لايف ستايل

“الكشك الصعيدي”.. قمح وملح ولبن رايب، إرث الصعايدة عبر الأجيال

للطعام كغيره من العناصر الأساسية اتساق وثيق بتركيبة عوامل مختلفة، من البيئة الجغرافية إلى الثقافية إلى السياسية، فنجد أن اشتهار بلد معين بنمط معين من أنماط الطعام لا يأتي من قبيل الصدفة، وإنما نتيجة اتحاد مزيج من كل تلك العوامل مجتمعة.

وفقاً لما توارثناه من روايات حول توقيت وكيفية ظهور “الكشك الصعيدي” بمكوناته وطريقة إعداده فقد واتته مجموعة ظروف ومناسبات أدت لظهوره بصعيد مصر منذ آلاف السنين بهذا الشكل الحالي الذي يبدو عليه، مجموعة من كرات القمح الصغيرة، المتماسكة، والصلبة، متبلة وشهية، لا يخلو بيت صعيدي من مخزون سنوي منها. 

يُقال إن أصل الكشك يعود لعهد المصريين القدماء، حيث اقترح أحد الكهنة على الملك الفرعوني “أحمس” خلال رحلته  لتحرير مصر من الهكسوس أن يصنع للجيش طعاماً خفيف الوزن، مليئاً بالفوائد، ويمكن حمله بسهولة، ولا يتلف.

 مرّ أحمس وجيشه على مدينة “المنيا”  لتزويد الجيش بالمؤن، ولإعداد الكشك، وجبة الكاهن المقدمة لأحمس وجيشه، وبذلك عرفه وأحبه قدماء المصريين، ثم انتقل من مصر إلى بلاد فارس وسوريا وتركيا والشرق الأوسط ووسط أوروبا.

 يقول الأديب والشاعر أبوالفتح المطرزي إن الكشك فارسي الأصل، ولكن بالنظر في القاموس المحيط نجد أن كلمة “كَشْك” بفتح الكاف وتسكين الشين تعني منقوع الحبوب أو ماء الشعير، وهو ما قد يفسر أن الكشك أصله عربي.

كما أن هناك روايات تدفع بأن الكشك ظهر لأول مرة في تركيا، ثم انتقل إلى مصر أثناء الحكم العثماني لها، وكان يُعرف حينها بـ”الألماظية”، ثم أضاف المصريون إليه البصل المحمّر “التقلية”، لكن “الألماظية” يختلف تماماً عن الكشك الصعيدي في المكونات وطريقة الإعداد، حيث يصنع من حساء الدجاج والنشا، ويضاف إليه الأرز لإكسابه قواماً متماسكاً.

المُطّلع على طريقة إعداد الكشك الصعيدي يُدرك تماماً اتساقه مع صعيد مصر، ولا عجب في ذلك، فهو يحتاج إلى درجة حرارة عالية وأشعة شمس مباشرة، وبيئة يتوافر فيها القمح؛ كونه المكون الرئيسي له، يصنع مع بداية فصل الصيف وحصاد القمح، ويراعى اختيار نوع القمح الذي يستخدم في صناعة الكشك، حيث يفضل القمح المائل للبياض، ويُغسل جيداً بالماء، ثم يتم سلقه ونشره على حصير مخصص لذلك، ثم جمعه مرة أخرى ونشره بمكان به شمس مباشرة لمدة ثلاثة أيام على الأقل.

ثم يدخل مرحلة الدش، وخلال هذه المرحلة يتم إضافة اللبن الرايب المخزن في أوانٍ فخارية، وخلط القمح المدشوش باللبن، ويترك نصف يوم حتى يختمر، ثم تأتي مرحلة العجن وإضافة التوابل حسب الرغبة، وغالباً ما يساعد بها الرجال، كونها تحتاج مجهوداً بدنياً كبيراً، ثم تقوم السيدات بتقطيع عجينة الكشك على هيئة كرات صغيرة، ويتم نشره مرة أخرى في الشمس، ثم ينقل للتخزين في صوامع أو فوق أسطح المنازل، ويؤخذ منه على مدار العام.

يُبلل بالماء ويؤكل مباشرة، أو يضاف إليه سمن وسكر ويؤكل مخلوطا بهما، أو يتم إذابته في كوب لبن وتناوله بالمعلقة.

 كما أنه يُطبخ عن طريق إضافة الصلصة والشوربة أو الشوربة فقط، حسب الرغبة، ومزيد من اللبن والسمن والبصل كـ”تقلية” عند تقديمه، يذاب الكشك في قدر من اللبن أو الشوربة أو الماء، ثم يصفى وتُغلى الشوربة، ويضاف إليها الكشك الممزوج مع التقليب المستمر، ويُترك ليغلي لمدة خمس دقائق، يغرف في صحون ويترك حتى تهدأ حرارته قليلاً، ثم يجمل بالبصل المحمر.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى