آخر الأخبار

كورونا آخر المصائب ولا حصر للوفيات.. عدن تغرق في الوباء بعد سيطرة المجلس الانتقالي عليها

رغم أن اسمه يوحي بصورة مختلفة، فإن الرائحة الكريهة الناتجة عن المياه الراكدة المختلطة بالمجاري ومخلفات الصرف الصحي تحاصر المنازل الشعبية في حي السي كلاس بمدينة عدن، جنوبي اليمن.

في أحد الأزقة، بنى سكان الحي جسراً مؤقتاً من أحجار الطوب التي رُصت دون عناية، ليُسهّل لهم الانتقال في الحي، فمياه السيول، التي أغرقت المدينة في الحادي والعشرين من أبريل/نيسان الماضي، لا تزال دون تصريف.

من على باب منزله في الحي يتابع محمد حسن أحداث المواجهات التي تدور في محافظة أبين، شرق عدن، بين القوات الموالية للحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً.

يقول حسن لـ “عربي بوست”: “إن عدن مدمَّرة، وفيها اللي مكفيها، مش ناقصة حرب”، في إشارة إلى المعارك التي اندلعت إثر الهجوم الذي شنته القوات الحكومية، الإثنين، باتجاه مدينة عدن، بعد فشل اتفاق الرياض. ويضيف: “بدلاً عن هذه الحرب، المفروض ينقذوا المدينة اللي تموت كل يوم”.

وكان المجلس الانتقالي قد سيطر، بدعم من الإمارات، على مدينة عدن في العاشر من أغسطس/آب، بعد أن أجبر الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً على المغادرة إلى مقر إقامته المؤقت في العاصمة السعودية الرياض.

في حضرة الانتقالي الاماراتي ??

تحولت عدن من مدينة ساحرة
الى مستنقع أوبئة وثلاجة موتى !!#عدن_تنتفض_ضد_انتقالي_الامارات pic.twitter.com/yiizCcWJMd

لكن السعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً مع الإمارات في اليمن منذ 2015، ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء عقب انقلاب على الرئيس عبدربه منصور هادي نهاية 2014، حاولت تهدئة الوضع في الجنوب بعد أن رعت اتفاقاً بين الحليفين في جنوب اليمن نهاية 2019.

غير أن الاتفاق المزمع تنفيذ بنوده حتى نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، صار أملاً لسكان مدينة عدن، خصوصاً بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية في السادس والعشرين من أبريل/نيسان الماضي.

ويقول حسن، وهو موظف في كلية التربية بعدن: “خلاص، ما دام أعلن الانتقالي الإدارة الذاتية، ييجوا يشفطوا هذه المياه اللي قتلتنا بعد أن صارت مصدراً للأوبئة، وكثّر الله خيرهم”.

قرابة 80 حالة وفاة في عدن خلال يومينربما كورونا، ربما أوبئة أخرىهل يزعجكم كورونا فقط؟لنفترض أنه وباء آخر، ألا يستحق…

أحياء المنصورة ودار سعد هي الأخرى لا تزال تحاول النجاة من المياه الراكدة حتى اليوم، بينما كانت بقية الأحياء أحسن حالاً رغم تراكم مخلفات السيول وتفجّر أنابيب الصرف الصحي في عدد من الأحياء.

ينتشر الوباء في عدن
بسبب هذا الامر
المياة الراكده تتسبب بإنتشار البعوض الحامل لحمى الضنك والمكرفس pic.twitter.com/TjKkEy8s1W

ووفق مصدر محلي في السلطة المحلية، فإن مدينة عدن تشهد أسوأ حالاتها، فيما تصر سلطات الأمر الواقع على تجاهل الأزمة، في تصدير أزمات وقضايا جانبية، كالأحداث التي تشهدها محافظة أبين، وتخويف الناس بالحرب.

وأضاف المصدر لـ “عربي بوست”، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية، أن “الانتقالي” عمد مراراً إلى تعطيل الحياة، بعد محاولة المؤسسات الخدمية العمل بعيداً عن حالة الاستقطاب السياسي والعسكري.

وأوضح أن “أزمة السيول لم تحل حتى اليوم، والأوبئة صارت تقتل الناس بالآلاف”.

لا اخبار سارة من وعن عدن ، أوبئة ومرضى وجنازات !ومذكرة أحمد بن بريك لك الله ياعدن

وتسببت المياه الراكدة في انتشار البعوض والأمراض الحمية، أبرزها وباء الشيكونغونيا (المكرفس بالاسم المحلي)، ووفق مصادر طبية، فإن العشرات من السكان لقوا حتفهم بالمرض الفيروسي الذي تفشَّى عن طريق البعوض الحامل لعدوى المرض.

عدن فيهاعدة أمراض وليس كورونا فقط.انظروا إلى البعوض pic.twitter.com/KzmxpeMmo0

وفي وقت سابق، أعلنت الحكومة اليمنية عدن “مدينة موبوءة”، عقب يومين من وفاة مسؤول بوباء أودى بحياة 49 آخرين، في إشارة إلى الشيكونغونيا.

ووفق اشراق السباعي، المتحدثة باسم اللجنة الوطنية العليا للطوارئ، فان الكارثة البيئية تسببت بانهيار القطاع الصحي، إذ سجلت 49 حالة وفاة بحمى الضنك مؤخرا،من بين 2914 حالة إصابة.

وأوضحت في تصريح لـ”عربي بوست”، بأن عددا كبيرا سُجل للمصابين بالملاريا والحميات، غير أن تلك الأرقام تبقى غير حقيقية  في ظل قصور عمل فرق الترصد الوبائي،وغياب التنسيق على الأرض.

وذكرت أن الأرقام المتعلقة بوباء كورونا، هي التي جرى التأكد منها، في إشارة إلى أن هناك حالات لم يجري التأكد منها.

وقالت وزارة الخارجية في الحكومة اليمنية إنها حاولت الحكومة مراراً التعاطي بإيجابية مع كل جهود تنفيذ اتفاق الرياض، غير أنها قوبلت بتعنُّت مستمر من قِبَل المجلس الانتقالي وإصرار غير مبرَّر على الاستمرار في تمرده المسلح.

فيما صرح الوزير محمد الحضرمي في تغريدة له على تويتر بأن المجلس قوّض عمل مؤسسات الدولة، بما في ذلك تعطيل عمل الفرق التابعة لوزارة الصحة المعنية بالتصدي لجائحة كورونا في عدن.

أراضي شاسعه تصرف لهم في #عدن لا يستحقونها و تصبح مخازن للمياة الامطار و تكاثر البعوض الصوره اليوم خلف ملعب ٢٢ مايو pic.twitter.com/luRmyK7PY2

مدير المرصد الوبائي أدهم عوض قال لـ “عربي بوست” إنه لا توجد إحصائيات بعدد الوفيات جراء الوباء، في إشارة إلى تفشِّي الوباء بصورة كبيرة بين السكان، في الوقت الذي تتحدث فيه مصادر طبية ومحلية في المدينة عن عشرات الوفيات.

ووفق تصريحات لمدير مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية في عدن، اللواء سند جميل، فإن المصلحة صرفت تصاريح دفن لـ 56 شخصاً، بينهم 55 أُصيبوا بمضاعفات رؤية، وتلك الحصيلة لا تتضمن الوفيات في الأحياء الشعبية الكبيرة بالمدينة التي تُدفن غالباً دون تصريح.

#إفادة_صحية_1فتحي بن لزرقلكثرة مايردني من استفسارات واتصالات من مواطنين بمدينة عدن وخارجها وبسبب غياب الإعلام الرسمي…

كان وباء كورونا القشة التي قصمت ظهر المدينة، وسجلت اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا (حكومية)، منذ الـ 29 من أبريل/نيسان 35 حالة إصابة مؤكدة، بينها أربع وفيات، بينما لم تتعافَ أي حالة.

نطالب بنزول فريق خبراء اوبئة الى #عدن وفووورا نشتي نفهم ايش الدي حاصل في عدن.

ويأتي ذلك في ظل حالة انهيار القطاع الصحي في المدينة الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي، ووفق إشراق السباعي

وأوصدت عدداً من المستشفيات أبوابها أمام المرضى في ظل ارتفاع الإصابة بالحميات.

وفي أكثر من مناسبة أعلن أطباء المستشفى الجمهوري في المدينة، الذي يعد من أكبر المستشفيات العامة، الإضراب عن العمل، احتجاجاً على عدم توفير السلطات الطبية أدوات السلامة الصحية الأولية، كالمطهرات والكمامات ومواد التعقيم.

لا تفهموا أنني أدافع عن الانتقالي وأهاجم الشرعية، أو العكس. هذا لا طائل منه ولا يليق. هذان يشبهان بعضًا في كثير من الفشل…

ولم يكن الوضع الصحي هو الشغل الشاغل للمدينة، بل فاقم انقطاع التيار الكهربائي والمياه من معاناة الأهالي.

ووفق محمد سالم وهو أحد النشطاء في المدينة فإن أحياء كثيرة تقضي لياليها في ظلام دامس، بينما توقفت أجهزة التكييف في المدينة الساحلية، وجعلت ساعات النهار أشبه بالجحيم خصوصاً مع حلول أيام الصيف الأولى.

وأضاف لـ “عربي بوست”، بأن المولدات الكهربائية خرجت عن الخدمة بسبب السيول، بينما عجزت مؤسسة الكهرباء عن إصلاح الأضرار.

مياه الشرب هي الأخرى انقطعت بصورة تامة عن عدد من الأحياء، بينها أحياء المنصورة، وحي فقم على ساحل البحر.

ودفعت تلك الأوضاع بالأهالي إلى تنظيم مسيرات احتجاجية غاضبة، قبل أن تتدخل قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات وتقمع تلك المظاهرات، والسبت الماضي أطلقت القوات الرصاص على مسيرة، كما اعتقلت عدداً من المتظاهرين.

مظاهرات عدن مستمره حتى تحقيق مطلباتهم ورحيل مليشيات الانتقالي pic.twitter.com/ojDSN1nRIL

وقالت اللجنة التحضيرية المنظمة للمظاهرة، في بيان لها، إنها سعت إلى عدم الاصطدام مع قوات المجلس الانتقالي، محذرة من التصعيد الشامل في حال لم يذهب “الانتقالي” إلى إصلاح الأوضاع في المدينة، أو السماح بعودة عمل الحكومة.

#عدن وسط الكارثة …
لا كهرباء ولا ماء ولا مستشفيات وكمان قمع وملاحقات وتهديدات ورش المتظاهرين بالمبيدات وكورونا وانتقالي

الفيديو قبل قليل من كريتر لقمع مليشيات الانتقالي المدعومة إماراتيا مظاهرات دعا لها الأهالي احتجاجا على تردي الخدمات#عدن_تنتفض_ضد_انتقالي_الامارات pic.twitter.com/zM3FzvD0Z4

في المقابل، أصدر المجلس الانتقالي أصدر قراراً جديداً يقضي بمحاسبة كل من ينتقد تردي الخدمات والأوضاع المتدهورة في عدن، مشيراً إلى أن إعلان الانتقالي الإدارة الذاتية ليس محل سخرية وثرثرة في وسائل التواصل الاجتماعي.

وأمر أحمد سعيد بن بريك، القائم بأعمال رئيس المجلس، بتغريم كل من يبث الدعاية مليون ريال يمني (1700 دولار)، إضافة إلى عقوبة السجن لمدة ستة أشهر، مؤكداً ضرورة إبلاغ حتى وسائل النقل العامة بهذا التعميم.

بأمر من احمد بن بريك (أحمد شووو) اي شخص يتحدث عن فيروس #كورونا في مواقع التواصل الاجتماعي وهو من ساكن #عدن بيفرض عليه غرامة بقيمة #مليون ريال وسجن لمدة ٦ أشهر. بعني (موتوا سكته لا تفضحونا)، أهلاً وسهلاً بـ الإدارة الذاتية “للجيوب” وأهلاً وسهلاً بك في كوريا الشمالية..! pic.twitter.com/Yrom3IraOq

قوات مكافحة الارهاب التابعة للمجلس الانتقالي، تنتشر في مديرية كريتر بعدن، لمنع مظاهرات دعا لها مواطنون للمطالبة بتوفير الخدمات ورفع مخلفات المنخفض الجوي الذي ضرب عدن مؤخراً. pic.twitter.com/ae6FxwSimQ

ويأتي ذلك بعد أيام فقط من احتجاجات مماثلة نظَّمها الموالون للإمارات قبل إعلان المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية للجنوب.

وكانت مدينة عدن قد شهدت خلال العامين الماضيين تحسناً ملحوظاً في الخدمات الأساسية، في الوقت الذي انتظم فيه صرف الرواتب للموظفين الحكوميين، مما انعكس على الحركة الاقتصادية في المدينة.

ووفق تحليل للمدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي، فإن المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات يعيش مواجهة مع جماهيره بسبب تردي الخدمات العامة.

وأشار المذحجي في تحليل منشور على الموقع الإلكتروني للمركز، فإن إعلان المجلس الانتقالي الإدارة الذاتية في الجنوب قفز نحو المجهول، لم يكن الوحيد من يتحمل تبعاته بل جرَّ الجميع معه.

وأضاف: “أتت حادثة السيول في عدن لترفع مستوى الضغط الشعبي على المجلس الانتقالي، انفجرت المظاهرات الشعبية الغاضبة بسبب تردي الخدمات نتيجة السيول التي شهدتها عدن، ووجد المجلس الانتقالي نفسه في وضع غير مألوف في مواجهة السخط العام”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى