تقارير وملفات إضافية

“فيتو التفرد بالتفوق العسكري”.. هل تستطيع إسرائيل منع أمريكا من بيع أسلحة متطورة للإمارات برغم تطبيعها؟

منذ الإعلان عن اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في الأسبوع الماضي، ظهرت المزيد من التفاصيل وبدت التبعات طويلة المدى وكذلك قابلية تطبيق الاتفاق أضعف لأطرافه. أفاد تقرير إسرائيلي، نُشِر يوم الإثنين 18 أغسطس/آب، بأنَّ نتانياهو وافق على صفقة بيع واشنطن مقاتلات “إف-35” وغيرها من الأسلحة المتقدمة للإمارات في إطار الاتفاق. 

وبالرغم من النفي الشديد الذي أعرب عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، أصر الصحفي الذي نشر التقرير -وهو ناحوم بارنيا من صحيفة يديعوت أحرنوت على قصته. 

يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إنه على الرغم من أنَّ جميع الأطراف تدّعي أنَّ بيع الأسلحة الأمريكية ليس شرطاً من شروط الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، تدعم البيانات اللاحقة سبق بارنيا الصحفي. فعلى سبيل المثال، ذكرت صحيفة The New York Times أنَّ المسؤولين الأمريكيين “لا ينفون أنَّ الزخم الجديد حول بيع الأسلحة -بعد سنوات من تعثُر طلبات من الإمارات لشراء المقاتلات (إف-35)- مرتبطٌ بالمبادرة الدبلوماسية الأوسع”.

بدوره، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، يوم الخميس 20 أغسطس/آب، إنَّ البيع لم يكن شرطاً للاتفاق، لكن من شأن هذا الاتفاق التسهيل على الإمارات شراء أسلحة متطورة لأنَّ “الفكرة الكاملة لحالة الحرب أو القتال مع إسرائيل لم تعد موجودة”. 

وهكذا، يرى كل من الإماراتيين والأمريكيين بيع الأسلحة على أنه دافع لتوقيع الاتفاق رسمياً، حتى لو لم يكن شرطاً محدداً. وهذا لا يعني بالضرورة أنَّ نتنياهو يشاركهم الرأي، لكن معلوماً للجميع أنَّ الإمارات تسعى بنشاط لشراء طائرة “إف-35” منذ سنوات. ويعلم نتنياهو كل قطعة من المعدات التي تشتريها الدول العربية من الولايات المتحدة، والتأثير الذي ستسهم به الاتفاقية في السماح للإماراتيين بشراء هذه الأسلحة واضح للغاية بحيث لا يمكن أن يؤخذ إنكار نتنياهو على محمل الجد.

من الناحية النظرية، لا تحتاج الولايات المتحدة لموافقة إسرائيل حتى تتمكن من بيع مقاتلات للإمارات. لكن عملياً يمنح القانون والسياسة الأمريكية إسرائيل حق النقض (الفيتو) بحكم الأمر الواقع على مثل هذه المبيعات. ويرجع ذلك إلى المطلب القانوني بأن تحافظ الولايات المتحدة على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل، والذي يشار إليه غالباً باسم QME.   

ويُعرِف قانون نقل السفن البحرية لعام 2008 “الميزة العسكرية النوعية” لإسرائيل على أنها: “القدرة على مواجهة وهزيمة أي تهديد عسكري تقليدي مؤكد من أية دولة فردية أو تحالف محتمل من دول أو جهات فاعلة غير حكومية، بأدنى حد من الأضرار والخسائر”. ويتطلب القانون ذاته من الرئيس تقييم مبيعات الأسلحة إلى الدول الأخرى في الشرق الأوسط، سواء كانت صديقة لإسرائيل أو عدوة، حفاظاً على الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل. 

وفي ضوء هذا القانون، إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مرتاحة لعملية بيع أسلحة أمريكية لدولة عربية، فمن المحتمل ألا يكون هناك رفض من الكونغرس لتمرير الصفقة. لكن إذا كان هناك قلق إسرائيلي، فإنَّ فرص موافقة الكونغرس على مثل هذه الصفقة ضئيلة للغاية، حتى ولو هذه المبيعات موجهة إلى مصر أو الأردن، والإمارات قريباً، أي الدول التي لديها علاقات دبلوماسية كاملة واتفاقية سلام مع إسرائيل.

ولا يخفى على أحد أنَّ الرئيس ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو وصهر ترامب جاريد كوشنر، الذي يقود المناقشات مع دول الخليج العربية بما في ذلك الإمارات، يرغبون بشدة في زيادة مبيعات الأسلحة إلى تلك المنطقة المضطربة. لكن الكونغرس لديه أسباب للقلق حيال ذلك بخلاف الاعتراضات الإسرائيلية، مثلما أوضح عندما حاول وقف بيع أسلحة إلى السعودية والإمارات في مايو/أيار 2019؛ مما أجبر بومبيو على الاحتجاج بفقرة نادرة الاستخدام ومثيرة للجدل في القانون للالتفاف على موافقة الكونغرس وتمرير عملية البيع؛ وأدى بالتالي إلى نقض رئاسي لمنع الكونغرس من تقييد مبيعات الأسلحة.

بيد أنَّ مقاتلات “إف-35” والطائرات بدون طيار المسلحة، التي ستكون جزءاً من نفس صفقة البيع، هما أمران مختلفان تماماً بالنسبة لإسرائيل. فهذه هي أحدث الأسلحة الأمريكية. وقد حصلت إسرائيل على طائرة “إف-35” في عام 2017، ومن المتوقع أن تستخدمها لعقود قادمة. ومن ثم، ومن وجهة نظر إسرائيل، هذه المقاتلات ضرورية إلى حد ما في مواجهة إيران، لكن هناك خطراً من احتمال تغير موقف القيادة الإماراتية أو مرورها بتغيير جذري أكبر بكثير.

وقال سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل ديفيد فريدمان لصحيفة Jerusalem Post إنَّ “بيع الولايات المتحدة الأسلحة إلى الإمارات أو أي فاعل إقليمي آخر سيستمر خاضعاً لالتزامنا بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، هذا هو القانون. وهذه الصفقة تجلب مجموعة من الفرص الجديدة لإسرائيل والولايات المتحدة -بما في ذلك مجال الأمن- وأعتقد أنَّ العديد من الأشياء العظيمة ستنشأ عنها”.

ولم يؤكد فريدمان أو ينفي تقرير بيع “إف-35″، لكنه قال: “في النهاية، وفي ضوء الظروف المناسبة، ستستفيد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل استفادة كبيرة من وجود حليف قوي يطل على مضيق هرمز على الجانب الآخر من إيران”.

يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إذا مُرِّرت الصفقة وبيعت مثل هذه الأسلحة المتطورة إلى الإمارات، فمن المنطقي أن تعقبها مبيعات مماثلة إلى السعودية وفي وقت قصير. وستمثل مقاتلات “إف-35” وطائرات “بريداتور” بدون طيار تحديثات عسكرية كبيرة، ونحن نشهد بالفعل سياسات عدوانية متزايدة من السعودية والإمارات، ليس فقط مع إيران في الخليج، بل كذلك في اليمن وليبيا، إلى جانب ما قد يحدث في البؤر الساخنة المحتملة الأخرى.

وستزداد احتمالية نشوب صراع في الخليج ازدياداً كبيراً إذا اقترنت تحديثات الأسلحة هذه بولاية ثانية لترامب. ومن المؤكد أنَّ إيران ستشعر بقدر كبير من الضغط لإيجاد طرق لتحديث قدراتها.

ومع ذلك أسباب وجيهة تدفعنا للأمل في ألا تتم هذه المبيعات؛ إذ تمثل معارضة جو بايدن لتسليح السعودية بالمزيد مؤشراً جيداً على أنه إذا فاز في الانتخابات الرئاسية، فسيُجهِض بيع طائرات”إف-35″ و”بريداتور”. إضافة إلى ذلك، أجرى نتنياهو هذه المحادثات سراً، من دون مشاركة أو حتى معرفة شريكيه المفترضين، وزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي؛ مما أثار غضب الرجلين. وقد يكون الضغط السياسي على نتنياهو كافياً لضمان عدم تمرير الكونغرس لهذه الصفقة. بيد أنَّ خطر التصعيد سيبقى كبيراً حتى القضاء على فرص إدخال مثل هذه الأسلحة المتطورة إلى دول الخليج. ولا يمكن أن يكون هناك أي مثال أفضل على الخطر الجسيم مما يمثله رئيس أمريكي لا يرى نفسه أكثر من تاجر أسلحة مشبوه.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى