تقارير وملفات إضافية

ماذا يريد هنري ليفي من ليبيا؟ سر زيارته إلى ترهونة التي أغضبت الجميع

أثارت زيارة الكاتب اليهودي الفرنسي المثير للجدل برنار هنري ليفي إلى ليبيا زوبعةً من الجدل، خاصة في المنطقة الغربية، وفتحت الحكومة الليبية تحقيقاً حول الجهة التي وجهت له دعوة لزيارة المقابر الجماعية في مدينة ترهونة (غرب). 

والمفارقة أن ليفي، الذي استُقبل في مدينة بنغازي (شرق) في 2011، استقبال الأبطال لدوره في إقناع صناع القرار في فرنسا بالتدخل عسكرياً لصالح الثورة الليبية ضد نظام معمر القذافي، لاقى معارضة شديدة من ثوار الأمس ونشطاء ليبيين في شبكات التواصل الاجتماعي عندما زار مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، السبت 25 يوليو/تموز 2020، وحاول كل مسؤول التبرؤ من هذه الزيارة.

فليفي، الملقب اختصاراً بـ”بي آش آل”، يحاول البعض تقديمه على أنه عراب تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليبيا، لدوره في إقناع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بقيادة تحالف دولي لإسقاط نظام القذافي بعد أن استعصى على الثوار الإطاحة به عبر المظاهرات أو العمل العسكري.

وأنصار زيارة ليفي إلى المقابر الجماعية المكتشفة في ترهونة، وهم قلة، يعتقدون أن بإمكانه التأثير على الرأي العام الدولي، وحتى على صناع القرار في العالم، لجر اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، إلى محاكمة دولية على جرائمه، مثلما فعل ذلك في البوسنة والهرسك، عندما سلط ليفي الضوء على مذابح المسلمين على يد الصرب، ودعا الناتو إلى التدخل في الحرب.

وكانت نتيجة ذلك تحركاً عسكرياً أمريكياً أوروبياً أنهى الحرب في البوسنة والهرسك بعد سلسلة غارات جوية متواصلة أجبرت صرب البوسنة على الاستسلام، ثم تم القبض على الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، وعدد من جنرالاته ومحاكمتهم في لاهاي بتهم الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، خلال خلال التسعينات.

لكن في ليبيا هناك رأي غالب يرفض زيارة ليفي إلى بلادهم، بالنظر إلى مواقفه المدافعة عن الصهيونية، باعتباره يهودياً من مواليد مدينة بني صاف غربي الجزائر في 1940، لكنه رحل إلى فرنسا مع رحيل الاحتلال.

وكتاباته عن التيارات الإسلامية جد متطرفة، ويعتبر أن ما يسميه “الإسلاموية” هي “آخر لؤلؤة سوداء أطلقتها النازية”.

وهذه الأسباب وغيرها جعلت معظم الليبيين سواء المؤيدون للحكومة الشرعية أو التابعون لحفتر أو أنصار القذافي لا يحملون كثير ود لبرنار هنري ليفي.

فبمجرد نزوله صباح السبت في مطار مصراتة، توالت التنديدات بزيارته وتوجيه تهم الخيانة للجهات التي استضافته.

فيما تبرأ المجلس الرئاسي للحكومة الليبية من هذه الزيارة وأمر بفتح تحقيق في الأمر، وهو نفس المطلب الذي دعا إليه خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة.

وتمكن ليفي من الوصول إلى ترهونة التي تبعد عن مصراتة بنحو 160 كلم، وزار إحدى المقابر الجماعية التي ارتكبتها ميليشيا الكانيات (اللواء التاسع) التابعة لميليشيات حفتر بالمنطقة، لكن في طريق رجوعه مرفوقاً بحماية “الشرطة” عائداً إلى مصراتة اعترض مسلحون غاضبون طريقهم دون إيذائهم.

وعلق ليفي، في تغريدة له على صورة لأفراد من الشرطة الليبية قائلاً: “بعد تقريري عن المقابر الجماعية. هؤلاء هم الشرطة الليبية الحقيقية التي تحمي الصحافة الحرة. تختلف كثيراً عن البلطجية الذين حاولوا منع قافلتي في طريق عودتي إلى مصراتة. سيتم نشر التقرير الكامل قريباً”.

وكان ليفي نشر أول تغريدة عن زيارته إلى ترهونة، قال فيها: “اليوم، 25 يوليو/تموز.. (في زيارة) للمقابر الجماعية في ترهونة.. هذه المدينة عانت الشهادة (القتل) أيام القذافي. وتم مؤخراً اكتشاف 47 جثة، بما في ذلك أطفال بأيدٍ مكبلة من الخلف: لقد استشهدوا على أيدي وكلاء داعمين لحفتر. حزني. وغضبي. وتضامني مع ترهونة”.

وأرفق التغريدة بصورة له وحوله عدد من المسلحين الليبيين يرتدون لباس الشرطة والجيش الرسمي.

القوة المشتركة التابعة لباشاغا تقوم بحماية بيرناد هنري ليفي أثناء جولته في شوارع مدينة مصراتة اليوم ..

عار مصراتة
عادي ليفي مش ملحد pic.twitter.com/BgtfXjHKCH

على الطرف الآخر، استغل أتباع حفتر وأنصار القذافي زيارة ليفي إلى مصراتة وترهونة، لتوجيه الانتقادات ضد حكومة الوفاق.

لكن قد لا تكون الخلفية الصهيونية لبرنار هنري ليفي وحدها سبب هذا الهجوم، إذ إن حفتر كان سباقاً لطلب دعم إسرائيل منذ 2015، في حربه للوصول إلى السلطة.

وقد يكون من الخطأ الاعتقاد بأن حفتر ضد الصهيونية، فيما تحدثت عدة تقارير إسرائيلية وغربية عن دعم تل أبيب لحفتر.

لكن ما يزعج معسكر الشرق التغريدة التي اتهم فيها ليفي، “وكلاء حفتر” بالوقوف وراء المقابر الجماعية.

وبالنظر إلى أن ليفي ليس مجرد كاتب صحفي عادي، فهو رجل أعمال ثري ومدير مجلة وسيناريست ويوصف أيضاً بالمفكر والفيلسوف، وله صوت مسموع بين أروقة صناع القرار في فرنسا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتتحدث وسائل إعلام أن اللوبي الصهيوني يقف وراء شهرته ونفوذه.

إذ له عدة مؤلفات حول: اليهودية، والهوية، والصهيونية، والأصولية الدينية.

فبسبب المقابر الجماعية وحقول الألغام في جنوبي طرابلس وترهونة، تشوهت صورة حفتر كثيراً لدى الغرب، رغم أنه حاول تلميعها ولو بصرف أموال كبيرة على شركات دعاية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا الصدد، يقول المستشار السابق لحفتر، المهندس محمد بويصير، المقيم بالولايات المتحدة، “حفتر على اتصال بإسرائيل منذ 2015، ليس بالسياسيين ولا الصحفيين، ولكن بالمخابرات العسكرية (أمان)، وهي التي رشحت له مائير بن منشه، رجلها السابق ليكون داعيته في أمريكا، وقد وقع معه عقداً بقيمة 5.5 مليون دولار للترويج له في واشنطن، سَجّله الأخير في وزارة الخارجية (الأمريكية)”.

لذلك فإن أخشى ما يخشاه حفتر أن تنتهي طموحاته في محكمة لاهاي وسجونها مع مجرمي الحرب الصرب وغيرهم.

فحتى اللوبي الصهيوني الذي دفع له حفتر ملايين الدولارات لتلميع صورته، يوشك اليوم أن ينقلب عليه، بعد احتراق أوراقه.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى