ساعدته على جمع واحدةٍ من أكبر الثروات في العالم وعيش حياةٍ ناجحة.

وفي الكتاب، يُناقش بطلٌ لم يُذكر اسمه -يرتدي حقيبة ظهر وقبعة فاريل ويليامز- سلسلةً من المشكلات وخشبةً داكنة وقمة جبل وفقدان القبعة المذكورة، إبان مطاردته ماسةً زرقاء. ولم يتضح بعد ما تُمثِّله الماسة (ربما الـ18.7 مليار دولار)، لكن الدرس المستفاد من القصة هنا يكمُن في الرحلة. ويُشارك داليو رؤاه على مدار 157 صفحة، مع منظومةٍ من خمس نقاط لتقييم نقاط ضعفنا والتغلُّب على المشكلات، إلى جانب صيغٍ حكيمة بسيطة مثل: الأحلام + الواقع + العزيمة = حياةً ناجحة، والألم + التفكُّر = التقدُّم، وهو ليس يسروعاً جوعاناً بالتأكّيد.

وقال إنّه ألّف الكتاب لأنّ أصدقاءه قالوا إنّهم يُريدون كتاباً للأطفال، ومن الصعب أن ترى أطفالاً يرتدون المنامات ويُطالبون بالمبادئ («أبي، هل هناك مزيدٌ من الإيضاح حول الفائدة المُركّبة؟»)، لكن مبادئ النجاح الأصلية باعت أكثر من مليون نسخة، وجرى تحمّيلها ثلاثة ملايين مرة. من يدري إذاً كيف يُفكّر الأطفال هذه الأيام؟

وقال داليو: «أعتقد أنّ الجميع سينتفعون من كتابة مبادئهم، وليس هذا بطريقةٍ مُجرّدة. إذ تخدم كتابة المبادئ غرض إضفاء المزيد من الوضوح على طريقة تفكيرك. وهذا أمرٌ مُمتع. إذ أعتقد أنّ تلك المبادئ تنطبق على الجميع، بغض النظر عن ظروفهم». ويأمل أن يحذو بعض أقرانه حذوه.

ورغم أمله أن تحمل مبادئه منفعةً عملية على المستوى الفردي، لكن داليو قلقٌ بشأن مستقبل المجتمع الذي يعيش في داخله أولئك الأفراد. «أعتقد أنّ منظومة الرأسمالية تحتاج إلى الإصلاح، لأنّها غير عادلةٍ قبل كل شيء. وليست مُنتِجةً بالشكل المثالي».

وقال إنّ المنظومة التي نشأ وسطها داليو مختلفةٌ تماماً عن المنظومة التي نعيشها اليوم. إذ وُلِد عام 1949 لأبٍ كان عازف جاز، وترعرع في جاكسون هايتس بحي كوينز في نيويورك. وحَظِيَ بأبوين عطوفين ألحقاه بمدرسةٍ حكومية جيدة، قبل أن يدخل «سوق عملٍ منحه فرصةً مُتساوية».

وبدأ المُضاربة في عمر الـ12، وافتتح شركة Bridgewater عام 1981. وبحلول عام 2005، تحوّلت الشركة إلى أكبر محفظةٍ وقائية في العالم تُراهن على الأحداث الاقتصادية الشاملة التي تُشكّل العالم. وساعد المستثمرين في حصد ثروةٍ كبيرة حين أحسن التنبّؤ بحالة الكساد الأخيرة، بعد أن راهن آخرون على أنّ الأمور ستسير كالمعتاد.

كتب العام الماضي: «إنّ امتلاك هذه الأشياء واستخدامها لبناء حياةٍ رائعة هو الدليل الحقيقي على أنّك تعيش الحلم الأمريكي». ويُجادل داليو الآن بأنّ الرأسمالية أخلّت بوعدها. إذ خلق السعي الدؤوب لتحقيق الأرباح على حساب البشر خللاً هيكلياً يُهدّد بإسقاط المنظومة بأكملها. وأضاف داليو: «يجب أن تتطوّر أيّ منظومة. جميعاً بحاجةٍ إلى التطوُّر. ويجب أن نُصلِح أنفسنا باستمرار».

وهو ليس الوحيد الذي يُفكّر في ذلك. إذ سيُوافقه المرشّحون الرئاسيون الديمقراطيون الرأي تماماً -ومنهم بيرني ساندرز وإليزابيث وارن- في حال لم يكونوا مُناهضين له بشدة. وتكمُن المشكلة بالنسبة لداليو في ما إذا كان الناس مُستعدين لسماع تلك الرسالة على لسان ملياردير. إذ قال ساندرز إنّ المليارديرات لا يجب أن يكون لهم وجود. في حين تبيع وارن أكواباً مختومة بجملة «دموع الملياردير«، بالتزامن مع دفعها بخططٍ لفرض ضرائب ضخمة على الأشخاص فاحشي الثراء.

ولا يتحدّث داليو عن السياسة بإسهاب، لكنّه يقول إنّه ينفر بالكامل من كافة أشكال التحامل، ويقلق حيال توجيه النقد اللاذع له ولجماعته من أشباه كرويسوس.

وقال: «حين ندخل بيئةً تسودها شيطنة الناس ورسم قوالب نمطية عن الناس. يصير الأمر وكأنّك تصف زعيماً أو مليارديراً أو شيطاناً… وهذا يُشبه تقريباً أن تقول: أنت فقير، أو يهودي، أو أسمر البشرة وهذا يعني أنّك شرير. أعتقد أنّ شيطنة فئةٍ بعينها من الناس هو أمرٌ سيئٌ للغاية».

وقال إنّ العثور على سبيلٍ للخروج من هذه الفوضى يتطلّب «المشاركة الجماعية من الناس الذين يمتلكون وجهات نظر مُختلفة، ويتمتّعون بمهارات مُختلفة من أجل التعامل» مع المشكلات.

وأردف: «يجب تأدية هذا التدريب الهندسي بمهارةٍ ليُعاد توزيع الفرص حتى تزداد الإنتاجية. وبشكلٍ عام، يُركِّز الرأسماليون على زيادة حجم الشطيرة، وليس تقسيمها جيداً. ويجب على الاشتراكيين أن يُركّزوا أكثر على تقسيمها جيداً، وليس زيادة حجمها. وأعتقد أنّنا يجب أن نعمل معاً، ويجب أن يحدث ذلك كله بطريقةٍ تنطوي على توافقٍ بين الحزبين أو طريقةٍ غير حزبية على الإطلاق، لأنّني أعتقد أنّنا نُنتج الآن غضباً وتقسيماً يُمثّلان أعظم المخاطر علينا».

وأضاف داليو أنّ هذا الاعتقاد يتشاركه العديد من أقرانه البلوتوقراطيين (أنصار حكم الأثرياء). وقال إنّ رد الفعل على انتقاده للرأسمالية من زملائه المليارديرات كان «الموافقة الكاسحة، ولكنّها لم تكُن موافقةً علنية. وسأخبركم بما يخشونه. هم لا يخشون زيادة الضرائب. وهذا أمرٌ مُثيرٌ للاهتمام، لأنّني أعتقد أنّ غالبية الناس يظنون أنّ هذا هو مصدر خوفهم الرئيسي. لكن مصدر خوفهم الرئيسي هو أنّ منظومة تفعيل الإنتاجية ستتضرّر».

والمليارديرات هم أشخاصٌ أيضاً، مثلهم في ذلك مثل الشركات. وليس داليو الوحيد الذي يظُن أنّ عليه حلّ المشكلة التي أسهمت في خلق ثروته. إذ وصل دونالد ترامب إلى مقعد الرئاسة بعد أن امتطى موجةً من الاقتصادات الشعبوية. ويرغب كلٌ من مايك بلومبيرغ (بثروةٍ تصل إلى 60 مليار دولار) وتوم شتاير (بثروةٍ تصل إلى 1.6 مليار دولار) في هزيمته خلال الانتخابات المُقبلة.

ورسالتهم هي نفس الرسالة القديمة والمُحافِظة جذرياً: يجب أن يتغيّر كل شيء، حتى يظل كل شيءٍ على حاله. ويدور السؤال الآن حول ما إذا كانت المنظومة التي أنتجت داليو، ومبادئه، وأقرانه تستطيع النجاة من العالم الذي صنعوه. وإذا لم تنجُ؛ فما الذي سيأتي لاحقاً؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى