تقارير وملفات إضافية

أمريكا تلوح بتغيير النظام في حربها الباردة الجديدة ضد الصين، ولكن هذا ما تستطيع فعله حقاً

يبدو أن إدارة ترامب تتجه إلى إطلاق حرب باردة ضد الصين، على غرار الاتحاد السوفييتي، وتسعى لتقديم الصين كإمبراطورية شر جديدة.

وزير الخارجية مايك بومبيو، أعلن من مكتبه ومتحف ريتشارد نيكسون الرئاسي في يوربا ليندا، بكاليفورنيا مؤخراً، بعبارات لا لبس فيها ما الذي تريد الإدارة الأمريكية القيام به مع الصين، وكيف تُخطط لتحقيق أهدافها الطموحة.

إن أمريكا تخلّت فعلياً عن خمسة عقود من سياسة “الانخراط” مع الصين، وهي الآن تتبنى سياسة لا تحظى بقبول عبر مؤسسة السياسة الأمريكية: تغيير النظام، هكذا قال وزير الخارجية الأمريكي.

ففي خطاب تاريخي يوم 23 يوليو/تموز 2020، شنَّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هجوماً شديداً على الصين في مكتبة نيكسون في كاليفورنيا.

كان هدف خطابه إعادة ضبط السياسة الأمريكية تجاه الصين، لكنها عكس النهج الأساسي للرئيس الأمريكي ريتشارد إم نيكسون، وهنري كيسنجر، الرجلين اللذين أسّسا للعلاقة بين الصين والولايات المتحدة في السبعينيات لمواجهة النفوذ السوفييتي.

بدلاً من السعي إلى مواجهة مع الصين، سعى نيكسون وكيسنجر للعب “ببطاقة الصين” من خلال نشرها ضد الاتحاد السوفييتي، واليوم يقوم بومبيو بالعكس، يجعل الصين بديلاً للاتحاد السوفييتي.

في حين أن الخطاب نفسه يحتاج إلى قراءة كاملة، فإن ملاحظات بومبيو، التي تمثل جهداً منسقاً لإعادة معايرة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصين في عدد من الخطابات المختلفة خلال الأسابيع القليلة الماضية من قِبل كبار المسؤولين الآخرين في إدارة ترامب، تعني بوضوح شيئاً واحداً فقط: يدفع كبار مسؤولي السياسة الخارجية ترامب من أجل الانتقال من المشاركة والمنافسة السلمية مع بكين إلى ما لا يمكن وصفه إلا على أنه نسخة من القرن الحادي والعشرين لاحتواء على غرار الحرب الباردة.

في الواقع، قصد بومبيو بوضوح أن تفسر ملاحظاته على أنها خطاب يدشن الصين “كإمبراطورية الشر” لعام 2020.

وقال بومبيو رسمياً، إن وزارة الخارجية لا تزال “تتعامل” مع الصين، ولكن “ببساطة للمطالبة بالإنصاف والمعاملة بالمثل”. لقد ولّت الأيام التي تعامل فيها الدبلوماسيون الأمريكيون مع الصين لدعم الحزب الشيوعي، حسب تعبيره.

وأضاف “في الماضي، أنقذ الرؤساء الأمريكيون الشيوعية الصينية، ثلاث مرات -نيكسون في عام 1972، وبوش في 1989، وكلينتون في 1999- على وجه الخصوص.

والأهم من ذلك، قال بومبيو إنه سيكون هناك شكل جديد من التعامل مع الصين.

إذ قال: “يجب علينا أيضاً إشراك وتمكين الشعب الصيني- شعب ديناميكي محب للحرية مختلف تماماً عن الحزب الشيوعي الصيني”. “هذا يبدأ بالدبلوماسية الشخصية”.

يقول المحللون حي تتحدث الولايات المتحدة مباشرة مع الشعب الصيني. إذاً إلى آذان الرئيس الصيني شي جين بينغ، ، تبدو كلمات بومبيو بلا شك وكأنها صرخة حرب.

يتحدث الكثير عن الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة عن حرب باردة مع الصين بدأت للتو”.

لكن بالنسبة للصين لا يوجد شيء “جديد” في الصراع متعدد الأجيال عبر القارات.

إذ تخوض الصين هذا النزاع مع أمريكا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، ولكن الأمريكيين كانوا غافلين، حسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

إذا كان هناك أي جديد بشأن الصراع مع الصين، فهو أن الأمريكيين أدركوا خطر تحدي الحزب الشيوعي لأمريكا، وبدأوا في فعل شيء حيال ذلك.

ترى الباحثة بوني كريستيان، أن الولايات المتحدة، التي أصبحت مستثارة ضد الصين لا تدرك تماماً الطبيعة الأساسية لهذا التحدي.

تُحيي الصين الآن تقاليدها الإمبراطورية.

إذ يعتقد الرئيس الصيني أنه يجب على الجميع الاعتراف، ليس فقط بالهيمنة الصينية، ولكن أيضاً بالحكم الصيني، والعمل بلا كلل لإحياء مفهوم الحقبة الإمبراطورية بأن حاكم الصين لديه الحق والمسؤولية في حكم tianxia، أو كل شيء تحت السماء، حسب جوردون ج. تشانغ مؤلف كتاب “الانهيار القادم للصين”.

علاوة على ذلك، كان الأمريكيون بطيئين في إدراك عداء الصين. كانت حملات بكين المضللة ضد الولايات المتحدة، فيما يتعلق بوباء الفيروس التاجي واحتجاجات جورج فلويد، مذهلة في خداعها وخبثها، حسب The National Interest.

حتى الآن، اعتقدت مؤسسة السياسة الأمريكية أنها تستطيع التعامل مع بكين بالدبلوماسية التقليدية. كما قالت سوزان ثورنتون، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية، قبل يوم من خطاب بومبيو.

ولكن المشكلة أن أمريكا بحاجة إلى استراتيجية دقيقة ومدروسة للغاية لمواجهة التحدي المعقد للغاية الذي تقدمه الصين، والآن يبدو أن لدينا موقفاً صارماً والكثير من الإجراءات الاستفزازية التي لا تمثل استراتيجية ولا تحقق أي إنجاز واضح.

تبدو كلمات ثورنتون جيدة للأذن، لكن الولايات المتحدة استخدمت في الواقع “استراتيجية دقيقة ومدروسة” لعقود، ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية لم تكن قادرة على التعامل مع النظام العسكري الذي يقوده شي جين بينغ.

على سبيل المثال، في مساء يوم 15 يونيو/حزيران، قتلت القوات الصينية 20 جندياً هندياً، جنوب خط السيطرة الفعلية في الأراضي التي تسيطر عليها الهند في شرق لاداخ.

ترى المجلة الأمريكية أنه مع انخراط بكين في “دبلوماسية الذئب المحارب” في جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص على طول حدودها الجنوبية والشرقية، فإن استجابة أمريكا قوية، فقط لديها فرصة للنجاح، خاصة إذا كان النظام الآن، كما يبدو، غير قادر على أي سلوك مسؤول أو حتى الإصلاح.

سيتم قريباً إعادة نشر عدة آلاف من القوات الأمريكية التي تغادر القواعد في ألمانيا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي، لمواجهة القوة الصينية من مواقع، بما في ذلك غوام واليابان وهاواي.

جادل مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قائلاً: “في هذا المسرح، يواجه الأمريكيون وحلفاؤهم التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية منذ نهاية الحرب الباردة”.

وأضاف “على الولايات المتحدة نشر القوات في الخارج بطريقة أسرع وأكثر سرعة مما كانت عليه في السنوات الأخيرة”.

من المؤكد أن هذا التحول سيختلف في التكتيكات من البعثات الأخيرة الماضية، والانتقال من الحملات البرية إلى مفهوم AirSea Battle الذي تم تقديمه خلال سنوات أوباما.

ستكون القوات الأمريكية متمركزة بشكل آمن نسبياً في الأراضي الأمريكية، وعلى أرض الحلفاء، وليس كما هو الحال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بشكل ملحوظ في الدول المعرّضة للحرب الأهلية والتمرد والإرهاب والاحتلال الأمريكي، أو غيرها من أشكال الاحتلال الأجنبي.

ومع ذلك، في تناقض واضح مع الحروب الأمريكية ضد الأنظمة الضعيفة، مثل عراق صدام حسين أو الجهات الفاعلة من غير الدول مثل داعش أو طالبان، فإنها ستخاطر بإغراق الولايات المتحدة في صراع بين القوى العظمى مع منافس من الأقران.

في أسوأ الأحوال سوف تخاطر بإصابة وجودية للولايات المتحدة.

بينما تزيد من فرصة الحرب فإن جهود إدارة ترامب تجاه آسيا سوف تستنفد الموارد الأمريكية دون داعٍ، وتضعف العلاقات الأمريكية الصينية، حسب بوني.

التكاليف والأخطار هنا واضحة: حتى لو حصل ترامب على المدفوعات التي يريدها من كوريا الجنوبية واليابان لدعم عمليات الانتشار الأمريكية الكبيرة هناك -وهو أمر غير مؤكد على الإطلاق- فإن الإبقاء على قوات أمريكية أكبر وأكثر قوة في منطقة المحيط الهادي سيضيف إلى ميزانية البنتاغون الباهظة بالفعل.

كان هناك تعليق من الجيش الصيني بعد التدريبات البحرية الأمريكية، في أبريل/نيسان أكثر مباشرة، واتهم الولايات المتحدة علناً بانتهاك القانون الدولي والسيادة الصينية، وزيادة المخاطر الأمنية “بشكل مصطنع” في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وخلق فرص خطيرة لـ”حوادث غير متوقعة”.

وبالفعل فإن وجود أقوى جيش في العالم، بجوار ثاني أقوى جيش بالعالم في مناطق المحيط المتنازع عليها، يخاطر بصراع غير مقصود، ولو عرضياً، يمكن أن يتفاقم إلى حرب كارثية.

السؤال الأساسي إذن عن الضرورة. يقول أوبراين إن عمليات النشر هذه مطلوبة لأمن الولايات المتحدة.

لكن هذا بعيد عن الزعم، قد لا تكون الهيمنة الصينية على محيطها أمراً مرغوباً فيه، لكنها لا تشكل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة، وبالتأكيد ليس تهديداً يستحق تصعيد العلاقات الأمريكية الصينية السلبية أصلاً.

“تنفق الولايات المتحدة مرتين ونصف أكثر من الصين على جيشها، ولا يوجد دليل على أن الصين لديها طموحات لمطابقة أو استبدال التفوق العسكري الأمريكي على العالم حسبما يقول، مارك هانا، من مؤسسة أوراسيا جروب، ومركز وليام للسياسة الدولية.

 ويشير أحد المحللين إلى أن نصف الجيش الصيني مخصص بالكامل للحدود أو الأمن الداخلي، وهو ما يحد من قدرته على إبراز القوة خارج حدوده”.

كما أن استطلاعاً أجرته مؤسسة أوراسيا جروب، أظهر أن معظم الأمريكيين يفضلون الاعتماد على الحلفاء الإقليميين في آسيا، الذين مع وجود عسكري أمريكي منخفض، يمكنهم التحرك نحو الدفاع عن أنفسهم من خلال تولي مسؤولية أكبر عن الأمن في المنطقة”.

الصين لديها جيش أضعف من الولايات المتحدة، وبكين مشغولة بالمشاريع المحلية والإقليمية. يُحاصرها حلفاء الولايات المتحدة الموثوق بهم في كوريا الجنوبية واليابان.

إن زيادة الوجود العسكري الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادي يمكن أن يشعر بكين بأنها تحت التهديد، ويثير صراعاً لن يحدث في ظل نهج أمريكي أكثر حذراً.

فالتكاليف والمخاطر التي نتحملها بتوسيع العمل العسكري الأمريكي لمواجهة الصين ليست ضرورية ولا حصيفة، وهي ليست ما يريده الأمريكيون، حسب بوني. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى