منوعات

السجن أو العزل.. ثورة على التقاليد ونهايات مأساوية لحفلات الزفاف العربية في زمن كورونا

حفلات الزفاف في زمن فيروس كورونا باتت مهددة بنهايات مآساوية في العديد من الدول العربية.

على كوبري قصر النيل، أشهر جسر على النيل في القاهرة، سارت حفنةٌ من الرجال المُحتفِلين في شوارع العاصمة المصرية شبه الفارغة.

توقَّفوا على الكوبري، وتصدَّر المشهد زوجان حديثا الزواج، والتفَّ حولهما الأقارب المُحتفِلون، آملين في التقاط صورة في هذه البقعة الشهيرة الجميلة من المدينة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة  New York Times الأمريكية. 

لكن الشرطة، المُكلَّفة بفرض التباعد الاجتماعي، كان لها رأيٌ آخر. كانت مَركَبَةٌ شرطية تقطع الجسر ذهاباً وإياباً، مُطلِقةً صافرات الإنذار، بينما يصيح الضباط آمرين المُحتفِلين وغيرهم من المُتجمِّعين بالتحرُّك والابتعاد عن بعضهم. 

تكرَّرَ هذا المشهد نفسه عبر أيامٍ عديدة خلال الأسبوع الماضي في القاهرة، حيث عجزت الجائحة العالمية لفيروس كورونا المُستجَد عن إطفاء تشوق الأزواج الجدد للاحتفال بأعراسهم. ومثل غيرهم عبر الشرق الأوسط، فقد عقدوا حفلات الزفاف، حتى مع إغلاق الفنادق، وتبدُّد الآمال في قضاء رحلةٍ لشهر العسل، وفرض حظر التجوال. 

في الإمارات العربية المتحدة، يمكن للأزواج العجولين أن يحصلوا على قسيمة الزواج عبر الإنترنت. أما في الكويت، فتقدِّم محاكم الزواج خدماتها من خلال مواعيد خاصة (غير أن حالات الطلاق غير مشمولةٍ في ذلك). وفي السعودية، تخلَّى بعض الأزواج عن إقامة حفلات الزفاف، رغم التمسُّك الشديد بها سابقاً. 

في مصر، قلَّصَ بعض الأزواج الجدد طموحاتهم في إقامة الزفاف ليقتصر فقط على تجمُّعاتٍ عائليةٍ محدودة، بينما خَرَقَ آخرون القيود الصحية العامة بحفلاتٍ سرية وجلسات تصوير، رغم المخاطر الصحية. ونبعت هذه العجلة من رغبتهم في الزواج قبل شهر رمضان، الذي بدأ الجمعة الماضية 24 أبريل/نيسان، إذ تندُر فيه حفلات الزفاف. 

يبدو أن بعض الحاضرين في حفلات الزفاف يعتقدون أنهم منيعون على المرض في مصر، التي لا تزال تشهد عدداً منخفضاً من الحالات (حوالي 3900 حالة من 100 مليون نسمة). 

هذه المشاهد التي تعبر عن إصرارٍ بالغ، في ظلِّ أزمةٍ صحيةٍ كبرى، تنشأ من حقيقةٍ بسيطة، ألا وهي أن الزواج ربما يكون أمراً مهماً في كلِّ مكان، لكن في الشرق الأوسط لا يمكن تأجيله. 

وبينما اندفعت الجائحة نحو المملكة السعودية، اضطر معاذ محمد، 23 عاماً، ومنار ظافر 26 عاماً، إلى تقليص حجم الزفاف (الذي يفصل بين الحضور من الجنسين في المملكة)، في الرياض، حتى اقتصر على 10 أشخاص من أفراد العائلة المباشرين في المنزل. وإذ لم تتمكَّن والدة محمد من المجيء في الموعد، فقد عرضوا لها الزفاف على منصة سناب شات. 

جهَّزوا القليل من الطعام، وحظوا بقليلٍ من الوقت في الرقص، ومن ثم تفرَّقَ الجميع بعد أقل من 90 دقيقة للوصول إلى المنزل قبل حظر التجوال الذي يبدأ في الثالثة مساءً. 

استغرقت فترة الإعداد لهذه اللحظة عشر سنوات. خلال تلك السنوات كانوا يتعرَّفون إلى بعضهم على الإنترنت، بعد أن التقيا لأولِ مرةٍ على تطبيق ماسنجر التابع لمنصة فيسبوك، ومن ثم استغرق محمد أياماً لإقناع عائلته لطلب يدها، ثم أسبوعاً برعت فيه منار في التظاهر بأنها لا تزال تفكِّر في هذا العرض. 

قالت منار، وهي طبيبة أسنان: “لا يمكنني تأجيل كلِّ شيءٍ لثلاثة أو أربعة أشهر فقط من أجل إقامة حفل. لقد انتظرنا طويلاً بما يكفي”. 

وبدلاً من قضاء شهر العسل في أوروبا، كما كان مُخطَّطاً، يقضون الآن الأسابيع الأولى من الزواج في إعادة مشاهدة مسلسل “Friends” و”How I Met Your Mother”، في شقتهم الجديدة، ويتفاوضان حول مشاركة الأعمال المنزلية مثل غسيل الصحون. 

قالت منار: “إنها فترة ثلاثة أسابيع فقط، لكنها مرت علينا كأنها شهران”. 

إلا أن حفلات الزفاف الضيقة في ظلِّ حالة الإغلاق تتعارَضَ مع الثقافات التي تقتضي حضور العائلة بأسرها. تشتهر لبنان على وجهٍ خاص بحفلات الزفاف الصاخبة، وقد يذهب أكثر المُسرِفين إنفاقاً إلى تكبُّدِ أكثر من مليون دولار على الزفاف، بما يشمل حضور آلاف المدعوين، وحتى عائلات الطبقة الوسطى يخرج أفرادها جميعاً لحضور الأفراح. 

دَعَت لارا حيدر، التي تعمل في تثبيت الأقراط في الأذن والوجه، وحسام جوهري، مُصفِّف الشعر، ثلاثة آلاف شخص لحضور عُرسهما المُقام في قرية عرمون، جنوب بيروت. لكن موجة من الاحتجاجات المُناهِضة للحكومة أجبرتهما على تأجيل الزفاف إلى نوفمبر/تشرين الثاني، فيما أحبَطَت جائحة كورونا المُستجَد محاولتهما الثانية. 

لذا في أحد أيام الأحد الماضية، رشَّ جوهري شعرَ عروسه الوردي ووضع عليه تاجاً، وأخذها على حصانٍ في حفلةٍ لهما هما الاثنين فقط، مع كعكةٍ وبعض الموسيقى. ومن ثم استقبلا التهاني على منصة فيسبوك. 

زفاف لبناني في زمن #كورونا.. فستان أبيض وكرافات وكمامة (صور) #لبنان #lebanon24 https://t.co/jrjyeAuAnX

في مصر، كان حلمي مصطفى وحسناء ماهر لديهما خططٌ كبرى، حيث الحفل الذي سيدعون إليه 400 شخص، ثم عمرة رمضان، ثم شهر العسل في بالي. في المقابل، ذهبوا إلى فندقٍ شاغرٍ تماماً بأحد المطارات، حيث التقطوا بعض الصور. 

ظهرا في بثٍّ حيٍّ على منصة فيسبوك، بينما كانا جالسين في المقعد الخلفي يعقدان القران، وأخذا يغنيان أغنيةً شعبية بينما غمرهما أصدقاؤهما بالتهاني على المنصة الاجتماعية. 

قالت حسناء، التي تعمل صرَّافةً بأحد البنوك، بينما كانت تتحدَّث في مقطع فيديو من شقتهما: “هذا ما قدَّرَه الله لنا. وبصراحة، هذا أفضل من أيِّ شيءٍ تخيَّلته”. 

لكن رغم ذلك، لا تزال حتى أصغر الاحتفالات تحمل خطراً مميتاً. وُضِعَ أحد أحياء القاهرة تحت العزل الصحي لأسبوعين بعدما انتشر الفيروس في حفلٍ سابقٍ على الزفاف، حيث يتجمَّع أقارب العروس لتوصيل متاعها إلى منزل الزوجية. 

تُوفِّيَ اثنان من الضيوف، علاوة على ثلاثة آخرين في حفل خطوبةٍ في قريةٍ بمحافظة البحيرة مطلع الشهر الجاري. ودفع مُعدَّلات الوفيات المتزايدة الشرطة نحو اتِّخاذِ إجراءاتٍ أكثر صرامة. ففي يوم الأربعاء الماضي 22 أبريل/نيسان، أوقفت السلطات الأمنية حفل زفافٍ في قاعةِ أفراحٍ بالجيزة، بينما كان العريس والعروس يلتقطان الصور. 

زعزعت الجائحة أيضاً الكثير من التضييقات الاجتماعية طويلة الأمد، بالنسبة لهالة، مُصمِّمة المجوهرات المقيمة في جدة بالمملكة السعودية، كان من المستحيل أن تفكِّر في الانتقال مع زوجها، أحمد، ويعمل مهندساً، حتى يجري التصديق على زواجهما الشرعي بحفلٍ يمتد لثلاثة أيام كان مُخطَّطاً أن يُقام في دبي. 

وبعدما أجبرهم الإغلاق الكامل على إلغاء الحفل، أقنع أحمد هالة بالمبيت في منزل عائلته. والآن يعزل الزوجان، اللذان ذكرا اسمهما الأول فقط حفاظاً على خصوصيتهما، نفسيهما معاً في منزل والديّ أحمد. 

قالت هالة: “كان من الغريب بالنسبةِ إلينا أن نتزوَّج ثم نقيم الزفاف بعد أن ننتقل للعيش معاً. لكن حين تحدَّثتُ مع والدي، قال لي: مَن وَضَعَ هذه القواعد؟”. 

غير أن بعض القواعد مخيفةٌ حقاً. 

منذ أسابيع قليلة، أُجبِرَ زوجان أمريكيَّان/أردنيَّان على العزل الصحي في منتجعٍ يُطِلُّ على البحر الميت، وصارا مشهورين بعد أن ظهرا في مقطع فيديو وهما يحتفلان وحولهما العاملون بالمنتجع يُصفِّقون لهما على مسافةٍ آمنةٍ منهما. حتى أن ملك وملكة الأردن أرسلا هديةً لهما. 

وبعد أسبوعين، زار الزوجان منزل العريس، حيث أظهر مقطع فيديو آخر العريس، أوس العونة، يحتضن ويُقبِّل والديه، فيما يصفِّق أقاربه في الشارع. وقد أُمِرَ العروسان بتجنُّب الاتصال المباشر بالآخرين. 

وسرعان ما تحرَّكت الشرطة الأردنية وألقت القبض على العونة لخرقه الأمر باحتضان والديه. كان متزوِّجاً حديثاً، وخَرَجَ مؤخَّراً من العزل الصحي، ليُزَج به في السجن. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى