آخر الأخبار

منظمة الصحة العالمية: الصين تتعمد إخفاء المعلومات حول إصابة الطواقم الطبية بـ”كورونا”

ضغطت منظمة الصحة العالمية على الصين للحصول على معلومات حول عدوى فيروس كورونا بين العاملين في مجال الرعاية الصحية، لكن بكين لم تقدمها، تاركةً فجوة في البيانات يمكن أن تضر بالاستجابة العالمية للمرض.

إذ تعد المعلومات الآنية حول صحة العاملين في الرعاية الصحية ضرورية لفهم أنماط انتقال الفيروس وتطوير الاستراتيجيات الهادفة لاحتواء تفشِّي المرض، لكن الصين لم تكشف عن انتقال العدوى إلى 1700 من العاملين في الخطوط الأمامية من الرعاية الصحية إلا بحلول 14 فبراير/شباط، أي بعد مرور أكثر من شهر من بداية الأزمة.

ورداً على أسئلة صحيفة The Washington Post الأمريكية، قالت منظمة الصحة العالمية إنها طلبت من المسؤولين الصينيين مراراً تقديم بيانات “مفصلة”، بمعنى أرقام محددة منفصلة عن أعداد الإصابة الإجمالية، والتي يمكن أن تلقي الضوء على انتقال العدوى داخل المستشفى وتساعد في تقييم مستوى الخطر الذي يواجه العاملين في خط المواجهة الأول، وقال طارق جاسارافيتش، المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية ومقرها جنيف: “تلقينا معلومات مفصَّلة على فترات، لكن لم نتلقَّ تفاصيل حول العاملين في مجال الرعاية الصحية”.

كان هذا التعليق، الذي وصل إلى الصحيفة عبر البريد الإلكتروني يوم السبت 22 فبراير/شباط، من أول المرات التي تتحدث فيها وكالة الصحة التابعة للأمم المتحدة مباشرة عن أوجه القصور في إبلاغ الصين عن أزمة فيروس كورونا أو التعامل معها، ما يجدد الخوف من أن بكين إما تعجز أو ترفض مشاركة جميع المعلومات التي يحتاج إليها علماء وخبراء الصحة العامة لفهم الفيروس، فيما ينتشر في أماكن مثل كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران.

بحسب عالمة الأوبئة والباحثة الأقدم لدى مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي، جينيفر نوزو، فتفاصيل إصابات العاملين في الخطوط الأولى من مقدمي الرعاية الصحية “ضرورية لتطوير خطط الاستعداد في جميع الدول في أرجاء العالم”، وقالت إنه “من المهم أيضاً تقديم هذه المعلومات لمنظمة الصحة العالمية من منطلق المصداقية”.

لا يقتصر الأمر على مصداقية الصين فقط، بل إن مصداقية منظمة الصحة العالمية أيضاً على المحك. فبعد محاولات الصين التستر على وباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (السارس) في عام 2002، حُدِّثت القواعد الحاكمة لتفشي الأمراض على المستوى الدولي بحيث تراعي إمكانية المساءلة لأي جهات تتكتم على معلومات حول الأمراض المعدية.

لكن في الأسابيع الأخيرة، مع تزايد الأدلة بشأن إسكات الصين للمبلغين عن المخالفات وحالات الإبلاغ عن أعداد إصابات أقل من الواقع، استمرت منظمة الصحة العالمية في الإشادة ببكين، ورغم أن الحصول على المعلومات من الدول الأعضاء في المنظمة في أوقات الأزمات دائماً يتطلب بعض التملق، فإن خبراء الصحة العامة قلقون من أن نبرة الإشادة قد تمادت كثيراً.

إذ قال لورانس جوستين، أستاذ قانون الصحة العالمي بجامعة جورج تاون الذي يقدم أيضاً مساعدة تقنية لمنظمة الصحة العالمية، إنه ينبغي أن تنتهج كل من الصين ومنظمة الصحة العالمية الشفافية “مع المجتمع الأكبر؛ فهذه هي بديهيات التواصل الصحي”، وتابع: “أخبرونا بكل شيء تعرفونه، وأخبرونا بما لا تعرفونه، وأخبرونا بما تفعلون لمعرفة ما لا تعرفونه”.

فيما لا يتضح ما إذا كانت الحساسيات السياسية قد شكَّلت طريقة إبلاغ الصين عن المرضى من الأطباء ومن غيرهم من المتخصصين في الرعاية الصحية. وبحسب الخبراء فمن الممكن أن تكون فجوات البيانات ببساطة انعكاساً للتحدي المتمثل في جمع المعلومات وسط الأزمة.

في النهاية، فإن كل ما يتضح هو أن الصين لا ترسل تفاصيل يحتاجها مسؤولو منظمة الصحة العالمية وغيرهم من الخبراء ويتوقعونها. فتقول مارا ببيلنغر، المدرسة المساعدة المتخصصة في السياسات الصحية العالمية والحوكمة بمعهد أونيل للقانون الوطني والعالمي بجامعة جورج تاون: “لقد تعلمت الصين درساً واحداً على الأقل من سارس، وهم يتعاونون مع منظمة الصحة العالمية بالدرجة التي تكفي فحسب لتجنب اتهامهم بأنهم غير متعاونين”. وتابعت: “يجعل هذا التعاون الجزئي من الصعب سياسياً على منظمة الصحة العالمية أن تُكذَّب علناً الحكومة الصينية أو تتخطاها؛ لأن المنظمة تحتاج لفعل كل شيء في مقدورها لتشجيع الصين على التعاون بدرجة أقوى”.

لم يكن من المفترض أن يحدث هذا الانهيار في الثقة بين منظمة الصحة العالمية والصين مرة أخرى بعد عام 2003. إذ تتطلب إصلاحات ما بعد وباء “سارس” من الدول الإبلاغ بسرعة عن الأمراض المعدية الناشئة، ومنح منظمة الصحة العالمية سلطة أوسع للتحقيق في التهديدات.

بالفعل، تشير الاستجابة لفيروس كورونا إلى أن بعضاً من هذه الإجراءات كانت ناجحة والبعض الآخر لم يكن كذلك. وقد أشادت منظمة الصحة العالمية بالصين لإبلاغها السريع عن التهديد الناشئ في مدينة ووهان، على سبيل المثال، لكن هناك أدلة على أن بعض المسؤولين، وخاصةً على المستوى المحلي، عملوا على إخفاء ما كان يحدث، وأن الأطباء كانوا مراقبين.

ففي أواخر ديسمبر/كانون الأول، أخبر لي وينليانغ، طبيب عيون بمستشفى ووهان المركزي، مجموعة من زملائه الأطباء في محادثة خاصة بأن سبعة أشخاص أُصيبوا بفيروس شبيه بسارس. وبعد تداول الرسائل على الإنترنت، اعتُقل لي وأُطلقت حملة دعائية ضد الشائعات المتداولة. وبمجرد إطلاق سراحه، عاد إلى المستشفى حيث أُصيب بالفيروس، وتوفي في 7 فبراير/شباط.

وقد جعلت وفاة “لي” منه رمزاً لفشل بيكين، وأثارت تعبيراً استثنائياً عن الدعم، واستجابة سريعة من الرقابة الصينية. ومنذ ذلك الحين، حاولت الصحافة، التي يسيطر عليها الحزب الحاكم تبني رواية الاستجابة السريعة، وإبراز العمل الشجاع للعاملين في الخطوط الأولى من الرعاية الصحية دون مناقشة الرقابة أو تقديم الكثير من التفاصيل حول انتقال العدوى في المستشفى.

في الوقت الحالي، يبدو أن منظمة الصحة العالمية تضاعف دعمها العلني للصين وقادتها. فيوم الثلاثاء 25 فبراير/شباط، صرح بروس أيلوارد، وهو مسؤول في منظمة الصحة العالمية خلال اختتامه لبعثة تحقيق مشتركة في الصين بين المنظمة وبكين، للصحفيين في العاصمة الصينية، بأن الدول الأخرى يمكن أن تتعلم من “النهج الصارم” الذي تنتهجه الصين.

ثم خلال مؤتمر صحفي مطوَّل لمنظمة الصحة العالمية في اليوم التالي، وصف إيلوارد استجابة الصين بأنها “مثيرة للإعجاب” و “مذهلة” و “استثنائية” و “لافتة للنظر” و “منضبطة” و “ناجحة”. وقال: “يعرفون ما يفعلونه، وهم يجيدونه للغاية”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى