ثقافة وادب

أراد المشاركة بحرب العراق، وتمكن من فضح وكالة الأمن القومي الأميركية وبرامجها التجسسية، ما هي قصة إدوارد سنودن؟

كان لا يزال في التاسعة والعشرين من عمره عندما وضع الولايات المتحدة بمأزق حقيقي مع حلفائها وأعدائها على حد سواء، وزعزع صورة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بنظر الأمريكيين، وتخلى عن منزله المترف في جزيرة هاواي وراتب ضخم يتجاوز مئتي ألف دولار سنوياً، وعمل مع وكالة الأمن القومي الأمريكية.. إنه إدوارد سنودن.  

درس إدوارد سنودن المعلوماتية في مجمع تأهيلي بميرلاند، إلا أنه لم يكمل تعليمه، وانتسب إلى الجيش الأمريكي وبدأ تدريباته العسكرية في القوات الخاصة للقتال بالعراق، إذ كان سنودن آنذاك متحمساً للفكرة، لأنه كان يعتقد أن من واجبه كإنسان المشاركة في تحرير الناس من الاضطهاد، إلا أنه لاحظ أن معظم زملائه المتدربين «كانوا متحمسين لقتل العرب وليس تحريرهم».

بكل الأحوال لم يتوجه سنودن إلى الحرب، إذ إن حدوث كسر بساقيه أدى إلى عدم استكمال تدريباته العسكرية.

عوضاً عن الذهاب إلى العراق، عمل سنودن حارساً في منشأة لوكالة الأمن القومي بجامعة ميرلاند، وفي عام 2005 التحق بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).

في أثناء عمله بالـ «سي آي إيه» خبيراً بأمن المعلومات، قفر في السُّلم الوظيفي بسرعة غير معتادة لشخص لم يحصل على الثانوية، بسبب خبرته الكبيرة في عالم الإنترنت والبرمجيات.

أرسلته الوكالة عام 2007 إلى الممثلية الدبلوماسية للولايات المتحدة بمدينة جنيف في سويسرا، حيث تعرَّف في جنيف على أبعاد عمل وكالات الاستخبارات والتجسس، وتمكن لأول مرة من الاطلاع على عدد هائل من الوثائق بالغة السرية.

وفي عام 2009، غادر الـ «سي آي إيه»، ليعمل تقني معلومات في مكتب وكالة الأمن القومي الأمريكي بقاعدة عسكرية في اليابان، وانتقل عام 2010 إلى وظيفة مسؤول برامج بمكتب الوكالة نفسها في جزيرة هاواي.

خلال عمله مع وكالة الأمن القومي استطاع سنودن الاطلاع على عديد من الوثائق شديدة السرية، خصوصاً برنامج بريسم PRISM للتجسس.

وهو برنامج يتيح مراقبة معمقة للاتصالات والمعلومات المخزنة، وضمن ذلك رسائل البريد الإلكتروني، ومحادثات الفيديو والصوت، والصور، والاتصالات الصوتية، وعمليات نقل الملفات، وتفاصيل الشبكات الاجتماعية.  

ويمكّن البرنامج من استهداف المواطنين في الولايات المتحدة، ومستخدمي الإنترنت خارج الولايات.

حيث إن وكالة الأمن القومي كانت قادرة باستخدام هذا البرنامج، على الدخول مباشرة إلى الخوادم الخاصة لكل من مزوّدي الخدمات الأمريكية: مايكروسوفت، وياهو، وجوجل، وآبل، وفيسبوك، ويوتيوب، وسكايب، وإيه أو إل، وبالتوك.

بدأ سنودن بالتفكير بعد ثلاثة أعوام من عمله مع الوكالة، في مدى صحة ما يقوم به وما رآه، وفكَّر في الكشف عن أسرار الحكومة وفضحها أمام العامة.

كان سنودن الشاب يعمل براتب جيد جداً يصل إلى مئتي ألف دولار سنوياً، وكان لديه منزله الخاص في جزيرة هاواي الأمريكية، وحياة مستقرة تماماً.

وبحسب قوله، فقد وجد ببرامج التجسس تلك تهديداً حقيقياً للديمقراطية التي لطالما كانت الولايات المتحدة تنادي بها، وفي سبيلها كان سنودن مستعداً للتضحية بكل شيء.  

لكن فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية عام 2008 منحه الأمل في تحقيق إصلاحات بالمستقبل، وهو ما جعله يؤجل خطته في الكشف عن برامج الحكومة الأمريكية التجسسية، لكنه أدرك لاحقاً أن شيئاً لم يتغير ولا فائدة من الانتظار.

في مايو/أيار 2013 و رغم إدراكه للمخاطر التي تنتظره، تقدم سنودن بإجازة من عمله، زاعماً حاجته للعلاج من مرض الصرع. وفي العشرين من الشهر نفسه، هرب سنودن إلى هونغ كونغ بعدما سرب تفاصيل برامج المراقبة السرية الخاصة بوكالة الأمن القومي، لصحيفتي الغارديان البريطانية وواشنطن بوست الأمريكية.

وبعد أن بدأت سلطات هونغ كونغ بدراسة طلب تسليمه إلى الولايات المتحدة التي اتهمته بالتجسس وبإفشاء معلومات شديدة السرية، توجه سنودن إلى موسكو، حيث استطاع الحصول على إقامة مؤقتة هناك.

بعد أن وصل سنودن إلى موسكو بقي ستة أسابيع في منطقة الترانزيت بمطار شيريمتيفو، حيث قدَّم طلبات لجوء إلى نحو 20 دولة بحسب ويكيليكس، جاءت كلها بالرفض، لعدم استيفاء الشروط بحسب زعم تلك الدول.

وقد صرح وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي، بأنه حتى لو كان طلب لجوء سنودن المقدم إلى بولندا مستوفياً لشروط اللجوء السياسي، فإنه لن تصدر بحقه توصية إيجابية.

بعد ذلك قدَّم سنودن طلباً للجوء المؤقت في روسيا، ومُنح بالفعل لجوءاً سياسياً مؤقتاً مدته عام، وغادر مطار شيريمتيفو الدولي الذي كان عالقاً فيه.

وعلى الرغم من مطالبات الحكومة الأمريكية لموسكو بتسليم سنودن، فإن فلاديمير بوتين ردَّ بأن روسيا لا تسلم المواطنين الأجانب إلا إلى الدول التي تربطها بها اتفاقيات ترحيل، وهذه ليست الحال مع الولايات المتحدة.

وبعد حصول سنودن على تمديد مدته ثلاث سنوات لإقامته في روسيا، مددت موسكو حق اللجوء السياسي لسنودن في عام 2017 حتى عام 2020.

كانت للوثائق التي سربها سنودن تداعيات سيئة على العلاقات الأمريكية الخارجية، إذ توترت علاقات الولايات المتحدة مع عديد من الدول (بعضها حليفة)، التي أغضبها تنصت واشنطن على أحاديث قادتها والاتصالات والمراسلات الإلكترونية لمواطنيها.

كذلك أثارت تلك التسريبات عاصفة من ردود الفعل الداخلية، واستغل نواب جمهوريون في واشنطن قصة سنودن لتصوير أوباما على أنه زعيم غير كفء على صعيد السياسة الخارجية.

وقال جمهوريون ينتقدون الرئيس، إن الضجة بشأن سنودن علامة على ضعف أوباما والمكانة الدولية المتراجعة، وإن روسيا تستغل الولايات المتحدة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى