ثقافة وادب

تحتفل بذكرى تحريرها الـ 46 وانفصالها عن الشطر اليوناني.. ماذا تعرف عن جمهورية شمال قبرص؟

لا بد أنك سمعت يوماً بـ” جمهوية شمال قبرص ” أو شاهدت علمها الذي يشبه علم تركيا إلى حدٍّ كبير. ولا بد أنك سمعت أيضاً عن محادثات السلام المضنية التي احتضنتها العاصمة نيقوسيا لرأب الصدع بين شطري الجزيرة المتوسطية.

فما قصة جمهورية شمال قبرص؟ ولماذا انفصل الشطر الشمالي عن القسم الجنوبي من الجزيرة؟ وما علاقة أنقرة بالنزاع الحاصل هناك منذ ستينيات القرن الماضي؟ ولماذا تعدّ تركيا الدولة الوحيدة التي تعترف بـ”جمهورية شمال قبرص” رغم مرور نحو 4 عقودٍ على إعلانها استقلالها؟

منذ العام 1878 ومع قرب سقوط الدولة العثمانية، سيطرت بريطانيا على جزيرة قبرص التي شكَّل فيها القبارصة من ذوي الأصول التركية آنذاك قرابة 18% من السكان، في حين شكَّل القبارصة من ذوي الأصول اليونانية 82% من التركيبة السكانية.

ومع نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتطلُّع الدول للاستقلال عن القوى الاستعمارية، دعا القادة الأتراك في خمسينيات القرن الماضي، إلى ضم قبرص إلى تركيا؛ لكونها امتداداً للأناضول، في حين كان القبارصة اليونانيون وكنيستهم الأرثوذكسية يدعمون الاتحاد مع اليونان.

حظيت قبرص باستقلالها عن الاستعمار البريطاني في العام 1960، لتتحول إلى دولةٍ مستقلةٍ بذاتها بعيداً عن تركيا واليونان، وتواضع مواطنو البلاد على دستور يضمن حقوق القبارصة من ذوي الأصول التركية واليونانية على حد سواء، ويقسم المناصب الوزارية والمقاعد البرلمانية وفق نسب متفق عليها بين المكوِّنين العرقيَّين، الأمر الذي بدد الرغبة في الانفصال لدى الطرفين. لكن هذا الحال من التوافق لم يدم طويلاً.

بعد مضي ثلاث سنوات فقط على استقلال قبرص التي قدمت نفسها للعالم كدولة موحدة ومستقلة، عاد التوتر من جديد بين القبارصة الأتراك واليونانيين ليطفو على السطح.

كانت معظم الخلافات متعلقة بالشؤون الإدارية، وتصاعد التوتر مع ظهور خلافات تتعلق بتقسيم البلديات والضرائب؛ وهو ما تسبب في حالة شلل سياسي تام.

ومما زاد الأمر سوءاً، اقتراح الرئيس القبرصي آنذاك مكاريوس الثالث، تعديلات دستورية مجحفة بحق القبارصة الأتراك في العام 1963، فعرض تغيير 13 مادة من الدستور، وهو الأمر الذي رفضه القبارصة الأتراك ورفضته تركيا كذلك؛ لكونه محاولة لتسوية النزاعات الدستورية لمصلحة القبارصة اليونانيين ووسيلة لتحييد القبارصة الأتراك سياسياً.

وقد تضمنت تلك التعديلات الدستورية: منع المواطنين من ذوي الأصول التركية من التقاضي أمام قاضٍ تركي كما كان معمولاً به منذ الاستقلال، وخفض موظفي الدولة والعسكريين ورجال الشرطة من ذوي الأصول التركية إلى 30% فقط، بما يتناسب مع نسبة الأتراك بالجزيرة، في حين يشغل اليونانيون نسبة 70% من الوظائف الحكومية.

بالإضافة إلى الاكتفاء بالأغلبية البسيطة (50+1) لتمرير القوانين المتعلقة بالخدمات العامة، بعدما كان يلزم الحصول على نسبة الثلثين، وهو ما يعني أن الأتراك سيعامَلون كأقلية غير ذات أهمية، ولن يتمكنوا من وقف أي قرار يعارض مصالحهم.

وكردٍّ على قرار مكاريوس، رفع القبارصة الأتراك دعوى قضائية ضد تلك التعديلات في المحكمة الدستورية العليا، التي حكمت لصالحهم؛ لكون التعديلات المجراة غير قانونية.

لكن مكاريوس قال إنه لن يمتثل لأي قرار من المحكمة الدستورية العليا، وصمم على تمسكه بها؛ وهو ما دفع رئيس المحكمة الدستورية العليا إلى الاستقالة من منصبه، وأشعل شرارة الحرب بين الشمال والجنوب.

تضمنت خطة مكاريوس- ومن خلفه الجناح القبرصي اليوناني من الحكومة- إزاحة القبارصة الأتراك من المشهد السياسي، مهدداً بـ”إخضاع القبارصة الأتراك بالقوة” في حال اعتراضهم على قرارات الحكومة، وهذا ما حصل تحديداً.

فقد اشتبك أفراد من الشرطة الخاصة التابعة لوزير الداخلية ذي الأصول اليونانية بوليكاربوس جيورغاديس، وهم يرتدون ملابس مدنية، مع حشود من القبارصة الأتراك في ديسمبر/كانون الأول 1963، أعقبت ذلك أعمال عنف بين الطرفين بات من الصعب السيطرة عليها.

ومع أن منظمة المقاومة التركية TMT التي أُنشئت في 1959 للترويج لفكرة تقسيم قبرص والتي تنافس تنظيم إيوكا EOKA التابع للقبارصة اليونانيين القوميين المؤيدين للاتحاد مع اليونان، اتُّهمت بارتكاب أعمال انتقامية،  فإن مؤرخ الصراع القبرصي كيث كايل قال “ما من شك في أن أغلب ضحايا تلك الحوادث التي وقعت خلال الأشهر التالية كانوا أتراكاً”.  

فقد اختُطف 700 رهينة تركية، من ضمنهم نساء وأطفال، من الضواحي الشمالية للعاصمة نيقوسيا، وقاد نيكوس سامبسون- وهو قومي ذو أصول يونانية- مجموعةً من الجنود القبارصة اليونانيين غير النظاميين في حملات هاجموا خلالها السكان الأتراك بضاحية أومرفيتا.

وبحلول عام 1964، قُتل من جراء حوادث العنف تلك 193 قبرصياً تركياً و133 من القبارصة اليونانيين، فيما فُقد 209 أتراك و41 يونانياً، وقد عُدوا من القتلى.

وتعرضت القرى التركية للنهب على نطاق واسع؛ وهو ما دفع 20 ألف لاجئ إلى الهروب من مناطقهم واللجوء إلى الثكنات التركية المسلحة الموجودة على الحدود مع قبرص، حيث مكثوا فيها قرابة 11 عاماً معتمدين على المساعدات الطبية والغذائية القادمة من تركيا.

هذا عدا آلاف القبارصة الأتراك الذين هاجروا إلى دول أخرى مثل بريطانيا وأستراليا.

استمرت النزاعات قائمة بين الطرفين حتى تم عزل الرئيس اليوناني مكاريوس الثالث من منصبه في العام 1974 إثر انقلاب عسكري قام به الحرس الوطني القبرصي بأمر من المجلس العسكري في اليونان، بالاشتراك مع المنظمة الوطنية للمقاتلين القبارصة EOKA.

وقد كان الهدف من هذا الانقلاب إزاحة مكاريوس من منصبه وتعيين نيكوس سامبسون رئيساً لقبرص كخطوة أولى نحو انضمام قبرص الموحدة بالكامل للأراضي اليونانية.

هنا تدخلت السلطات التركية عسكرياً في قبرص، معتبرة الانقلاب العسكري بدعم يوناني سيؤدي إلى إلغاء وجود القبارصة الأتراك، فأرسلت أول حملة عسكرية في العام 1974 أدت إلى السيطرة على 3% من الجزيرة قبل إعلان وقف إطلاق النار، وانهيار المجلس العسكري اليوناني وعودة مكاريوس إلى الحكم ثانية.

وبعد عدة عمليات عسكرية أخرى كانت تركيا قد سيطرت على حوالي 37% من الجزيرة، الأمر الذي دفع 160 ألفاً من القبارصة اليونانيين في الشمال إلى الاتجاه نحو الجنوب، فيما انتقل نحو 50 ألف من القبارصة الأتراك الجنوبيين نحو الشمال وذلك وفقاً لاتفاقية تبادل السكان بين القبارصة اليونانية والأتراك التي تمت برعاية الأمم المتحدة في العام 1975.

بينما وافق القبارصة اليونانيين في منطقة رزوكارباسو بالعيش في ظل الإدارة القبرصية التركية وبقوا في شمال قبرص.

وفي العام ذاته، تم الإعلان عن تشكيل دولة قبرص التركية الفيدرالية، التي رفض المجتمع الدولي الاعتراف بها.

وتم الإعلان الرسمي عن استقلال الشمال وتشكيل جمهورية شمال قبرص التركية، في العام 1983 بعد 8 سنوات من المفاوضات الفاشلة مع الجنوبيين.

لا يوجد لدى جمهورية قبرص الشمالية جيش بكل معنى الكلمة إنما تعتمد على ما يسمى ” القوات القبرصية التركية الأمنية” وهي مجموعة مسحة تسليحاً خفيفاً قوامها قرابة 5000 رجل من السكان الأصليين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 40 سنة وهم تحت قيادة وإشراف عميد من الجيش التركي.

مهمة القوات القبرصية التركية الأمنية حماية حدود قبرص الشمالية من الغارات اليونانية والحفاظ على الأمن الداخلي لشمال قبرص، وتستمد دعمها من القوات التركية عند الحاجة.

يوجد أيضاً قوى إضافية احتياطية مكونة من 11,000 خط أول و 10,000 خط ثاني و 5000 خط ثالث من مجندين تصل أعمارهم إلى 50عام.

وتتخذ سياسة قبرص الشمالية الشكل الجمهوري النيابي الديمقراطي شبه الرئاسي، والذي يترأس فيه رئيس الجمهورية الدولة ويترأس رئيس الوزراء الحكومة، مع تعددية حزبية، ويرأسها حالياً درويش إروغلو الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في 18 أبريل 2010.

وتعتبر التركية هي اللغة الأساسية في قبرص الشمالية، أمّا اللغة اليونانية فتستعمل فقط من قبل فئة قليلة من السكان معظهم من كبار السن.

اعتبرت الأمم المتحدة ـ في عدد من قراراتها ـ إعلان استقلال قبرص الشمالية “باطلا”.

ولا تزال قبرص تطمح إلى اليوم باستعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة جمهورية شمال قبرص التركية، ورغم اعتراف المجتمع الدولي بسيادة جمهورية قبرص على جميع أراضي الجزيرة، فقد فشلت كل المحاولات الدولية لتوحيد الجزيرة من جديد.

مع ذلك، يبدو أن حالة التوتر بين الجمهوريتين تنخفض مع الوقت، ففي عام 2003 قرر الجانبان افتتاح 3 معابر على خط الهدنة الفاصل بينهما.

ومن الجدير بالذكر أنه لا توجد رحلات مباشرة أو رحلات تجارية عبر موانئ قبرص الشمالية وذلك تطبيقاً لسياسة الحظر المفروضة على قبرص الشمالية.

ومطاري ايركن ويفكونيكو الموجودان في الجمهورية معترف بهما فقط من قبل تركيا وأذربيجان، أما بالنسبة لمينائي فاماغوستا وكيرينيا البحريين فقد تم إيقاف حركة الملاحة إليهما وذلك منذ 1974.

ومن يحمل جنسية شمال قبرص التركية قد لا يسمح له بالدخول لليونان وجمهورية قبرص.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى