تقارير وملفات إضافية

وزير مغربي يهدد بإغلاق سلسلة محلات تركية.. هل يحابي شركة فرنسية أم يحمي منتجات بلاده؟

“سيتم إغلاق سلسلة “بيم” التركية إذا لم تلتزم بهذه الشروط”، بهذه الكلمات عبر وزير التجارة والاستثمار المغربي مولاي حفيظ العلمي عن تطور لافت في الخلاف التجاري بين تركيا والمغرب الذي يقوده هذا الوزير تحديداً.

فمنذ شهور عديدة، ركّز وزير التجارة والاستثمار المغربي، على تعديل اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا، حتى ذهب إلى التهديد بتمزيقها، الأمر الذي أثار تساؤلات في البلاد حول دوافع هذا الموقف الحاد من الوزير تجاه أنقرة.  

الوزير المغربي، وهو رجل أعمال ثري ينتمي لحزب “التجمع الوطني للأحرار”، يترأسه عزيز أخنوش صديق الملك محمد السادس، تحدث مراراً عن الخسائر الفادحة التي تكبَّدها الاقتصاد المغربي بسبب الاتفاقية، والتي وصلت إلى 2 مليار دولار سنوياً على حد تعبيره.

وتم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين المغرب وتركيا سنة 2004، ودخلت حيز التنفيذ سنة 2006

وقال العلمي في معرض انتقاده للاتفاقية مع تركيا “اليوم نواجه عجزاً في الميزان التجاري بسبب هذه الاتفاقية، كما أن قطاع النسيج بالمغرب بات يواجه مشاكل عويصة، وذلك بعد إغراق شامل للسوق المحلي بالسلع التركية، لكل هذا يجب أن نعيد النظر في الاتفاق برمته”.

وسائل إعلامية مغربية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أبدوا استغرابهم من اهتمام الوزير بمراجعة أو إلغاء اتفاقية التبادل الحر مع تركيا دون سواها، على الرغم من تعهده بوقف العمل بجميع اتفاقيات التبادل الحر التي تُضر باقتصاد المملكة وتتسبب في تضرر قطاعات حيوية به.

وبالمقارنة مع العجز التجاري الذي تسببت به الاتفاقية لصالح تركيا والذي بلغ 1.6 مليار دولار، فإن العجز المسجل مع الولايات المتحدة الأمريكية بلغ 2.7 مليار دولار مقابل 7 مليارات يورو قيمة العجز المسجل في الميزان التجاري بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

وزير التجارة، هدد شركة “بيم” التركية بالإغلاق، (متخصصة في سوبرماركت القرب) وقال إنه “من المستحيل أن يستمر المغرب في نفس العلاقة مع محلات “بيم””، متابعاً بالقول “في حال لم تكن نسبة 50% من المنتوجات التي تباع في الشركة، منتوجات مغربية، سيتم توقيفكم”.

المدير المالي لشركة “بيم” التركية، اختار الرد عبر وكالة “رويترز”، مؤكداً أن 85% من بضائع الشركة يتم شراؤها من المغرب، مشيراً إلى أن الشركة توظف نحو 3000 شخص كلهم مغاربة.

وحاول “عربي بوست” التواصل مع المسؤولين في شركة “بيم” للتعليق، لكن لم نتلق رداً.

الخبير الاقتصادي المغربي مهدي الفقير أوضح أنه حين تحدث الوزير عن 50% من المنتوجات قصد بذلك أحجام المعاملات لا التعداد الرقمي، مشيراً إلى أن شركة “بيم” تمارس مهامها على الأراضي المغربية منذ سنين دون أدنى مشكلة.

ولفت المحلل الاقتصادي إلى ما اعتبره أمراً غريباً يتعلق بكون “بيم” لا تسجل أي أرباح وفق السجل التجاري السنوي.

موقف الوزير من اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا ثم مع الشركة التركية، أثار تساؤلات حول دوافعه هل يعبر عن توجه للحكومة المغربية أم موقف شخصي.

وسبق أن التقت “روهصار بكجان” وزيرة التجارة التركية بوزير التجارة والاستثمار المغربي وأكد مستثمرون ورجال أعمال أتراك خلال الاجتماع على أهمية الاستثمار في المغرب بالنسبة للجانب التركي في إطار محاولة معالجتهم لدواعي القلق المغربية.

المغرب وتركيا يتفقان، اليوم الأربعاء، على إعادة النظر في اتفاقية التبادل الحر ومعالجة النقاط الخلافية.. ما كاين لا تمزيق ولا تشريك.. مراجعة الاتفاقية متاحة في كل اتفاقية ثنائية.. هذا ما كان

مهدي الفقير استبعد أن يكون للخطوة خلفيات سياسية، قائلاً “الوزير المغربي أدلى بمعطيات اقتصادية محضة”. 

وقال إن العلمي أبلغ وزيرة التجارة التركية بكامل المعطيات التي تجعل المصالح  الاقتصادية للمغرب على المحك”، معتبراً “الوزير العلمي لن يتلاعب بسمعته وسمعة المملكة”، حسب تعبيره.

تحقيق صحفي أنجزته صحيفة “لوديسك” المغربية، قال إن الوزير مولاي حفيظ العلمي، وضع شركة “بيم” نصب عينيه منذ عام 2014، كاشفاً عن كون الوزير يملك أسهماً في أسواق “كارفور” الفرنسية تفوق 10%.

وتعد محلات بيم التركية من أشهر منافسي كارفور. 

وتقول الصحيفة المتخصصة في التحقيقات ويعد مؤسسها عضواً في الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، إن “Aradei Capital”  شركة تركية تستثمر في العقار وتستحوذ “كارفور لابيل في”، على 57% من أصولها إلى جانب مساهمين آخرين، من بينها مجموعة “سانام هولدينغ” المساهمة منذ 2006 في تأمينات “سهام”.

 وأوضح المصدر ذاته، أن الوزير مولاي حفيظ العلمي لا يزال إلى حدود الساعة ومنذ 2009 عضو إدارة تأمينات “سانام”، حيث خلص التحقيق الصحفي إلى أن القضية يحكمها تضارب المصالح بسبب تعدد قبعات حفيظ العلمي ما بين كونه رجل أعمال وشخصية عمومية نظراً لعلاقة الوزير الوثيقة مع كارفور.

لكن مصدراً مقرباً من وزارة التجارة والصناعة والاستثمار، فضل عدم الكشف عن هويته، قال لـ “عربي بوست”، إن المعطيات المقدمة من التحقيق الصحفي غير دقيقة، لافتاً إلى أن مولاي حفيظ العلمي استقال من جميع مهامه التنفيذية على مستوى مشاريعه وشركاته فور تسميته على رأس وزارة التجارة والصناعة والاستثمار.

وتقليدياً فإن أي وزير يستقيل من إدارة الشركات التي يملكها قبل تولي منصبه، ولكن هذا لا يعني التخلي عن ملكيتها.

وانتقد مصطفى إبراهيمي، رئيس فريق حزب العدالة والتنمية بالبرلمان المغربي، ما أسماها “مزاجية وزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي إزاء ملف تعديل اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا”.

وقال إبراهيمي لـ “عربي بوست”، إن “تركيز الوزير المغربي على تعديل الاتفاقية مع تركيا دون غيرها وتهديده بتمزيقها، يدعو للارتياب، علما أن العجز مع الصين والولايات المتحدة أكبر بكثير مما تم تسجيله مع تركيا” وفق كلامه.

وبخصوص تهديد وزير التجارة المغربي بإغلاق محلات “بيم” التركية التي اتهمها بالوقوف وراء إفلاس أصحاب بِقالة مغاربة، تساءل الدكتور إبراهيمي، عن الأسباب الحقيقية وراء تغاضي الوزير عن باقي الشركات الأخرى على رأسها “كارفور لابيل في” الفرنسية.

“جميعها شركات أجنبية، وإن كان الوزير يريد الدفاع عن التاجر المغربي فإزاء المنافسة التجارية زهاء جميع الشركات بدون استثناء ولا انتقائية، محذراً من أن تلجأ محلات “بيم” لمقاضاة المغرب استناداً للقوانين الدولية عبر المنظمة العالمية للتجارة ما سيضع المملكة في موقف حرج” بحسب كلامه.

النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية المغربي، طالب الوزير مولاي حفيظ العلمي “بتأهيل التجار المغاربة وتوفير الحماية الاجتماعية لهم ورفع التنافسية ومدهم بتحفيزات ضريبية مشجعة، في حال كانت رغبته الحقيقية حمايتهم”.

وأكد أن الهدف الأول للحزب الحاكم بالمغرب ظل ولا يزال مصلحة واقتصاد البلاد والدفاع عن التاجر المغربي، بطريقة موضوعية وفق احترام تام للقانون.

ويبلغ عدد أعضاء كتلة حزب العدالة والتنمية بالبرلمان (الغرفة الأولى) 126 نائباً برلمانياً يشكلون الأغلبية.

المحلل السياسي محمد زين الدين، استبعد أن يكون للأمر طابع شخصي، موضحاً أن الاقتصاد المغربي يعيش على وطأة ضرر كبير في علاقته بتركيا، وهي الأمور المثبتة بالأرقام من بينها العجز التجاري وتضرر أصحاب البقالة المغاربة ممن يضطرون للإقفال بسبب هذه المنافسة.

وقال لـ “عربي بوست” إن موقف الوزير مولاي حفيظ العلمي مبدئي ويأتي دفاعاً عن مجال اختصاصه ومصالح بلاده، لافتاً إلى أن الوزير أعرب عن نفس الموقف باتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية حيث طالب بإعادة النظر فيها كذلك.

زين الدين أبدى استغرابه من غياب التضامن الحكومي مع الوزير الذي يتعرض لحملة هجوم، معتبراً أن المصالح الاقتصادية للبلاد تستدعي ترك الخلافات السياسية والإيديولجية جانباً وتكوين جبهة داخلية مُصطفَّة بكيفية متضامنة.

ويتحدث البعض عن دوافع سياسية تقف وراء مواقف الوزير من أنقرة وليست اقتصادية فقط.

فقد سبق أن قال المحلل الاقتصادي، عبدالنبي أبو العرب، لـ “عربي بوست“: يصعب على المغرب الانخراط مع تركيا بسبب مواقفها القوية، في حين يميل المغرب إلى تفادي الصدام والمحافظة على مسافة واحدة مع جميع الفرقاء والتعاون مع مختلف الأطراف”.

ولذا يبدو أن رسالة المغرب من إثارة مسألة الاتفاقية قد تكون موجهة لأطراف أخرى خاصة دول الخليج، التي تنظر بغضب للتقارب المغربي التركي وتشابه مواقفهما في بعض القضايا مثل الأزمة القطرية وليبيا.

ولكن البعض ألمح إلى أن هناك مصالح شخصية قد تكون وراء مواقف الوزير المغربي.

ليست هي المرة الأولى التي يقع فيها وزير التجارة والاستثمار المغربي في موقف حرج بسبب كونه رجل سلطة ومال وأعمال.

قبل سنتين فقط، عمد الوزير مولاي حفيظ العلمي إلى بيع شركة التأمين المعروفة “سَهام” التي يملكها لشركة جنوب إفريقية مقابل أكثر من مليار دولار دون أن تستفيد خزينة الدولة المغربية منها.

الصفقة التي وقعت بين شركة  “سَهام” وشركة “سانلام” الجنوب إفريقية تستحوذ بموجبها على الشركة المغربية مقابل مليار و50 مليون دولار، أثارت جدلاً كبيراً بالمغرب بعدما تبين أن مولاي حفيظ العلمي لم يدفع أي ضرائب عن صفقة البيع، حسب تقرير لمجلة “أفريك كونفيدونسيال“، الصادرة عن معهد الدراسات الاستقصائية والدراسات الاستراتيجية بواشنطن العاصمة.

واعتبرت المجلة أن المغرب قد يكون داعماً للصفقة لأسباب سياسية ومن أجل تليين موقف جنوب إفريقيا من قضية الصحراء المغربية.

المجلة المتخصصة في شؤون المال والأعمال بإفريقيا، كشفت أن اختيار مولاي حفيظ العلمي بيع شركته لشريكه الجنوب إفريقي، مقابل هذا المبلغ الضخم لم يأت بشكل اعتباطي، حيث إن مالك الشركة الجنوب إفريقية صاحبة الصفقة ليس سوى “باتريس موتسيبي” صهر رئيس جنوب إفريقيا الجديد.

في اليوم التالي لعملية البيع التاريخية، أعلن مديرو “سَهام” و”سانلام”، أنه سيتم استخدام كامل المبلغ المحصل لإنشاء صندوق استثمار إفريقي. عملية أخرى تتناسب تماماً مع التوجهات الاستراتيجية المهمة للمغرب والتي تشجع التعاون جنوب ـ جنوب.

ولكنه موقف يظهر نفوذ هذا الوزير وقوته السياسية أيضاً.

ويبدو أنه من الصعب تحديد دوافع الوزير من هذا الموقف الحاد من التجارة مع تركيا بينما يتجاهل العجز مع الدول الأخرى، فقد يكون تعبيراً عن إنزعاج حقيقي من دوائر المال والسياسة المغربية من تنافسية المنتجات التركية وتأثيرها على المنتجات المحلية، أو محاولة لتقليل غضب الإمارات والسعودية من العلاقات المغربية التركية الوثيقة، أم هو موقف مرتبط بمصالح الوزير وأيدولوجيته الشخصية، وقد تكون دوافعه مزيداً من هذا وذاك.

ولكن يظل الأمر حتى الآن في إطار التصريحات والتلويحات وهو أمر معتاد في العلاقات التجارية والسياسية حيث رفع سقوف المواقف قبل التفاوض.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى