تقارير وملفات إضافية

لماذا يتقبل الأمريكيون انتهاك بلادهم لحقوق الإنسان العربي، وهل يمكن تغيير هذا الوضع؟

دَفَعَت الاحتجاجات ضد العنصرية مشاعر الفخر الوطني لدى الأمريكيين إلى أدنى مستويات لها على مرِّ التاريخ، وأصبح دور أمريكا في حماية حقوق الإنسان بالشرق الأوسط أو غيره من مناطق العالم مثاراً لمزيد من التشكك الذي كان موجوداً أصلاً قبل الأزمة.

فبالنسبة لكثيرٍ من الأمريكيين، تستدعي صور القوات الفيدرالية التي تهاجم المتظاهرين في مدن الولايات المتحدة تلك الصور التي اعتاد الأمريكيون رؤيتها في البلدان الاستبدادية. 

وأدى استمرار الحكومات المحلية وحكومات الولايات في انتهاك حقوق الأمريكيين المحتجين عبر على وحشية الشرطة وفي الوقت نفسه إدانة الولايات المتحدة لانتهاكات حقوق الإنسان بالخارج، إلى إظهار أمريكا في موقف متناقض، حسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

فمن وجهة نظر العديد من غير الأمريكيين، فإن التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان لطالما كان منافقاً. وربما لا يظهر نفاق دعم الولايات المتحدة لحقوق الإنسان في أيِّ مكانٍ آخر أكثر من الشرق الأوسط. 

إذ إن دعم الحكومة الأمريكية طويل الأمد للحُكَّام الديكتاتوريين الإقليميين، بغض النظر عن الجرائم التي يرتكبونها بحقِّ مواطنيهم، يرسل رسالةً مفادها أن الولايات المتحدة لن تستخدم نفوذها مع هذه الحكومات من أجل حماية حقوق الإنسان.

وهي نقطة وضحت بجلاءٍ في أخبار هذا الأسبوع حين أجازت وزارة الخارجية الأمريكية مبيعات الأسلحة لهذه الأنظمة الديكتاتورية دون النظر في مخاطر وقوع خسائر في صفوف المدنيين. 

هذا واضحٌ تماماً في نظر المواطنين المحليين، ومع ذلك لا يزال عصياً على الفهم بالنسبة للكثير من الأمريكيين. 

وبينما يدرك الأمريكيون أن الولايات المتحدة لا تفي دائماً بالتطلُّعات النبيلة بالخارج، لا يزال الكثيرون يصرون على أن سيطرة الولايات المتحدة في المنطقة تمثِّل الخيار الأقل سوءاً لسُكَّانها. 

يميل الكثير من الأمريكيين إلى افتراض أن هيمنة الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط أمرٌ مُحبَّذ لأن الولايات المتحدة سوف تدعم مفهوم حقوق الإنسان وفقاً لتصوُّرها عن هذه الحقوق. وبالامتداد المنطقي لهذه الفكرة، فإن سيطرة دولةٍ غير ديمقراطية، مثل الصين أو روسيا، من شأنها أن تولِّد ظلماً استبدادياً. 

ومع ذلك، فإن التأكيد على أن سكَّان المنطقة سوف يعانون في غياب الجيش الأمريكي يتجاهل المعاناة التي تحمَّلَتها المنطقة نتيجةً للوجود العسكري الأمريكي. إن التشدُّق بالكلمات حول المخاوف الإنسانية أثناء السعي النشيط من أجل فرض الهيمنة العسكرية الأمريكية يقوِّض الجهود حسنة النية لحماية حقوق الإنسان. 

يرى تقريرٌ حديث أصدره معهد كوينسي الأمريكي أن الولايات المتحدة لابد أن تشترط على شركائها الأمنيين التعامل مع المخاوف المُتعلِّقة بحقوق الإنسان. وفي الوقت الحاضر، لا تطرح الولايات المتحدة مثل هذه المطالب. 

وبالنسبة لسكَّان اليمن، فإن الدعم الأمريكي المُقدَّم للتحالف بقيادة المملكة السعودية قد مدَّد الحرب في الواقع. وفي ظلِّ إدارتي الرئيسين أوباما وترامب، لم تُبدِ الحكومة الأمريكية إلا القليق من القلق على حياة وحقوق اليمنيين. ومن المنظور اليمني، ليست السيطرة الصينية أو الروسية أسوأ من ذلك. 

وفي تلك الأثناء، فَقَدَ المعارضون السعوديون الأمل في أن الولايات المتحدة قد تستخدم أخيراً نفوذها لكبح جماح قمع الحكومة التي ازداد كثافةً في ظلِّ حكم وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان. أما انتهاكات دولة الإمارات العربية المتحدة لمواطنيها، وحتى لزوَّارها، فهي تمضي أيضاً دون تعليق. 

أما بالنسبة لسكَّان مصر، فتستمر المساعدات العسكرية الأمريكية لتعزيز نظام عبد الفتاح السيسي، مُمَكِّنةً إياه من اعتقال أيِّ شخصٍ يُشتَبَه في عدم ولائه له، بما في ذلك مواطنين أمريكيين. 

ويتمثَّل الخلل الأكبر في وهم الدعم الأمريكي لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط في استعداد الولايات المتحدة للتسامح وتمويل تجاهل إسرائيل لحقوق الفلسطينيين عبر عقودٍ من الاحتلال. 

تستمر الولايات المتحدة في الحفاظ على علاقاتها مع هذه الأنظمة طويلة الباع في الانتهاكات، لأنها بذلك تخدم هدفها المتمثِّل في الهيمنة العسكرية في المنطقة. وحتى تتخلَّى الولايات المتحدة عن هذا الهدف المُكلِّف وغير الضروري، سوف تستمر في تمويل وتسليح الديكتاتوريين الحريصين على جرِّها إلى صراعاتٍ إضافية. 

ورغم سجلنا السيئ في تعزيز الاستبداد، فإن السبب وراء إصرار الكثير من الأمريكيين على الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تمثِّل الأمل الأفضل لدى المنطقة من أجل حقوق الإنسان، هو أن الكثيرين مِنَّا يتمنون لو كان ذلك صائباً بالفعل. لا يزال الأمريكيون يعتقدون، أو يتمنون أن يعتقدوا، في صحة صورة بلدهم باعتباره منارةً للديمقراطية. 

لم يبدأ النفاق الأمريكي في الشرق الأوسط مع إدارة ترامب.

ولهذا السبب، فإن المُرشَّح الديمقراطي المُحتَمَل جو بايدن إذا فاز بالانتخابات الرئاسية، فإنه لن يعكس السياسة الخارجية السابقة على ترامب. وإذا أراد بايدن أن يسهم في استقرارٍ ملموس في المنطقة، فسوف تحتاج الولايات المتحدة أن تتبنَّى نموذجاً جديداً تماماً في نهجها تجاه الشرق الأوسط. 

وفي حقيقة الأمر، تتطلَّب الخطوة الأولى تحوُّلاً في السياسة المحلية، إذ لابد على الولايات المتحدة أن تتعامل مع المظالم المُمَنهَجة الناجمة عن تفوُّق الجنس الأبيض. وتشاهد الحكومات عبر العالم كيف تتعامل الولايات المتحدة مع الأزمة الحالية في الشرعية، بينما تكافح المؤسَّسات الحاكمة للاستجابة لمطالب شعبية للعدول عن انتهاكات حقوق الإنسان المتفشية في أجهزة إنفاذ القانون الأمريكية. وسوف يقدِّم الاعتراف بالأخطاء وتبني الإصلاحات نموذجاً للشركاء الأمنيين ليحتذوا به. 

أما الخطوة التالية فهي أن تتبنَّى الحكومة الأمريكية نهجاً مُتعدِّد الأطراف إزاء حقوق الإنسان. ستُخدَم المصالح الأمريكية والمنطقة بصورةٍ أفضل من خلال إعطاء الأولوية للمشاركة مُتعدِّدة الأطراف، حيث تعمل الولايات المتحدة باعتبارها طرفاً في عمليةٍ مُتعدِّدة الأطراف، بدلاً من تحمُّل التكاليف والمسؤوليات الناتجة عن استخدام القوة بصورةٍ أحادية. 

ومن خلال نمذجة المشاركة الدبلوماسية في عمليةٍ مُتعدِّدة الأطراف، ستعزِّز الولايات المتحدة التعاون الدولي مع اكتساب قدر أكبر من الاحترام، مما يفتح الباب لمزيدٍ من التفاعلات البنَّاءة مع الحكومات التي يُنظَر لها حالياً على أنها خصوم. 

لكن التحرُّك على أساسٍ مُتعدِّد الأطراف يتطلَّب التخلي عن سعي الولايات المتحدة طويل الأمد نحو الهيمنة الإقليمية. وتبني نموذج جديد لمشاركة الولايات المتحدة في المنطقة، وهو نموذجٌ قائمٌ على التعاون والدبلوماسية في مقابل الإكراه والعدوان، سيسمح للولايات المتحدة بالتحرُّك بطريقةٍ تتماشى مع القيم التي لا يزال العديد من الأمريكيين يعتقدون أنها تميِّز هذا البلد. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى