تقارير وملفات إضافية

“لم يتعلم أي دروس ولم ينضج”.. نيويورك تايمز: الأمير محمد يُعيد استعراض قوته باعتقال الأمراء وافتعال أزمة النفط

أمر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باحتجاز أربعة على الأقل من كبار أفراد العائلة المالكة. وفي اليوم التالي، أقحم المملكة العربية السعودية في حرب أسعار مع روسيا أدت إلى انهيار أسواق الطاقة والأوراق المالية في جميع أنحاء العالم.

تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن ولي العهد بعدما بدا أنَّه يحاول أن يجعل الناس ينسون سمعته المعروفة بالتصرفات العدوانية الخطرة، وظلَّ يتجنَّب الظهور على الملأ ولفت الأنظار منذ أكثر من عام -ربما بسبب تأثُّره بردة الفعل الحادة التي واجهها بسبب علاقته بقتل الصحفي جمال خاشقجي- يُعيد استعراضه الحالي للقوة إحياء التساؤلات في الدول الغربية حول ما إذا كان متهوراً جداً لدرجة عدم إمكانية الوثوق به ليكون شريكاً لها. 

إذ أسفر قراره المفاجئ بخفض أسعار النفط خفضاً حاداً عن هزةٍ قوية في الاقتصاد العالمي الذي يواجه خطر الدخول في حالة ركود بالفعل، وعرَّض المملكة لخطر استهلاك احتياطياتها النقدية بسرعةٍ كبيرة، وقوَّض وعوده الهائلة بضخِّ استثماراتٍ جديدة لتقليل اعتماد المملكة على النفط.

في هذا الصدد، يقول غريج برو الباحث المتخصص في شؤون المنطقة والباحث في جامعة Southern Methodist، لنيويورك تايمز: “هذا تدمير حتمي متبادل لأي اقتصاد مُصدِّر للنفط، بما في ذلك اقتصاد المملكة العربية السعودية وروسيا، وربما الولايات المتحدة أيضاً. لكنَّ هذه هي تصرُّفات محمد بن سلمان المعتادة، أليس كذلك؟! إنَّه متهور، وميَّالٌ إلى اتخاذ قرارات اندفاعية”. 

وهذا ولم يعترف المسؤولون السعوديون بصحة أخبار احتجاز بعض كبار أفراد العائلة المالكة، التي بدأت تتسرب يوم الجمعة الماضي 6 مارس/آذار، ولم يُقدِّموا أي توضيحات بشأنها.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ اثنين من الأمراء المحتجزين -وهما الأمير أحمد بن عبدالعزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان المُسِن والد محمد بن سلمان، والأمير محمد بن نايف، ولي العهد ووزير الداخلية السابق- كانا يُعتبران في السابق منافسين محتملين لبن سلمان على السلطة. وقد أثار اعتقالهما تكهناتٍ قلقة بين أفراد العائلة المالكة المرعوبين بأنَّ محمد بن سلمان ربما يُنحِّي خصومه استعداداً لأخذ العرش من والده، الذي يبلغ من العمر 84 عاماً، والذي تبدو عليه علامات النسيان والخَرَف في بعض الأحيان، كما تقول الصحيفة الأمريكية.

ومع ذلك، يُصِرُّ بعض المقربين من الديوان الملكي على أنَّ محمد بن سلمان لم يعاقب عمه وأبناء عمه إلَّا بسبب حديثهم الانتقادي عنه. أي أنَّه أراد تلقين بقية أفراد العائلة درساً.

يقول ستيفن هيرتوغ الباحث في كلية لندن للاقتصاد لنيويورك تايمز: “كانت الأمور هادئة فترةً من الوقت، وكان البعض يتساءل عمَّا إذا كان محمد بن سلمان قد أصبح ناضجاً. ولكن من الواضح أنَّ شخصيته لن تتغيَّر”. 

تجدر الإشارة إلى أنَّ محمد بن سلمان خفض أسعار النفط لمعاقبة روسيا، التي ألقى باللوم عليها في فشل التعاون في خفض الإنتاج ودعم الأسعار. فيما كان معدل الطلب على النفط منخفضاً بالفعل بسبب التباطؤ الناجم عن تفشِّي فيروس كورونا.

وقال هيرتوغ: “الروس تحدُّوا السعوديون ليروا مدى قدرتهم على تنفيذ تهديداتهم، والآن يحاول السعوديون أن يُبيِّنوا للروس تكلفة عدم التعاون”. ولكن بالنسبة للمملكة العربية السعودية، “فهذا بمثابة صراع ديوك محفوف بالمخاطر”، على حد قوله. 

فالخسائر التي قد تتكبَّدها المملكة العربية السعودية أكثر من الخسائر الروسية المحتملة. 

إذ تمتلك روسيا مصادر دخل أكثر تنوعاً، وعزَّزت احتياطياتها منذ الانخفاض الأخير في أسعار النفط. أمَّا السعودية، فما زالت تعتمد اعتماداً كبيراً على النفط. والأهم من ذلك، أن احتياطياتها النقدية ثابتة منذ حوالي أربع سنوات عند حوالي 500 مليار دولار، بعدما انخفضت عن أعلى مستوياتها التي بلغت حوالي 740 مليار دولار في صيف عام 2014.

ويقول بعض المحللين إنَّ المملكة تحتاج إلى سعر تعادل يبلغ حوالي 80 دولاراً للبرميل من أجل الوفاء بمتطلبات ميزانيتها دون السحب من هذه الاحتياطيات أو اعتماد تدابير تقشفية مؤلمة. لكنَّ سعر النفط انخفض الإثنين 9 مارس/آذار، إلى حوالي 35 دولاراً للبرميل، أي أقل من نصف سعر التعادل.

وقال هيرتوغ إنَّ استمرار انخفاض الأسعار عامين من شأنه أن يؤدي إلى خفض هذه الاحتياطيات بدرجةٍ هائلة تكفي لتشكيل ضغطٍ على سعر صرف الريال السعودي، وكذلك خطط تنويع الاقتصاد.

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ خطة محمد بن سلمان الاقتصادية للبلاد تتركَّز على طرحٍ عام لأسهم شركة أرامكو الحكومية السعودية للنفط من أجل جمع الأموال للاستثمار في قطاعاتٍ أخرى. لكنَّ خطط البدء بطرح الأسهم في سوقٍ دولية كبرى تأجَّلت لحساب طرحها في البورصة السعودية الأكثر تساهلاً، وعلى مرِّ اليومين الماضيين، أدى انخفاض أسعار النفط إلى انخفاض الأسهم بنسبة 20%، مما أسفر عن انهيار قيمة الشركة بحوالي 320 مليار دولار.

وأثار توقيت شنِّ حرب الأسعار بعد وقتٍ قصير من حملة اعتقالات أقرباء بن سلمان في العائلة المالكة يوم الجمعة الماضي تكهُّناتٍ بأنَّه سعى إلى احتواء المعارضين المحتملين تحسُّباً لأي مشكلات. وربما كان يريد اتخاذ إجراء استباقي ضد أي عدوٍ محتمل قبل أن تجعله الأضرار الاقتصادية الناجمة عن انخفاض الأسعار مُعرَّضاً لمخاطر سياسية، كما أشار البعض.

إذ قالت كريستين سميث ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج في واشنطن، إنَّ “التهديد الذي يواجه محمد بن سلمان لا يأتي من منافسيه في العائلة المالكة، بل من انهيار عائدات النفط وتأثير ذلك في خططه الاقتصادية الطموحة”. 

لكنَّ بعض المحللين الآخرين، والدبلوماسيين والمسؤولين السابقين من ذوي الخبرة في شؤون المملكة العربية السعودية، والسعوديين المقربين من الديوان الملكي قالوا إنَّ الأمير محمد عزز سلطته تماماً لدرجة أنَّه لم يعد يخشى عليها من أي شيء. 

فباتبِّاع درجةٍ من القسوة لم يسبق لها مثيل في التاريخ السعودي الحديث، حاز بن سلمان سلطةً مباشرةً على المملكة تفوق سلطة أي ملكٍ آخر منذ عقود، واعتمد في ذلك اعتماداً كبيراً على إخضاع أفراد عائلته المالكة الواسعة بالترهيب. لذا فحتى في حالة انخفاض أسعار النفط بشدة ومرور اقتصاد البلاد بضائقة، لم يكن لدى أفراد العائلة المالكة الذين احتجزهم أي أملٍ يُذكَر في تحديه.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّه كان يضع هؤلاء الأفراد أنفسهم تحت مراقبة مشددة بالفعل، ممَّا حدَّ من قدرتهم على التآمر ضده، وفقاً لأشخاص مقربين من الديوان الملكي. هذا ولم يرد متحدثٌ باسم الحكومة السعودية على طلبٍ للتعليق.

يُذكَر أنَّ أكبر شخص محتجز، وهو الأمير أحمد بن عبدالعزيز البالغ من العمر أكثر من 70 عاماً، كان قد أطلق في لندن، تصريحاتٍ ينأى فيها بنفسه عن سياسات محمد بن سلمان، لكنَّه بدا خاضعاً له منذ ذلك الحين، ولو علانيةً على الأقل.

أمَّا الأمير البارز الآخر المعتقل، وهو الأمير محمد بن نايف، فكان قيد الإقامة الجبرية بالفعل منذ عام 2017، حين عزله ابن سلمان من منصبي ولي العهد ووزير الخارجية. 

وقال دبلوماسيون سابقون إنَّ الحكام السعوديين السابقين ربما كانوا سيُرسلون إخطاراً سابقاً إلى واشنطن ولندن قبل مثل هذه الاعتقالات البارزة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ محمد بن سلمان التقى بوزير الخارجية البريطاني دومينيك راب في الأسبوع الماضي، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الشهر الماضي فبراير/شباط في الرياض، لكنَّه لم يذكر أي إشارة إلى أنَّ الاعتقالات وشيكة، وفقاً لبعض الدبلوماسيين وغيرهم من المسؤولين المُطلعين على الأمر. 

ومن جانبه يقول إميل الحكيم، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إنَّ المسؤولين الغربيين قلقون بشأن “الخطر الذي قد يهدد سمعتهم” بسبب ارتباطهم بهذا القائد الذي لا يمكن التنبؤ به. لكنَّ الأمير محمد لم يواجه سوى القليل من العواقب الوخيمة على أفعاله حتى الآن. 

إذ يقود تدخلاً عسكرياً منذ خمس سنوات في اليمن أسفر عن كارثة إنسانية. واعتقل مئات من أقربائه من العائلة المالكة وبعض الأثرياء السعوديين الآخرين في فندق ريتز كارلتون في عام 2017، للضغط عليهم من أجل ردِّ جزء من ثرواتهم التي كوَّنوها بطُرُقٍ فاسدة حسب زعمه. بل واختطف رئيس وزراء لبنان مؤقتاً سعد الحريري، وأجبره على إعلان استقالته (التي تراجع عنها لاحقاً).

وقد خلصت وكالات الاستخبارات الأمريكية إلى أنَّ الأمير محمد أمر في عام 2018 بقتل جمال خاشقجي، المعارض السعودي والصحفي الذي كان يعمل في صحيفة The Washington Post الأمريكية وكان يعيش في ولاية فرجينيا.

ومنذ ذلك الحين، رأى بعض المحللين علامات النضج على بن سلمان، لا سيما انسحابه من صدامٍ مُسلَّح محتمل مع غريمته إيران في العام الماضي 2019. وفي اجتماعٍ عُقِد في الصيف الماضي في اليابان مع قادة دول مجموعة العشرين، لقي بن سلمان ترحيباً مثل القادة الآخرين، واختير لاستضافة القمة المقبلة للمجموعة المقرر انعقادها في الخريف الجاري بالرياض.

ومن جانبه وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنَّه صديقه، وقال له: “أنت تُبلي بلاء حسناً”. وحين أسفر قرار بن سلمان الأخير عن هزِّة في الأسواق العالمية يوم أمس، ركَّز ترامب على الجانب الإيجابي، وقال في تغريدةٍ نشرها: “هذا جيدٌ للمستهلكين، فأسعار البنزين ستنخفض!”. 

فيما قال أندرو ميلر، الباحث في مؤسسة Project on Middle East Democracy والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، إنَّ الاعتقالات الأخيرة وحرب الأسعار “مجرد تصرفاتٍ معتادة من محمد بن سلمان”.

وأضاف متحدثاً عنه: “على عكس ما قاله الكثيرون سابقاً، لم يتعلم أي دروس ولم ينضج. بل استخلص دروساً عكسية، إذ أدرك أنَّه فوق القانون، لأنَّ المملكة العربية السعودية مهمةٌ جداً لحلفائها الغربيين لدرجة أنَّه دائماً ما سيلقى ترحيباً بينهم مهما فعل”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى