آخر الأخبار

تعارضها أمريكا وإسرائيل والصين وحاكمت رئيسين عربيين.. إليك تاريخ المحكمة الجنائية الدولية

بعد مرور 15 عاماً على اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في بيروت، 14 فبراير/شباط 2005، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها بإدانة المتهم سليم عياش وتبرئة آخرين “لعدم ثبوت الأدلة”. 

المحكمة التي أُنشئت في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2005، بناءً على طلب قدمته الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة، حدّدت بالاسم للمرة الأولى تاريخ لبنان عن هوية مدبر ومنفذ جريمة اغتيال سياسية في بلد شهد الكثير من الاغتيالات دون محاسبة أو توجيه اتهامات.

بعدما طلبت الحكومة اللبنانية محاكمة دولية في اغتيال الحريري، دخل قانون إنشاء المحكمة حيز التنفيذ، في 10 يونيو/حزيران 2007، وعقدت أولى جلساتها العلنية بلاهاي في هولندا، في مارس/آذار 2009.

وفي 18 يناير/كانون الثاني 2011، أعلن رئيس قلم المحكمة، هرمان فون هايبل، أن المحاكمة يمكن أن تبدأ في سبتمبر/أيلول، أو أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، بـ”وجود أو غياب المتهمين”.

وشكّلت المحكمة ملف نزاع كبيراً على مدى السنوات الماضية بين الأطراف المتنازعة في لبنان، حول مصداقية المحكمة وإمكانية تسييسها، ورفض حزب الله تسليم عناصره المتهمين.

وتعتبر قضية اغتيال الحريري واحدةً من أشهر القضايا التي نظرت فيها المحكمة، ولكن بعد صدور قرار اتهام عياش، ما هو نفوذ هذه المحكمة، ومن أسَّسها أصلاً، وما أبرز القضايا التي أصدرت حكماً فيها؟

بتاريخ الاغتيالات السياسية التي شهدها #لبنان، عرف اللبنانيون الحقيقة. أهمية هذه اللحظة التاريخية، هي الرسالة للذين ارتكبوا هذه الجريمة الارهابية وللمخططين وراءهم، بأن زمن استخدام الجريمة في السياسة من دون عقاب ومن دون ثمن، انتهى! pic.twitter.com/L3lpSazfFo

بدأت فكرة طرح تأسيس محكمة جنايات دولية في عام 1872، بعدما نادى الحقوقي السويسري غوستاف مونييه، أحد مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بضرورة إنشاء واستحداث محكمة جنائية دولية لمنع مخالفات اتفاقية جنيف لعام 1864، الخاصة بجرحى الحروب.

واقترح مونييه أن تضم المحكمة في قوامها ممثلاً عن كل طرف من الطرفين المتحاربين و3 ممثلين عن الدول المحايدة ينتخبون بالقرعة.

وبيّن في مقترحه أن المحكمة لا تنظر في قضية ما من تلقاء نفسها، بل تنتظر طلباً دولياً، أما تنفيذ الحكم فإنه يقع على عاتق الدولة التي صدر الحكم ضد أحد رعاياها.

ولكن لم تجد فكرة مونييه قبولاً حقيقياً في أوساط القوى العالمية، التي كانت منشغلة في حروبها آنذاك.

وبعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى التي كانت خسائرها مروعة، شعر المجتمع الدولي بضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية لمعاقبة مجرمي الحرب.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، شكّلت دول الحلفاء المنتصرة محاكمتين دوليتين هما محكمة نورمبيرغ عام 1945، ومحكمة طوكيو عام 1946، إلا أنها تشكّلت مؤقتاً من الدول المنتصرة، ولم تأخذ طابعاً قانونياً دولياً.

وعلى إثر ذلك، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من لجنة القانون الدولي إعداد مشروع يحدد الأعمال التي تعد في نظر فقه القانون جرائم ضد الإنسانية.

النطق بالحكم في قضية الرئيس الشهيد #رفيق_الحريري ورفاقه الشهداء – الجلسة الثانية: إدانة سليم عياش بجريمة الاغتيال وتحديد ٢١ أيلول موعداً لإصدار العقوبة @STLebanon pic.twitter.com/zujli9TzhK

وبعد انتهاء الحرب الباردة إثر انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وحدوث المجازر الإنسانية في البوسنة والهرسك وإفريقيا، تجددت الدعوات إلى ضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب.

انتهى الأمر بإنشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة، استناداً إلى قرارات مجلس الأمن الدولي لعام 1993/ 1994.

وفي 17 يوليو/تموز 1998، أقرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة “ميثاق روما“، الذي اعتبرته قاعدة لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، وحينئذ وافقت 120 دولة على هذا الميثاق، وعارضت هذه الفكرة 7 دول هي الولايات المتحدة وإسرائيل والصين والعراق وقطر وليبيا واليمن، وامتنعت 21 عن التصويت.

اعتبر الميثاق أن ملايين الأطفال والنساء والرجال في القرن العشرين -الذي شهد حربين عالميتين- وقعوا “ضحايا لفظائع هزّت ضمير الإنسانية بقوة”، وأن مثل هذه الجرائم لا يجوز أن تمر دون عقاب.

وبموجب هذا الميثاق، تأسّست المحكمة الجنائية الدولية بصفة قانونية في مدينة لاهاي الهولندية، في 1 يوليو/تموز 2002، للنظر حصراً في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

وبعدها بـ5 سنوات، صادقت العديد من الدول الأخرى على قانون المحكمة، حتى وصل عددها إلى 108 دول، حيث تلتقي في جمعية للدول الأعضاء، وهي هيئة تراقب عمل المحكمة، كما وقعت 41 دولة أخرى على ميثاق روما، لكنها لم تصادق عليه بعد، والآن يبلغ عدد الأعضاء 163 دولة.

جدير بالذكر أنه عادة ما يحدث لبس بين محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية؛ الأولى تنظر في النزاعات بين الدول، أما المحكمة الجنائية الدولية فتنظر في محاكمات الأفراد.

 يمكن للمحكمة أن تنظر بقضايا أشخاص متهمين بارتكاب جرائم إبادة أو ضد الإنسانية أو جرائم حرب، أو آخرين لديهم مسؤولية غير مباشرة فيها، إلى جانب النظر في المسؤولية عن الإعداد أو التخطيط، أو التغطية عنها، أو التشجيع عليها.

تتكون المحكمة من:

وبحسب قانون المحكمة، فإنه يمكن للدول المصادقة على المحكمة أو مجلس الأمن الدولي أن تحيل على المدعي العام قضايا تتعلق بهذا النوع من الجرائم، على أن تتعاون هذه الدول معها في التحقيقات والمتابعات التي تباشرها.

ومن أوجه التعاون تسليم المتهمين إن كانوا من مواطنيها، أو تعتقلهم وتسلمهم إن دخلوا أراضيها، وبأن توفر كل الوثائق المتوفرة لديها في أي قضية تفتح المحكمة التحقيق فيها.

أما بالنسبة للدول غير المصادقة على الميثاق، فيمكن للمحكمة أن تتعاون مع هذه الدول عبر تفاهمات أو اتفاقات منفصلة، كما يربط المحكمة بالأمم المتحدة اتفاق ينظم العلاقات وسبل التعاون بينهما، وبذلك تختلف المحكمة الجنائية الدولية عن محكمة العدل الدولية التي تعتبر ذراعاً تابعة للأمم المتحدة، تهدف من خلالها لحل النزاعات بين الدول.

#motivationmonday
Become a part of a global movement that strives to build a #morejustworld. Find campaigns, exhibits, stories, infographics, resources, and key information on what action you can take. https://t.co/RfmOTOZuuh

الغرض من المحكمة أن تكون محكمة ملاذ أخير، فتحقق وتحاكم فقط في حالة فشل المحاكم الوطنية في القيام بذلك، وطلبت الدول الاحتكام إليها.

كما يمكن تقديم دعوى للمحكمة لو تم تجميع 100 ألف توقيع أو تصديق من أشخاص وقعت عليهم جرائم عنصرية أو إبادة جماعية أو اضطهاد عرقي أو مذهبي أو جرائم مشابهة.

أصدرت المحكمة في لاهاي أمرين باعتقال الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، عامي 2009 و2010، بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور غربي السودان.

في حين ينفي البشير صحة الاتهامات، ويتهم المحكمة بأنها مسيّسة، وكان من المقرر أن تسلم الحكومة البشير للمحكمة الدولية، في 11 فبراير/شباط 2020، لكنه ما زال في السجون السودانية.

يستعد سيف الإسلام القذافي لمحاكمة حاول التملص منها مراراً، (بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بالقتل والاضطهاد) يُزعم أنها ارتكبت في جميع أنحاء ليبيا من خلال جهاز الدولة وقوات الأمن.

كان التهمة بداية ضد معمر القذافي، لكنها أسقطته من دعواها بعد وفاته العام 2011.

وكان القذافي حاول أن يستأنف قرار محاكمته من قبل هذه المحكمة لأسبقية محاكمته على نفس التهم أمام القضاء الليبي، وصدور قرار عام بالعفو عنه، لكن دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية، قضت بالإجماع بقبول القضية المرفوعة ضد سيف الإسلام، في مارس/آذار 2020.

ولا تزال القضية في مرحلة ما قبل المحاكمة، في انتظار نقل سيف الإسلام إلى مقر المحكمة في لاهاي.

تستعد المحكمة الجنائية للنظر في فتح تحقيق ضد تل أبيب، بطلب من المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا.

وأعلنت بنسودا، في مايو/أيار 2020، أن ثمة أساساً لإطلاق تحقيق في “جرائم حرب” ارتكبت في فلسطين، بما يشمل الضفة الغربية المحتلة، والقدس الشرقية، وقطاع غزة.

وحال أقرت المحكمة بسلطة بنسودا لفتح التحقيق، فإن ذلك سيضع مسؤولين إسرائيليين بينهم رئيس الوزراء، ووزراء، ورئيس أركان الجيش، ورؤساء المجالس المحلية بالمستوطنات وغيرهم، أمام إجراءات جنائية وربما أوامر اعتقال.

وإذا قرّرت إسرائيل في هذه الحالة مقاطعة المحكمة وعدم التعاون معها، فإن الأخيرة قد تُصدر أوامر اعتقال سرية ضد إسرائيليين، دون أن تعلم تل أبيب بالضرورة بشأنها، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إسرائيل الحذر بشأن سفر مسؤوليها وكبار ضباطها للخارج تحسباً لاعتقالهم، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.

يعتبر توماس لوبنغا، زعيم إحدى الميليشيات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أول شخص تم تقديمه للمحكمة الجنائية الدولية بعد تأسيسها عام 2002، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

اتُّهم لوبانغا بتجنيد الأطفال دون سن الـ15 في ميليشيا القوات الوطنية لتحرير الكونغو واستغلالهم، ما بين سبتمبر/أيلول 2002، وأغسطس/آب 2003.

وفي عام 2012، حكمت المحكمة الجنائية الدولية على لوبانغا، بالسجن 14 عاماً.

وفي عام 2012، مثل الزعيم السياسي السابق لصرب البوسنة رادوفان كاراديتش، أمام محكمة جرائم الحرب.

كانت تهمته ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال حرب البوسنة، من بينها مذبحة سربرينيتشا الشهيرة، والتي راح ضحيتها الآلاف من مسلمي البوسنة، وترحيل عشرات الآلاف من الكروات في عملية تطهير عرقي لإقامة دولة صربية في البوسنة.

في 24 مارس/آذار 2016، حُكم عليه بالسجن لمدة 40 عاماً، وفي عام 2019 رفضت المحكمة استئنافه، ورفعت الحكم إلى السجن مدى الحياة واتهمته بالمسؤولية المباشرة عن “أسوأ الجرائم التي ارتُكبت في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية”.

بذلت محكمة الجنايات الدولية جهوداً حثيثة لمحاسبة مرتكبي جرائم ضد البشرية، وقد نجحت في الكثير منها، ولكنها لم تعمل على تحقيق العدالة في العديد من القضايا الأخرى.

ومن أسباب عدم محاسبة المدانين عدم انضمام أو تعاون الكثير من دول العالم لميثاق المحكمة، وممارسة هذه الدول للضغوطات المستمرة على المحكمة، وبالتالي فإن دورها لا يتمتع بالقوة الدولية.

ولفهم الصورة بشكل أدق، في 12 أبريل/نيسان 2019، رفضت دائرة تمهيدية في محكمة الجنايات الدولية بالإجماع، فتح تحقيق رسمي في الجرائم التي ارتكبتها “قوات الأمن الوطني” الأفغانية، و”وكالة الاستخبارات المركزية” والجيش الأمريكي في أفغانستان، المقدمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، على الرغم من مصادقة أفغانستان وعضويتها في محكمة الجنايات الدولية.

سبب الرفض هو تهديد حكومة الولايات المتحدة بمنع أي تحقيق محتمل للمحكمة الجنائية الدولية قد يشمل مواطنين أمريكيين أو مواطنين من دول حليفة للولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة ستفرض قيوداً على تأشيرات موظفي المحكمة الجنائية الدولية المسؤولين عن التحقيق المحتمل في أفغانستان، وبالتالي حُرم الأفغانيون من تحقيق العدالة.

كما هدّدت إدارة الرئيس دونالد ترامب مراراً وتكراراً بشكل علني، بعرقلة تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في أفغانستان وفلسطين، والتي يمكن أن تحقق في سلوك المواطنين الأمريكيين والإسرائيليين.

وبالتالي، يمكن القول إن المحكمة الدولية ذات طابع سياسي، بسبب إنشائها من قبل هيئة سياسية هي مجلس الأمن، والذي يعتمد في قراراته على تقديرات سياسية محكومة بمصالح الدول المؤثرة فيه.

وإن كانت لا تملك أدوات تنفيذ العدالة، إلا أن قراراتها تغير إلى حد بعيد التوجهات السياسية داخل الدول التي تلجأ لقُضاتها بحثاً عن العدالة. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى