تقارير وملفات إضافية

من الحرس الثوري لترامب: نشكركم على حسن تعاونكم.. لماذا يبدو تهديد ترامب للبحرية الإيرانية مفيداً للجميع؟

“سندمر أي قِطع بَحرية تتحرش بسفننا”، يبدو أن تهديد ترامب للإيرانيين بتدمير سفنهم إذا عاودت التحرش بالبحرية الأمريكية مفيد للجميع.

فالتهديد الذي وجَّه الرئيس الأمريكي لخصومه الإيرانيين ساهم في إنقاذ النفط المتداعي، وهو من الأمور النادرة التي يتفق فيها ترامب مع الإيرانيين.

فكلاهما لا يريد انهيار أسعار النفط، وفي الوقت نفسه فإن التهديد وما صحبه من تصعيد البلدين، قد يبعدان الأنظار قليلاً عن فشل قيادتي البلدين في معالجة أزمة كورونا.

بعد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستهداف الزوارق الإيرانية حقق النفط مكاسب بنسبة 15%، وهي ليست فقط نسبة كبيرة، ولكنها تأتي في وقت شهد العالم أعجوبة من أعاجيب الاقتصاد، عندما تم بيع البرميل من خام غرب تكساس الأمريكي يوم الإثنين 20 أبريل/نيسان، بسالب 37 دولاراً.

بالنسبة للإيرانيين كان التحرش بالسفن الحربية الأمريكية محاولة جديدة لإزعاج الأمريكيين وعملية استعراضية يداعب فيها مشهد سفن الحرس الثوري الصغيرة وهي تدور حول السفن الأمريكية العملاقة المشاعر الوطنية الإيرانية المستنزفة.

التحرش كان بمثابة مغامرة محدودة العواقب تهدف إلى توحيد الصف الداخلي الممزق بعد سلسلة من الإخفاقات منذ اغتيال سليماني، أبرزها إسقاط الطائرة الأوكرانية وأزمة تفشي كورونا.

أما رد ترامب الذي بدا بلهجة شديدة الحزم تُظهره كقائد قوي فإنه بالإضافة إلى رفعه أسعار النفط فإنه يرمم صورته في الداخل التي تكرست كرئيس مضطرب ومتقلب في معالجة أزمة فيروس.

فتوحيد الأمة في مواجهة عدو خارجي لعبة يجيدها القادة الإيرانيون وترامب على السواء وبابتذال أحياناً.

كما أن التهديد رفع أسعار النفط ولو قليلاً، وهو أمر مهم لشركات النفط الصخري الأمريكية التي تتركز في ولايات تمثل معاقل ترامب التقليدية مثل تكساس وأوكلاهوما، وداكوتا.

وقال ترامب على تويتر: “لقد أمرت البحرية الأمريكية بإسقاط وتدمير أي وجميع الزوارق الحربية الإيرانية إذا تحرشوا بسفننا في البحر”.

ثم قال في مؤتمر صحفي لاحقاً، إنه لا يغير قواعد الاشتباك العسكرية.

واتهم الجنرال أبو الفضل شكّارشي، المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، ترامب بـ”التنمر”، وقال إنه يجب أن يركز على مشكلة الفيروس التاجي في بلاده.

وأضاف شكّارشي: “لدى الولايات المتحدة أكثر من 840.000 حالة مؤكدة من COVID-19، وضمن ذلك 3500 حالة داخل الجيش الأمريكي”.

في غضون ذلك، هناك مخاوف من أن إطلاق إيران للأقمار الصناعية سيسمح لها بتطوير صواريخ باليستية قادرة على تهديد الولايات المتحدة، على الرغم من أن طهران تنفي ذلك.

ولكن هل يمكن أن يؤدي هذا التصعيد إلى وقوع حرب.

الخيارات التقليدية لطهران محدودة، لأنها لا تستطيع الفوز في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة.

لذا، يسعى النظام بدلاً من ذلك إلى استفزازات تستحوذ على عناوين الصحف؛ لإثارة الجدل السياسي في الديمقراطيات المفتوحة -في أوروبا والولايات المتحدة- مع تجنب الانتقام العسكري المباشر.

في المقابل فإن استراتيجية ترامب لمواجهة إيران هي فرض أقصى ضغط لكسب أقصى قدر من النفوذ قبل المفاوضات لتفكيك برنامجها النووي ومعالجة أنشطتها الأخرى مثل البرامج الصاروخية ودعهما للمليشيات التابعة لها.

كل ذلك مع تجنب التشابك العسكري أو اتباع سياسة تغيير النظام.

فترامب بعقلية التاجر، يركز في خطابه للشعب الأمريكي دوماً على أنه الرجل الذي جاء ليملأ جيوبهم بالنقود، لا ليورط أمريكا في حروب عبثية.

ويدرك القادة الإيرانيون أن العقوبات الأمريكية قد تسبب بالفعل في انهيار اقتصادهم، ويمكن أن تُسقط نظامهم إذا لم يتم رفعها.

حاول الإيرانيون الاستفادة من حرص ترامب الظاهر على عدم التورط عسكرياً، في تنفيذ عمليات خاطفة محدودة تثير الاضطراب ولا تؤدي إلى الحرب.

وبالفعل بدا الأمريكيون صبورين وغير ميّالين للتصعيد رغم هجمات منسوبة لإيران في الخليج وقصف شركة أرامكو السعودية، حتى إن ترامب أعلن أنه ألغى عملية انتقام أمريكية أمر بها بعد إسقاط طائرة أمريكية مسيّرة باهظة الثمن.

كان شعور الإيرانيين بأن ترامب لا يريد التورط في عمل عسكري، مع إصراره على استمرار العقوبات، دافعاً لهم للتصعيد.

ولكن الأمريكيين تخلوا عن حذرهم عندما تجرأ الإيرانيون ونظّموا أعمال شغب ضد السفارة الأمريكية في العراق ثم  قصفوا قاعدة أمريكية ببلاد الرافدين؛ مما أدى إلى مقتل مقاول أمريكي وإصابة آخرين.

قرر ترامب أن يعيد رسم قواعد اللعبة وإبراز الخطوط الحمراء، بدم قاسم سليماني أشهر الأيقونات الفارسية الحديثة.

وفهِم الإيرانيون الرسالة، وجاء انتقامهم لاغتيال سليماني باهتاً لا يلائم فجيعتهم.

ومع انشغال العالم بأزمة كورونا التي تزداد وطأتها على إيران في ظل الحصار، عاود الإيرانيون الأنشطة المحدودة الرامية لمحاولة خلق أوضاع مضطربة للأمريكيين وليس المواجهة معهم.

وكان التحرش بالسفن الأمريكية نموذجاً جديداً، لا يؤدي إلى خسائر بشرية، ويتسم بطابع استعراضي أمام الداخل الإيراني المنكوب.

ولكن ترامب أيضاً أراد أن يستفيد من الأزمة، فرمَّم بردِّه الزاعق صورته المتداعية، ورفع أسعار النفط المنهارة قليلاً، فقدم خدمة لنفسه وللإيرانيين.

وليُثبت الطرفان أنهما ينتميان إلى نوع واحد من السياسيين الأقرب لتجار الأسواق الشعبية، يميلون للمزايدة والتصعيد دون الوصول إلى المعركة الصفرية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى