اقتصاد

هل ستقوم حرب بين الصين وأمريكا لقيادة العالم؟وماموقع الإتحاد الأوروبي منها؟

الإعلامية الجزائرية المتخصصة في قضايا الفكر،السياسة وحقوق الإنسان

الأستاذة بادية شكاط

رئيسة فرع منظمة “إعلاميون حول العالم”فى الجزائر

عضو مؤسس فى المنظمة

يقول وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في مقال له بصحيفة وول ستريت جورنال:”أن جائحة كورونا ستغيّر النظام العالمي للأبد… وأن الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم الآن بسبب الوباء الفتاك،أعادت إلى ذهنه المشاعر التي انتابته عندما كان جنديًا في الحرب العالمية الثانية أواخر عام 1944،حيث يسود الآن الشعور نفسه بالخطر الوشيك الذي لا يستهدف أي شخص بعينه،وإنما يستهدف الكل بشكل عشوائي ومدمر”

كما يقول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق شاينين: “أمريكا لها ثلاث أولويات في العالم فقط:الصين،الصين،الصين

في حين تقول الصين:”العالم مابعد كورونا لن يكون كالعالم ماقبل كورونا

فإلى أي مدى يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟

لقد ظهر النظام الدولي الحالي عقب انهيار الإقطاع في اوربا،راسمًا حدودًا تتجاوز القومية الخاضعة لسلطان الكنيسة،فتشكلت معالمه في معاهدة وستفاليا عام 1648،التي أنهت الحروب الدينية في أوربا، وبدأت معها حقبة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية،حيث وضعت أساسات هذا النظام على مرتكز السيادة الكاملة للدول،وعدم التدخل في شؤونها الداخلية،غير أن كل نظام قد يكون محكومًا للشرعية والقوة،كما قد يكون محكومًا للقوة وحدها،تمامًا كما يجسده ترامب بما يسمى بالعولمة الأحادية الأمريكية بعد انهيار الإتحاد السوفياتي،فتراجع الإتحاد السوفياتي في مرحلة ريجان وتاتشر وصولاً إلى انهياره،أدى إلى تكريس مفهوم الليبرالية الجديدة،وبداية نظام العولمة وتزايد الهيمنة الإمبريالية بكل مافرضته سياسيًا واقتصاديًا على مقدّرات شعوب العالم.
ففي ظل العولمة وركائزها مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية والشركات المتعددة الجنسيات،أصبح العالم جغرافية واحدة،بحدود لا تفصلها أي حدود.

يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأمريكية “ستيفن والت” في كتابه “نخبة السياسة الخارجية الأمريكية،أن الإستراتيجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية،هي المسؤولة عن مأساة السياسة الخارجية الأمريكية،باعتبارها تبنّت استراتيجية مايعرف “بالليرالية الدولية”،وسعت إلى توسيع وتعميق النظام الليبرالي العالمي تحت القيادة الأمريكية،بما يعزّز شعارات قيم الديمقراطية على المستوى المحلي،كحقوق الإنسان والمساواة وقيم الحرية والعدالة،ودولياً وفق فرضٍ لهذه القيم على شاكلة الإنفتاح الاقتصادي وحرية التجارة وعلاقات يسودها القانون والأعراف الدولية.

ومع حدوث جائحة كورونا،أدركت أمريكا فساد استراتيجيتها،فصرّح رئيسها ترامب بأن النظام العالمي الذي صيغ بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد يصلح.

 فالإنفتاح على العالم لايخدم أمريكا فحسب،و استراتيجية “أمريكا أولاً” قد لاتكون هي من تجعل أمريكا أولاً،إذ قد تكون الصين أولاً.

فحسب مركز استرتيجي للبحث في أمريكا يقول:”أنّ البطالة ستصل في أمريكا إلى 25 مليون عاطل عن العمل،إضافة إلى إفلاس الشركات،وأن صندوق النقد الدولي الذي ظهر باتفاقية بريتون وودز التي صاغت النظام الدولي،لمعالجة الأزمات الإقتصادية للدول،لم تعد بعض الدول بحاجة إليه،فالصين مثلاً  أنشأت مع خمسين دولة أخرى”بنك الإستثمار الآسيوي”،كذلك فإنها تحاول أيضًا الإستغناء عن الدولار،وتقدّر مراكز أبحاث أمريكية أنه بعد عشر سنوات سيكون الناتج القومي الصيني ضعف الناتج القومي الأمريكي.

إضافة إلى التعاون الذي تبديه الصين اليوم لدول العالم لمقاومة أضرار تفشي وباء كورونا،هذا التعاون الذي ظاهره إيثار وباطنه مثقلا بالأوزار،ولا يتجاوز مجرد محاولة الصين قيادة وزعامة العالم.

فراحت تستغل الوباء وكذا تقاعس دول الإتحاد الأوروبي في دعم بعضها البعض،بل راحت تقدم المساعدة  حتى لدول خارجه،كدولة صربيا المرشحة رسميًا لكي تكون في الإتحاد الأوروبي،هذه الأخيرة التي قام رئيسها بتقبيل العلم الصيني،بعد أن قدمت له الصين المساعدات اللازمة.

وكذلك تعمل الصين على دعم روسيا في مشروع تمزيق الإتحاد الأوروبي وإخضاع دوله للهيمنة،

فروسيا مثلاً أصبحت تدعم حزب المرشحة الرئاسية الفرنسية “ماري لوبان”التي لها طموحات خروج فرنسا من الإتحاد الأوروبي،في حين طائرات الصين صارت تنزل إلى روسيا وتتزوّد بالوقود دون أي إلتزامات إدارية،مما يوضح وحدة الغاية الصينية الروسية.

وإن كانت أمريكا لها الغاية نفسها،خاصة بعد دعم ترامب ل”انجل فراج” وهو أكثر من حمل حلم البريكست،وأراده أن يكون سفيرًا لبريطانيا في أمريكا،فترامب يخاف التكتلات،ويرى أن يسر الهيمنة والإخضاع يكون في الإنقسامات.

إلا أنّ الليالي لوت كف ترامب على عصاه،فالصين صاحبة النصف مليون إختراع سنويًا،صارت ترى الديمقراطية الحقيقية تصنع خلف الحواسيب،وأصبحت لديها انترنيت خاص،فكما قال المستشار الأعلى للرئيس الأمريكي والمسؤول عن الإنترنيت “جازنر”:الأنترنيت ستحقق الكونية الديمقراطية الوحيدة في الكون”.

ولقد تنبّأ العالم الأمريكي ذو الأصول اليابانية ميتشيو كاكو من خلال كتبه ككتاب “مستقبل العقل” بالعديد من القفزات التقنية والرقمية،وأخبر أن الإنترنيت سيكون متاحًا في كل مكان وفي أي زمان،وليس مستبعدًا أن تكون هناك انترنيت حكومية،كما تنبّأ بالقفزات الرهيبة للتقنية والذكاء الإصطناعي،حيث
أخبر بأنه بواسطة “نظارات الإنترنت”،أو عبر عدسات لاصقة متصلة بالإنترنت،سيملك الإنسان القدرة على التعرف على الوجوه وإظهار معلومات عنهم بمجرد رؤيتهم،وكذا ترجمة حديثهم لأي لغة،كما سيكون بالإمكان حضور المؤتمرات عن بعد،أو مشاهدة الأفلام،وعرض معلومات عن السلع خلال القيام بالتسوق.

كما أنّ هذه التكنولوجيا ستنعكس على الكثير من المجالات،كالهندسة،حيث سيتمكن المهندسون والمعماريون من رؤية الإنشاءات بحجمها الطبيعي قبل إنشائها،كما ستساعد هذه العدسات العاملين في مجال الأمن،والمراقبة،وتمكّنهم من الرؤية خلف الحواجز،وأما غرف الإستقبال،فستصبح كمعرض يتيح النظر في أبهى المناظر،وسيصبح ورق الجدران هو طبيب أو مستشار خاص،حيث تحفظ تلك الجدران مايرغب فيه الإنسان من مستندات ومعلومات،وأن السيارات في المستقبل ستقود نفسها بنفسها،وستختفي تمامًا مفردات كالزحام وحوادث السيارات.

كما طرح الفيزيائي “كاكو” الكثير من الأفكار المستقبلية التي ستحدث ثورة في مجال الطب والبيولوجيا. حيث تحدث عن متاجر الأعضاء الحيوية التي ستكون موجودة بفضل التقنية الحيوية الرقمية،إذ يصبح من الممكن تنمية أعضاء الجسم من نفس خلايا الجسم،وغيرها من الخلايا الجذعية،كما أخبر أنه سيمكن مستقبلاً تخزين الذكريات عن طريق نقل الإشارات العصبية من الدماغ،وتحليلها ثم حفظها وتخزينها على الكمبيوتر،مايساعد مرضى الزهايمر من استعادة ذكرياتهم كما يستعيدون ذاكرتهم.

وجميع هذه الثورة المعرفية توحي أننا سنستغني عن كثير من الوظائف التقليدية،وأن البقاء لن يكون لمن يمتلك قنبلة نووية،بل لمن يمتلك التقنية.

وأمام كل ذلك فإنّ أمريكا ستحاول التفاوض مع الصين،للإنتقال إلى نظام عالمي جديد بقطبيه الأمريكي والصيني،ولأن الصين غالبًا سترفض التفاوض،فأمريكا ستضغط عليها ولو بشن حرب عليها،خاصة وأن ذاك اكثر مايخدم ترامب في حملاته الإنتخابية الرئاسية،لأنه سيكون قائد القوات المسلحة الأمريكية،وإذا حقق الإنتصار فكرسي الرئاسة سيكون له في الإنتظار،فالمنتصر هو من سيصوغ النظام الدولي الجديد،والذي تكون له قوة عظمى،عسكرية واقتصادية.

ترى أين الدول العربية من كل هذا؟

إن السؤال الجدير هو لماذا لاتعمل الدول العربية على بناء مراكز بحثية تجمع من خلالها كبار العلماء والمفكرين لوضع استراتيجية ذكية لهذه الثورة الذكية؟

لماذا لايتم الإستثمار في العقول العربية رغم أنها من تحرك أكبر المراكز البحثية الغربية؟

متى تفهم الدول العربية أن الإستثمار في العقول هو فقط الرهان المستقبلي للدول القوية؟

ولماذا لاتستغل هذا التغيير العالمي في النظام العالمي لتبني تحالفات جديدة،أو على الأقل تؤسس صندوقًا للنقد العربي ،أو مجلسًا كمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية الذي صُنع عقب الحرب العالمية الثانية،هذا المجلس الذي تأسّس بعد اجتماع مستشار الرئيس الأمريكي ويلسون،وحوالي مائة من رجال السياسة والإقتصاد البارزين لمناقشة أحوال العالم بعد الحرب،وتم وضع النقاط الأربع والعشرون الشهيرة للرئيس ويلسون محل المناقشة،ودعوا العالم إلى العولمة،وشكلوا مؤسسة عامة للأمم،وقاموا بإنشاء مجلس الشؤون الدولية بفرع واحد في الولايات المتحدة الأمريكية وفرع آخر في بريطانيا بما سمي بالمجلس الملكي للشؤون الدولية
وكانت مهمة هذا المعهد توجيه الرأي العام العالمي باتجاه قبول فكرة حكومة عالم أوحد أو العولمة.
ومنذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن،نجح المجلس في تحقيق أهدافه وفرض العولمة على دول العالم،وحقق مطامحه في الهيمنة.

وإن كانت مطامح الدول العربية بدايةً هي في الخلاص من الهيمنة الملتفة حول عنقها،وهذا باعتناقها ما يخدم مخططاتها الإستراتيجية،فلا تكتفي بمجرد نفخ في رماد،أو صرخة في واد.

فالثورة المعرفية متسارعة،وحولها ستكون الدول متصارعة،ومن يقول خلاف ذلك،ففي كلامه الكثير من الخطل الذي ينبئ عن كثير من الخبل.

بادية شكاط

أكتب في قضايا الفكر،السياسة وحقوق الإنسان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى