ثقافة وادب

لعبها النبلاء وعامة الشعب.. إليك أفضل ألعاب الألواح في مصر القديمة

قبل أن تحظى ألعاب مونوبولي وريسك وحتى الشطرنج بجاحفلٍ من المُشجّعين وبطولات عالمية، كانت ألعاب الألواح في مصر القديمة شهيرة ومنتشرة لدلوحية سواء كانرجة كان يلعبها النبلاء وعامة الشعب، وإن اختلفت جودة وتصاميم الألواح بين الطبقتين.

إذ اكتشف العلماء ألواح
لألعاب مثل سينيت وميهين وموريس، كانت على ما يبدو سبيل المصريين القدماء للتسلية
والمنافسة.

وإن تدل هذه الألعاب
التاريخية المكتشفة على شيء، فهو أن البحث عن أداة للتسلية وتمضية الوقت ومنافسة
أفراد العائلة والأصدقاء رغبة عمرها آلاف السنين، وإن اتخذت في عصرنا الحديث
أشكالاً أخرى، وانتقلت من راحة المنازل إلى طاولات المقاهي ثم المنافسة العالمية
والبطولات الرقمية!

نتعرف في هذا التقرير على
أقدم أكثر ألعاب العالم القديم تنافسيةً وغرابةً وإدهاشاً، والتي اعتمدتها الحضارة
المصرية الفرعونية قبل آلاف السنين، وفق ما عددها متحفSmithsonian الأمريكي.

تُعَدُّ سينيت واحدةً من أقدم
ألعاب الألواح في التاريخ، إذ كانت اللعبة المفضلة لدى عددٍ من الشخصيات البارزة
مثل الفرعون الصغير توت عنخ آمون والملكة نفرتاري، زوجة رمسيس الثاني. 

وتُشير الأدلة الأثرية
والفنية إلى أنّها كانت تُلعَب منذ عام 3100 قبل الميلاد، حين بدأت سلطة الأسرة
المصرية الأولى في التلاشي.

وبحسب متحف المتروبوليتان
للفنون، كان أبناء الطبقة العليا في المُجتمع المصري يلعبون سينيت على ألواح اللعب
المزخرفة التي ما تزال بعض نسخها موجودةً حتى يومنا هذا. 

أما أصحاب الموارد
المُتواضعة، فكانوا يكتفون بنحت الجداول فوق الأسطح الحجرية والطاولات والأرضيات.

وكانت ألواح سينيت طويلةً
ورفيعة، وتتألّف من 30 مربعاً مقسمة على ثلاثة صفوفٍ مُتوازية يحوي كلٌ منها 10
مربعات. 

يحصل اللاعبيْن على نفس العدد
من قطع اللعب، والتي يتراوح عددها عادةً بين الخمسة والسبعة، ثم يُسارعان للوصول
بكافة قطعهما إلى نهاية اللوح. 

وبدلاً من رمي النرد لتحديد
عدد المربعات التي ستتخطّاها، يرمي المُشاركون عصي السك أو العظام. وعلى غرار
غالبية ألعاب الاستراتيجية، يمتلك اللاعبون فرصة إعاقة خصمهم عن طريق منع حركته
إلى الأمام أو إعادته إلى مُؤخرة اللوح.

وتطوّرت سينيت لتصير
“مُحاكاةً للعالم السُفلي، تُمثّل مربّعاتها الإلهيات والأحداث الكُبرى في
الحياة الآخرة، بعد أن كانت في الأصل مُجرّد تسليةٍ لا تحمل أيّ أهميةٍ
دينية”، بحسب ما كتبه عالم المصريات بيتر بيكيوني في مجلة Archaeology الأمريكية.

وكانت ألواح اللعب الأولى
تحوي مربعاتٍ فارغة بالكامل، لكن النسخ التالية كانت مربعاتها الخمسة الأخيرة
تحتوي على حروفٍ هيروغليفية ترمزٍ لظروف لعبٍ خاصة. إذ إنّ القطع التي تصل إلى
المربع رقم 27 (مياه الفوضى) مثلاً، كانت تُرسَل عائدةً إلى المربع رقم 15 -أو
تُزال من اللوح بالكامل.

واعتقد قدماء المصريين أنّ
جلسات الألعاب “الشعائرية” تُقدِّم لمحةً عن الحياة الآخرة، بحسب كتاب
“جميعها مُجرّد لعبة: تاريخ ألعاب الألواح من مونوبولي إلى مستوطني كاتان It’s All a
Game: The History of Board Games From Monopoly to Settlers of Catan” للمُؤلّف تريستان
دونوفان. 

وكان اللاعبون يُؤمنون بأنّ
سينيت تكشف العقبات التي تنتظرهم في الحياة، وتُحذِّر الأرواح المُنغمسة في
الملذات من مصيرها في النار، وتُطمئنهم بفرار المُتوفّي في نهاية المطاف من العالم
السُفلي -كما يتجلّى في إخراج القطع بنجاح من الجانب الآخر في اللوح.

إذ أوضح دونوفان: “يُمثِّل المُربّع الأخير رع-حوراختي، إله الشمس المُشرقة. مما يُشير إلى لحظة انضمام الأرواح التي تستحق إلى إله الشمس رع للأبد”.

يُكافح الباحثون عادةً من أجل
تحديد قوانين الألعاب التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.

ولكن بفضل لوح مُتواضع كُتب
عليه بالمسمارية وترجمه أمين المُتحف البريطاني إيرفينغ فينكل في الثمانينيات؛
يمتلك الخبراء الآن مجموعةً من الإرشادات المُفصّلة للعبة أور الملكية، أو
“العشرين مُربّع”.

ويعود اكتشاف اللعبة القديمة
-التي يبلُغ عُمرها 4,500 عام تقريباً- من جديد مؤخراً إلى أعمال التنقيب التي قام
بها السير ليونارد وولي في المقبرة الملكية لمدينة أور ببلاد الرافدين بين عامي
1922 و1934. 

عثر وولي على خمس ألواح، وكان
أكثرها إثارةً للإعجاب يحتوي على مربعات من الصفيح تدور حولها شرائط من اللازورد،
وتُزيّنها تصاميم زهرية وهندسية مُعقّدة.

ويتميّز لوح اللعب هذا،
الموجود الآن في المتحف البريطاني، بهيكلٍ يُشبه ألواح سينيت مع ثلاثة صفوفٍ
مُتوازية من المربعات. لكن لعبة أور الملكية تحتوي على 20 مربعاً وليس 30. 

تتألف اللعبة من أربع مربعات
في ثلاثة صفوف تتصل بمربعين في ثلاثة صفوف عن طريق “جسرٍ” من مربعين.

ومن أجل الفوز، يتسابق
اللاعبان من أجل بلوغ نهاية اللوح، عن طريق تحريك القطع وفقاً لنتائج رمي النرد
المصنوع من عظام المفاصل. 

وبالنسبة للاعبين، فإنّ
المربعات المُرصّعة بالورود الزهرية تُمثّل “مناطق محظوظة”، تحول دون
استحواذ اللاعب الآخر على القطعة أو منحه جولةً إضافية.

ورغم أنّ لعبة أور الملكية تستقي اسمها من عاصمة بلاد الرافدين حيث عُثِرَ عليها للمرة الأولى، لكن فينكل أشار إلى أنّ علماء الآثار عثروا منذ ذلك الحين على أكثر من 100 نسخة لتلك اللعبة في أنحاء العراق وإيران وسوريا والأردن ومصر وتركيا وقبرص وكريت.

في موسوعته بعنوان
“تاريخ أكسفورد لألعاب الألواح Oxford History of Board
Games”،
وصف ديفيد بارليت ميهين -التي تستمد اسمها من إلهٍ أُفعواني الشكل- بأنّها
“لعبة الأفعى المصرية”. 

وكانت اللعبة تُمارس بين عامي
3100 قبل الميلاد و2300 قبل الميلاد تقريباً، وتضمّنت المُنافسات متعدّدة اللاعبين
ما يصل إلى ستة مُشاركين، تكمُن مهمتهم في العبور بالقطع ذات شكل الأسد والأجرام
السماوية عبر المضمار الحلزوني الذي يُشبه الثعبان الملفوف.

وما تزال قواعد اللعبة غير واضحة، إذ فقدت شعبيتها مع انهيار المملكة المصرية القديمة، ونادراً ما تظهر في السجلات الأثرية.

في خريف عام 2018، كشفت أعمال
التنقيب في حصن قلعة فايبورغ الروسية عن لعبة ألواحٍ منسية منذ القرون الوسطى
محفورةً فوق سطح قرميدٍ من الطين. ويعود الاكتشاف نفسه إلى القرن الـ16 الحديث
نسبياً، لكن  اللعبة التي يُمثّلها لُعبِتَ للمرة الأولى في عام 1400 قبل
الميلاد، حين نقش العمال المصريون الذين يبنون معبد القرنة لوح موريس على لوح
تسقيف.

وتُشبه لعبة الضامة
المُعاصرة، إذ يقود المتنافسون جيوشهم المُكوّنة من تسعة “رجال”،
يُمثَّل كلٌ منهم بقطعةٍ مُختلفة في اللعبة على طول مساحة لعبٍ تُشبه
الشبكة. 

ويستطيع اللاعبون السيطرة على
إحدى قطع المنافس عن طريق تنصيب طاحونة أو طابورٍ من ثلاثة رجال. وأول شخصٍ يفشّل
في تنصيب طاحونة، أو يفقد سبعة رجال؛ يخسر المباراة. 

وسمحت النسخ البديلة من
اللعبة لكل لاعبٍ بالاعتماد على ترسانةٍ من ثلاث أو ست أو 12 قطعة.

وهناك العديد من نسخ اللعبة
التي اكتُشِفَت في اليونان والنرويج وأيرلندا وفرنسا وألمانيا وإنكلترا وغيرها من
الدول في جميع أنحاء العالم، بحسب كتاب “ألعاب العالم: كيف تصنعها وتلعبها،
ومن أين جاءت Games of the World: How to Make Them, How to Play Them, How They
Came to Be”. 

واشتهرت اللعبة بشدةٍ في
أوروبا خلال العصور الوسطى، لدرجة أنّها ذُكِرَت في مسرحية “حلم ليلة منتصف
الصيف A Midsummer Night’s Dream” لشكسبير.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى