تقارير وملفات إضافية

الصينيون وصفقة بقيمة 7 مليارات دولار.. القصة الكاملة لانهيار حكومة مهاتير محمد وخطته للعودة للسلطة رغم أنف ملك ماليزيا

بعد انهيار حكومة مهاتير محمد، أدى وزير الداخلية السابق اليمينَ الدستورية ليصبح رئيس وزراء ماليزيا الجديد، وسط تساؤلات بشأن شرعية توليه للمنصب، وتنديدٍ من قبل مهاتير، وقلقٍ بين الأقليات الإثنية في البلاد.

إذ يرجح أن تعيين محيي الدين ياسين، الذي وصف نفسه ذات مرة بأنه “من الملايويين أولاً” وتدعمه أحزاب تهيمن عليها أغلبية الملايو المسلمة في البلاد، سيسبب حالة من القلق بين مجتمعات الأقليات خاصة الصينيين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

ويحظى رئيس الوزراء الجديد محيي الدين ياسين الذي عين يوم الأحد 1 مارس/آذار 2020 بدعمٍ من الأحزاب التي خسرت في انتخابات عام 2018، وهو ما أعاد ماليزيا إلى أجندةٍ تنحاز إلى الأغلبية الملايوية، كما يخشى أن تؤدي إلى عودة حكومة لها ارتباط بعمليات الفساد الضخمة التي وقعت في العهد السابق.

وجاء تعيين محيي الدين رئيساً للوزراء بعد أسبوع من التوترات السياسية التي شهدتها البلاد وانعكست التحالفات وهرعت المعسكرات المتنافسة للتوصل إلى اتفاقات جديدة في الغرف الخلفية. 

وأصدر الملك قرار تعيين محيي الدين في أعقاب إعلان القصر في وقت سابق أنه سيجتمع على حدة مع جميع النواب، البالغ عددهم 222 نائباً، لإيجاد مخرج من الأزمة.

انهارت حكومة مهاتير محمد إثر استقالته في أعقاب تحركات بعض أفراد حزبه للخروج من التحالف الحاكم وتشكيل حكومة جديدة. 

كان التحالف منذ فترة طويلة محاطاً بالتوترات، وقد انطوى على شراكة لا يحتمل دوامها بين مهاتير وأنور. 

كان أنور قد حوكم وسُجن بتهمة الشذوذ في عهد مهاتير، لكنهما اتحدا قبل انتخابات 2018 للإطاحة بحكومة نجيب عبدالرزاق، التي كانت غارقة حتى أذنها في فضيحة نهب أموال الصندوق السيادي “1 إم دي بي”، والتي غالباً ما يشار إليها على أنها أكبر عملية احتيال مالي في العالم.

كان من المقرر أن يتولى أنور منصب رئيس الوزراء خلفاً لمهاتير، لكن الأخير رفض تحديد موعد للقيام بذلك، وأخذ أنصاره يسعون إلى عرقلة عملية تسليم السلطة.

يعتمد محيي الدين على دعم من “أومنو”، وهو حزب غارق في فضائح الفساد، إضافة إلى حزب إسلامي أصولي يدعم قوانين إسلامية صارمة. ويأتي تعيينه في أعقاب استياء متزايد بين كثيرين من أغلبية الملايو الذين اتهموا التحالف الحاكم السابق بالتنازل أمام المصالح الصينية.

ونحو 60% من سكان ماليزيا هم من المسلمين الملايو، في حين أن البلاد لديها أيضاً مجتمعات عرقية كبيرة أخرى هندية وصينية. 

خلال العقود السابقة التي أمضاها في السلطة، كان مهاتير محمد قد أعطى الأولوية لمصالح الملايو، لكن التحالف الذي شكله مع منافسه الأكثر ليبرالية أنور إبراهيم في عام 2018 كان غير مسبوق في تنوعه. ومن المتوقع أن تعود حكومة محيي الدين لاختيار ملايويين لتولي المناصب الرئيسية، وأن تكون أكثر محافظة من الناحية الدينية.

كان الائتلاف الحاكم الذي يقوده مهاتير محمد بعد عودته للسلطة قد عاني سلسلةً من الخسائر في الانتخابات، وهو ما أعاق زخمه بعد فوزه التاريخي في الانتخابات التي أجريت في عام 2018. وأراد مهاتير اتخاذ إجراءاتٍ أسرع لخفض تكاليف المعيشة، وهذا جزءٌ رئيسي من أجندة “ماليزيا الجديدة”، التي شجَّعت الفوز المفاجئ الذي حقَّقه ائتلافه. لكنَّ مقترحاته لم تُسبِّب سوى مزيدٍ من المشاحنات داخل الائتلاف غير العملي المكوَّن من أربعة أحزاب ذات اختلافات عرقية ودينية.

وكان أحد هذه النزاعات يتمحور حول رسوم المرور عبر الطرق السريعة. ففي يناير/كانون الثاني الماضي، وافق مهاتير على السماح لمجموعة Maju Group بالاستحواذ على شركة PLUS Malaysia Bhd المتخصصة في تشغيل الطرق السريعة، والخاضعة لسيطرة وزارة المالية، وفقاً لأشخاص مطلعين على المسألة طلبوا عدم الكشف عن هويتهم. وبموجب الصفقة، التي تُقدر قيمتها بنحو 30 مليار رينغيت (7 مليارات دولار)، كان من المفترض أن تلغي مجموعة Maju Group رسوم المرور مقابل إبرام عقود حكومية لتولي مسؤولية الطرق، على حد قول هؤلاء الأشخاص.

لكنَّ شركاءه في الائتلاف عارضوا ذلك، وكان حزب العمل الديمقراطي، الذي يعد أكبر هؤلاء الشركاء، يعارض هذه الصفقة بشدة، بحسب ما ذكره شخصٌ مطلع على المناقشات. وفي النهاية، رفضت الحكومة جميع عروض الاستحواذ على شركة PLUS Malaysia Bhd وأعادت هيكلة بعض التنازلات لتخفيض رسوم استخدام الطرق السريعة بدلاً من إلغائها. 

وسلَّطت الصفقة الفاشلة الضوء على سلسلةٍ من الخلافات السياسية التي أسقطت الائتلاف في نهاية المطاف.

ولكن النزاع الداخلي الأبرز الذي أدى إلى الإطاحة بحكومة مهاتير ويختمر طوال شهور، هو رغبته في إعادة تشكيل مجلس الوزراء، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على الأقل.

لكنَّ الطبيعة المتباينة للائتلاف -المكون من أحزاب ذات آراء متناقضة، بما في ذلك حزب العمل الديمقراطي المتعدد الأعراق الذي تنتمي معظم قياداته إلى أصولٍ عرقية صينية وحزبه الملايوي القومي- جعلته عالقاً بين خياري التعامل مع هذه المسألة بحذرٍ شديد أو المُجازفة بتفكيك الائتلاف. 

وظلت مشكلة أنور محمد واحدة من أكبر المعضلات التي تواجه رجل ماليزيا القوي.

كان مهاتير قد أجَّل الموعد الذي يعتزم فيه التنحي عن منصبه لغريمه السابق وحليفه الحالي أنور إبراهيم، بعدما أسهم تحالفهما في الإطاحة بحكم نجيب رزاق.

في المقابل أعلن أنور أنَّه يتوقع أن يصبح رئيساً للوزراء، في شهر مايو/أيار، مراراً وتكراراً.

غير أنَّ مهاتير أعلن أنه المسؤول الوحيد عن قرار تنحيه من عدمه. وقد تقبَّل أنور ذلك، قائلاً إنَّه سيحتاج إلى التحلِّي بالصبر.

ورأى العديد من منافسي أنور على الخلافة فرصةً للانقضاض عليها، إذا بدأ عزمين علي، الذي كان نائب رئيس حزب أنور، إجراء محادثات مع أعضاء المعارضة في الائتلاف الحاكم السابق الذي كان مرتكزاً على حزب المنظمة الماليزية المتحدة الوطنية، أو “أمنو”. 

وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذا الحزب يضم نجيب رزاق، الذي يواجه تهماً ينفيها بشأن فضيحة غسيل أموال تتضمَّن مليارات الدولارات التي يُزعم أنها اختُلِسَت من شركة 1MDB الاستثمارية الحكومية. 

ودعا عزمين مُشرِّعين من جميع أنحاء البلاد في نهاية الأسبوع الماضي، قائلاً إنه يتصرف نيابة عن مهاتير، إلى السفر إلى كوالالمبور سعياً لتشكيل ائتلافٍ جديد يستبعد أنور، وفقاً لأشخاص حضروا الاجتماع. 

وقال هؤلاء الأشخاص لوكالة بلومبيرغ إنَّ الاجتماع الذي عُقِد في 23 فبراير/شباط، والذي حضره قادة من مختلف أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة، كان يتوقع إعلان حكومة جديدة سريعاً. وكذلك التقى بعض القادة بالملك الماليزي في اليوم نفسه.

لكنَّ مهاتير نفسه لم يحضر الاجتماع، بينما قال مستشاره الإعلامي في وقتٍ لاحق إنَّه لا يوافق على قرار عزمين بالعمل مع حزب أمنو. وبدلاً من ذلك، ذهب إلى الملك في 24 فبراير/شباط وقدم استقالته، وهي خطوة أطاحت بمجلس الوزراء تلقائياً. ثم عُيِّن مهاتير فوراً في منصب رئيس الوزراء المؤقت، وهو ما جعله مُشرفاً على تشكيل ائتلافٍ جديد.

وأوضح مهاتير في تصريحاتٍ علنية أنَّه يريد حكومة وحدة غير حزبية، وهو ما سيُعزِّز فرص تشكيل حكومةٍ تُنصت إليه. وقال إنه على استعداد للعمل مع أي من المشرعين الأفراد في حزب أمنو، ولكن ليس مع الحزب ككل، لأنَّه ما زال مرتبطاً بنجيب وادعاءات الفساد.

غير أنَّ تكتيكات مهاتير أتت بنتيجة عكسية في نهاية المطاف. فبينما كان الكثيرون يؤيدون عودته إلى منصبه في البداية، سرعان ما بدأوا يقترحون أسماء بديلة لشغل منصب رئيس الوزراء، بما في ذلك أنور ومحيي الدين، الذي كان رئيس حزب بيرساتو، لينتهي الأمر بتولي وزير الداخلية السابق المنصب الذي كان ينتمي للحزب الذي أطاح به مهاتير محمد من السلطة.

كان محيي الدين، البالغ من العمر 72 عاماً، عضواً في أومنو لعدة عقود، وكان نائباً لرئيس الوزراء في حكومة نجيب عبدالرزاق. وأقاله نجيب بعد أن شكك في تعامل رئيس الوزراء آنذاك مع المزاعم المحيطة بفضيحة صندوق “1 إم دي بي”. 

ومع اعتماد محيي الدين الآن على دعم النظام السابق، هناك تساؤلات تتعلق بما إذا كان المتورطون في الفساد سيُحاسبون أم لا.

وبالنسبة لماليزيا، فهذه الفوضى السياسية تأتي في وقت سيئ، إذ يمر معدل نمو الاقتصاد بأبطأ وتيرة له منذ عشر سنواتٍ بالفعل، ويواجه مزيداً من التباطؤ المحتمل نظراً إلى أنَّ تفشي فيروس كورونا في مختلف أنحاء العالم يُسبِّب تعطُّل السفر والأعمال. 

وبعد كل هذه الفوضى، يجد مهاتير نفسه مرةً أخرة في نفس الجبهة مع أنور وحزب العمل الديمقراطي، ولكن في صفوف المعارضة وليس إدارة الحكومة. 

وفي الوقت نفسه، يبدو ائتلاف محيي الدين الجديد متبايناً كذلك، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول اتجاه سياسته إذا تمكَّن من النجاة من تصويت مهاتير على سحب الثقة وتجنُّب إجراء انتخاباتٍ مبكرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ مؤشر البورصة الماليزية يعد أحد أسوأ المؤشرات أداءً في العالم منذ انتخابات 2018، فيما وصلت قيمة الرينغيت في الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ عامين، حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية. 

غير أنَّ مهاتير، البالغ من العمر 94 عاماً، لم يستسلم.

ووصف مهاتير، الذي كان ذات يومٍ أكبر زعماء العالم سناً، تعيينَ محيي الدين بأنه غير قانوني، وقال إن القصر رفض الاستماع إليه، وإننا “سنرى في مقبل الأيام رجلاً ليس لديه دعم الأغلبية يصبح رئيساً للوزراء”، داعياً إلى جلسة عاجلة للبرلمان.

إذ أعاد إحياء التحالف مع أنور وحزب العمل الديمقراطي، وقال يوم الأحد 1 مارس/آذار، إنَّه لديه النسبة الكافية من الأصوات لإسقاط محيي الدين في تصويت على منح الثقة خلال الاجتماع المقبل للبرلمان، المقرر إجراؤه في 9 مارس/آذار الجاري. 

ولكن حتى إذا تمكَّن مهاتير من استعادة السلطة سريعاً فما زالت تلك الخلافات السياسية في ائتلافه موجودة، وهو ما يُنبئ بمزيدٍ من الاضطرابات المُقبلة في كلتا الحالتين. 

وتقول بريدجيت ويلش، وهي زميل باحث فخري في معهد آسيا للبحوث التابع لجامعة نوتنغهام ماليزيا، تعليقاً على ذلك: “فيما يتعلق بمهاتير، فإن الأمر لم ينته. مهاتير كسياسي لم يترك السياسة قط، حتى عندما تقاعد”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى