تقارير وملفات إضافية

السعودية تعمل على “الكعكة الصفراء” النووية وصواريخ باليستية بعيدة المدى.. فلماذا يُقلق هذا أمريكا وإسرائيل؟

تقف السعودية حائرة بين التحالفات مع الكبار، فلئن كانت لا تفضل أن تحل الصين بدلاً من الولايات المتحدة حليفها التاريخي، إلا أنها تنظر إلى بكين على أنها أقل تشدداً من واشنطن في إلزام الدول المستفيدة من مساعدتها في بناء برامجها النووية بالمعايير الدولية ذات الصلة بحظر انتشار الأسلحة النووية.

كان من الطبيعي أن تفقد الرياض ثقتها بالبيت الأبيض على إثر الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفط شركة “أرامكو”، منتصف سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وتخلي الولايات المتحدة عن دعمها في مواجهة “التهديدات الإيرانية”، وعدم وقوفها إلى جانبها في محاولتها الرد على طهران التي يُعتقد أنها تقف خلف تلك الهجمات.

كما أن السعودية تفضّل واشنطن على بكين وموسكو لتحالفهما مع إيران العدو التقليدي للسعودية، وما قد تواجهه من اعتراضات منهما في حال قررت المضي قدماً بإنتاج أسلحتها النووية.

ومؤخراً أعرب مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون وغربيون عن مخاوفهم بشأن الأنباء التي تحدثت بها صحف أمريكية عن بناء منشأة نووية جديدة في الصحراء السعودية بالقرب من الرياض بمساعدة الصين، لإنتاج “الكعكة الصفراء”، المادة الأساسية في عمليات تخصيب اليورانيوم اللازم لإنتاج الأسلحة النووية.

وتقع منشأة إنتاج “الكعكة الصفراء” في إحدى البلدات شمال غربي السعودية في منتصف الطريق بين المدينة المنورة وتبوك.

وبالإضافة إلى التعاون في مجال المفاعلات النووية، تساهم الصين بشكل أساسي في تطوير القدرات السعودية لإنتاج وتطوير الصواريخ البالستية بعيدة المدى.

وتشير تقارير إلى أن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل تتخوفان من أن يكون مصنع الصواريخ في الصحراء السعودية الذي تبنيه الصين يمكن أن يكون لصواريخ نووية، بعد معلومات كشفت أن تصميمه مشابه إلى حد بعيد لتصميم مصنع مماثل في باكستان يعمل منذ التسعينيات.

ويمكن بامتلاك السعودية بمساعدة صينية القدرة على إنتاج الكعكة الصفراء أن تتيح لها إمكانية القدرة على تخصيب اليورانيوم وإنتاج أسلحة نووية في غضون عدة أشهر، إذا قررت عدم الالتزام بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

وحتى العام 2016، فإن التقارير الدولية تؤكد أن السعودية لا تمتلك سوى بنية تحتية بدائية لمشاريع الطاقة النووية للاستخدامات المدنية، وتفتقر تماماً إلى الموارد التقنية لتطوير قدراتها على إنتاج أسلحة نووية دون مساعدة خارجية.

وتؤكد السعودية دائماً على أن مشاريعها النووية هي للاستخدامات المدنية حصراً، لكن تصاعد حدة التوترات مع إيران في المنطقة قد يفتح الباب أمام السعودية للدخول في سباق تسلح نووي مع إيران، والتي يتعرض برنامجها النووي لرقابة دولية مشددة التزاماً منها باتفاق الدول الخمس الكبرى وألمانيا عام 2015، وهو الاتفاق الذي ألغته الولايات المتحدة من جانب واحد، وتهدد إيران بالخروج منه.

وللسعودية اتفاقيات تعاون ثنائية في مجال الطاقة النووية مع عدد من الدول، مثل فرنسا والأرجنتين وكوريا الجنوبية وكازاخستان لبناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول العام 2040، بكلفة تتعدى 80 مليار دولار، يقول مسؤولون سعوديون إن الغرض منها تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية، واستخدامها لتشغيل محطات تحلية المياه.

وتخطط السعودية لبناء مفاعلين كبيرين للطاقة النووية، لإنتاج كميات من الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى مفاعلات صغيرة تُستخدم لتغدية مشاريع تحلية المياه.

وتعد الطموحات السعودية في اللجوء إلى خيارات الطاقة النووية للاستخدامات المدنية جزءاً من طموحات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي أقر عام 2006 برنامجاً مشتركاً للدول الست.

والخطط النووية السعودية مدرجة في رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد لتنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط الذي يشكل أكثر من 90% من إيرادات الموازنة.

وأظهرت صور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية نشرتها صحف أمريكية، في 16 مايو/أيار الماضي، لسقف ثانوي شبه مكتمل يخفي الكتلة الأساسية للمفاعل الذي كان مرئياً في صور سابقة ملتقطة منتصف مارس/آذار، قد أثارت مخاوف دول عدة من البرنامج السعودي واستخداماته الحقيقية.

تتخوف إسرائيل من إقدام السعودية بالتأسيس لبنية تحتية لبرنامج تسلح نووي مستقبلاً، استناداً إلى تصريحات سابقة لولي العهد السعودي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تحدّث فيها لقناة إخبارية أمريكية، عن أن بلاده ستحذو حذو إيران في أقرب وقت إذا قامت الأخيرة بتطوير قنبلة نووية. 

ولا يُخفي الإسرائيليون مخاوفهم من احتمالات وجود برنامج نووي تسليحي سعودي، على الرغم من وجود تحالف إسرائيلي سعودي أمريكي مع دول أخرى، في مواجهة التهديدات الإيرانية، بعد تصاعد حدة التوترات في المنطقة.

وتزايدت تلك التوترات في أعقاب إلغاء الاتفاق النووي من قِبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مايو/أيار 2018، وإعادة العقوبات الأمريكية على إيران “حملة الضغط الأقصى”، في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.

وعلى الرغم من ذلك، يحرص المسؤولون الإسرائيليون على التعامل مع البرنامج النووي السعودي بحذر شديد، لاستمرار التحالف “الضمني” بينهما، والشراكة في مواجهة إيران، والحيلولة دون الإضرار بعلاقات تسعى إسرائيل للوصول إليها بعد توقيع اتفاقية السلام مع دولة الإمارات الحليف الأقرب والأوثق للسعودية.

تعتقد السعودية بضرورة امتلاك سلاحها النووي كقوة ردع في مواجهة امتلاك إيران، أو سعيها الجدي لامتلاك الأسلحة النووية، وما قد تشكله من تهديد وجودي للدولة السعودية.

ومن خلال قراءة المواقف الرسمية السعودية حول الأسلحة النووية يمكن الوصول إلى أن المملكة تعمل في اتجاهات ثلاثة: 

الأول: السعي لإنتاج السلاح النووي كقوة ردع في مواجهة التهديدات المحتملة.

الثاني: توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع إحدى الدول النووية.

الثالث: المضي بقيادة أو دعم مساع دولية لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية.

وقد يبدو الاتجاه الأول لامتلاك أسلحة نووية هو الأكثر واقعية، ويمكن تحقيقه دون ارتهان جزء من قرارها السيادي لدولة أو أخرى توقّع معها اتفاقية دفاع مشترك، مع الإقرار بعدم واقعية الدعوات لمنطقة خالية من السلاح النووي بوجود عشرات الرؤوس النووية لدى إسرائيل، التي ترفض مجرد الحديث عن ذلك، بالإضافة إلى أنها حتى الآن لا تنكر امتلاكها أسلحة نووية، كما أنها لا تؤكد ذلك.

وحتى وقت قريب، ظلّ الاعتقاد السائد في الأوساط الغربية أن السلاح النووي الباكستاني هو جزء من آليات قوة الردع السعودية في مواجهة التهديدات الخارجية.

وتشير معظم التقارير أن أموالاً سعودية كانت وراء امتلاك باكستان أسلحة نووية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بعدما قامت الصين بتقديم ما يكفي من مادة اليورانيوم المخصب، لإنتاج قنبلتين نوويتين ضمن برنامج سري.

وفي تصريحات أدلى بها عام 2013 عاموس يادلين، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، بين عامي 2006 و2010، تحدّث عن أن حصول إيران على القنبلة النووية سيمكن السعوديين من الحصول على قنبلة نووية خلال شهر واحد من باكستان، حيث دفعوا بالفعل ثمنها.

وتنفي السعودية صحة التقارير التي تشير إلى تعاون باكستاني سعودي في مجال الأسلحة النووية، أو ما يتعلق بمساعدات مالية سعودية للبرنامج النووي الباكستاني، من منطلق توقيعها على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ودعواتها المتكررة إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية، في إشارة إلى إسرائيل وإيران.

وتنطلق معظم الدول المعنية بالتعاون السعودي الباكستاني في المجال النووي، باعتقادها أن الأموال السعودية في حقيقتها هي جزء من صفقة ثنائية بين البلدين، تتلخص في تقديم السعودية المال لباكستان، لإنتاج أسلحة نووية في مقابل تمكن السعودية من نقلها واستخدامها إذا دعت الضرورة.

في مقابل ذلك، قد لا يرضي طموح السعودية استمرار الاعتماد على أسلحة ردع باكستانية تمتلك إسلام آباد قرارها، وتفضل على ذلك امتلاك قوة ردع نووية خاصة بها، تنسجم مع مكانتها في العالم الإسلامي.

ويرى مراقبون أن علاقات السعودية مع الحكومات الباكستانية ليست جيدة على الدوام، بينما تحتفظ بعلاقات قوية ثابتة مع قيادات الجيش الباكستاني. ويستدلون على ذلك بالخلافات السعودية الباكستانية الأخيرة حول انتقادات إسلام آباد لموقف الرياض من قضية كشمير المتنازع عليها مع الهند، في ذات الوقت كان قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجواه يزور الرياض منتصف الأسبوع الماضي، في محاولة لتخفيف حدة الخلاف بين البلدين.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى