ثقافة وادب

“لا تكن شاعراً فتشقى وتُحرق أعصابك”.. كتاب “أبي شوقي” لنجل أمير الشعراء

جذبني عنوان كتاب في إحدى المكتبات التي أتردد عليها
بعنوان “أبي شوقي”، ورغم أني لست من عشاق الشعر ومتذوّقيه المحترفين،
فإنني انجذبت بتلقائية إلى الكتاب حينما فهمت العنوان من اسم المؤلف “حسين
أحمد شوقي”.

نجل أمير الشعراء يحكي عن أبيه، أي إنها فرصة لمعرفة
دهاليز الحياة الخاصة لذلك المبدع الذي ﻻ أعرف عنه سوى القشور من شِعره في المنفى،
وَصِلته بالأسرة الحاكمة أيام الإنجليز، وجذبني أيضاً أن الكتاب صغير الحجم، فلا
فرصة للإسهاب الممل.

بما أني لم أكن أعرف “حسين شوقي” من قبلُ، فقد
فاجأني ما يتميز به من أسلوب أدبي ممتع وسهل، و”حسين” كان يقول الشعر
أحياناً كما حكى ذلك في الكتاب، حتى إن الشاعر الكبير حافظ إبراهيم قد أعجبه هذا
الشعر، وودَّ أن يشجعه صديقه “أحمد شوقي” عليه، “أتعلم -يا شوقي-
أن ابنك يُرجى منه؟”، ولكنَّ أباه فضَّل له
الاتجاه إلى النثر؛ خوفاً عليه من شيئين: الأول أن الشعر ﻻبد فيه من نبوغ وﻻ ينفع
فيه التوسط في الموهبة، فلا داعي أن يضيّع “حسين” عمره في شيء لن ينبغ
فيه، والثاني أن الشعر يُتعب القلب ويحرق الأعصاب من وجهة نظر “شوقي”
قائلاً لـ(حافظ):

“لماذا بربك تريد منه أن يكون المسكين شاعراً؟ لماذا؟ أَلِيشقى مثلنا ويحرق أعصابه؟”.

والحق أن أسلوب “حسين” سهل ممتع ﻻ يُملّ، إذ
يحكي عن أحمد شوقي شخصيته ومزاجه وطباعه في حياته الخاصة بداية من ذكريات
“حسين” في طفولته بكرمة ابن هانئ (سأحاول أن أنظر ورائي إلى الماضي
البعيد خلال ضباب الزمن الكثيف، وذلك قبل أن تتعذر نهائياً هذه الرؤية).

إلى تكريمه ومبايعته أميراً للشعراء (ووقف حافظ بك
إبراهيم وألقى قصيدته العينية المشهورة التي بايع فيها أبي بإمارة الشعر باسمه
وباسم شعراء الشرق، وعندما قال:

أمير القوافي قد أتيت مبايعاً ** وهذي وفود الشرق قد
بايعت معي

نهض أبي من مقعده وعانق حافظ بك طويلاً).

ثم وفاته على فراشه نحو الساعة الثانية صباحاً، في عمر
الثالثة والستين.

– و(كرمة ابن هانئ) هو الاسم الذي كان يطلقه أحمد شوقي
على بيته في المطرية قبل المنفى، ثم بيته الجديد في الجيزة بعد العودة من المنفى،
تيمناً بالشاعر العباسيّ “الحسن بن هانئ” الشهير بـ”أبي
نواس”.

ويصف “حسين” لنا حديقة بيت “الكَرْمة”:

“وخاصة أن الحديقة مُلئت بشتى الحيوانات.. الأليفة
وغير الأليفة!

فكنتَ تجد بها غزلاناً وسلاحف وقردة وطواويس وببغاوات
ومئات من العصافير الملوّنة.. ثم علاوة على ذلك جيء إليها بتمساح صغير!”.

وكان أحمد شوقي يحب تسمية البيت، ولما اشترى بيتاً في
الإسكندرية سماه “دُرَّة الغوَّاص”.

– الكتاب يحكي في طياته شيئاً من رحلتهم في مدن إسبانيا
والأندلس: مدريد وبرشلونة وقرطبة وغرناطة، وإشبيلية..

كما يحكي بعض أساطير الإسبان حول العرب والسحر العربي.

– يبيّن الكتاب أيضاً عادات اجتماعية ومظاهر وطرق تربيتهم أولادهم:

“لذلك عندما قرروا أن أذهب إلى المدرسة نزل عليَّ
هذا الخبر كالصاعقة، إذ كيف أترك كل هذا النعيم وأذهب فأقضي الساعات الطويلة بين
جدران أربعة! وقد حاول أبي أن يُبطل هذا القرار أو يُرجئه، ولكنه أخفق أمام تشبث (مُربِّيتنا التركية) التي كانت تحكم البيت
كله بيد من حديد!”.

وأسعار بعض السلع في تلك الأوقات قد تغيرت كثيراً الآن
بعد مرور قرن من الزمان.

“أما النقود التي كانت تُرسَل إلينا شهرياً من مصر،
فهي 200 جنيه، كانت تصلنا نحو 120 جنيهاً فقط، لأن الجنيه الإنجليزي الذي كنا (وما
زلنا!) مرتبطين به، كان في هبوط مستمر، إذ إن حالة إنجلترا وحلفائها الحربية كانت
سيئة جداً إذ ذاك”.

“ومع ذلك كانت هذه النقود القليلة تكفينا كل
الكفاية، لأن الحياة كانت رخيصة بإسبانيا في ذلك الوقت. مثال ذلك أننا كنا نشتري
مئة برتقالة بخمسة قروش!”.

– وربما يحكي عن عادات “أحمد شوقي” الشخصية وفي تدوين أشعاره..

“وسبب هذا التأخير في النوم أنه يراجع بعدما يعود
من سهرته، ما نظم من شعر طوال نهاره”.

استمتعت كثيراً بقراءة الكتاب، ووددت لو قرأت للكاتب
“حسين شوقي” كتباً أخرى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى