تقارير وملفات إضافية

وسط أزمات سياسية و”إحباط شعبي” وإجراءات استثنائية فرضها “كورونا”.. كيف سيكون شكل الانتخابات الأردنية المقبلة؟

ثمانون يوماً تفصل الأردنيين عن انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، وسط ظرف استثنائي يعيشه العالم والمملكة؛ مع انتشار وباء فيروس كورونا. هيئة الانتخابات الأردنية، حددت العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، موعداً للاقتراع، يختار الناخبون فيه ممثليهم للمجلس القادم، لكنها قررت مجموعة من الإجراءات التنفيذية، تراعي الصحة والسلامة العامة لمنع تفشي الفيروس، وسط مخاوف أن يضعف ذلك الإقبال على العملية الانتخابية التي يُخشى أصلاً أن تعاني من عزوف شعبي لأسباب مختلفة، أو مقاطعات حزبية لها، في وقت تمر به الحالة السياسية للبلاد أيضاً بأزمات عدة، آخرها حل نقابة المعلمين واعتقال العشرات من منتسبيها قبل أن يتم الإفراج عن بعضهم مؤخراً، وسط احتجاجات شعبية مستمرة على ذلك. 

ومع تلك المستجدات رأى مراقبون، أن محاولة التأثير على المواطنين من قبل المرشحين، واستقطابهم بالخطابات الآسرة والرنانة، ستكون مهمة صعبة، وسيصطدم بالوضع الوبائي، خاصة مع إعادة تشديد الإجراءات الحكومية، بعد عودة تسجيل إصابات محلية، إذ تقرر وضع إجراءات خاصة، أبرزها إلغاء المهرجانات الانتخابية ومنع تجمع أكثر من 20 شخصاً فيها، بعد أن كانت الأخيرة عنواناً يظهر للمرشحين مدى جماهيريتهم.

ويرى مراقبون أن قوة البرنامج الانتخابي للمرشحين المقترن باستحداث آليات جديدة؛ لإيصال رسائلهم إلى قواعدهم الشعبية، ستكون هي العلامة الفارقة في الانتخابات المقبلة؛ إذ سيعتمد ذلك على مستوى وعي الناس وقناعاتهم بتلك البرامج.

يقول ظاهر عمرو، الأمين العام السابق لحزب الحياة، لوكالة الأناضول، إنه من حيث المبدأ يؤيد التعليمات التنفيذية لهيئة الانتخابات؛ انطلاقاً من دورها في الحد من المخالفات التي جرت سابقاً، كإقامة الولائم وإنفاق المال السياسي لشراء ذمم الناس. معتبراً أن “السماح بإقامة التجمعات للمرشحين أو منعها، لن يغير من فكر الناس وانطباعها إزاء مجلس النواب”. لافتاً إلى أن التعليمات التنفيذية ما هي إلا “تزيين شكلي ومظهري وليس جوهري، لأن الجوهر في قانون الانتخاب”.

وجرت الانتخابات الأردنية الأخيرة عام 2016 وسط قانون جديد يعتمد على القوائم، عوضاً عن قانون “الصوت الواحد”، تقلص بموجبه عدد أعضاء مجلس النواب إلى 130 بدلاً من 150، وذلك بعد أن قسم القانون الجديد المملكة التي تضم 12 محافظة، إلى 23 دائرة، بالإضافة إلى ثلاث دوائر للبدو.

وتابع عمرو: “لدينا وضع وبائي صحي أهم من الأمور الأخرى، ولا ضرورة من الأساس لإجراء الانتخابات في ظل الوضع الحالي”.

ويشهد الأردن منذ بداية أغسطس/آب الجاري، انتكاسة وبائية، حيث بلغ عدد الإصابات المحلية المسجلة منذ السابع من الشهر أكثر من 200 حالة. وسجل الأردن 1498 إصابة بكورونا، بينها 11 وفاة، 1278 حالة تعاف.

حسين محادين، عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة (حكومية)، اعتبر أن القرار الملكي بإجراء الانتخابات مع بقاء الحكومة ومجلس النواب الحالي يشكل “تفرداً نوعياً” من منظور علم الاجتماع السياسي، في كيفية نظرة القيادة والدولة العميقة إلى ماهية الانتخابات المقبلة، حسب تعبيره.

وأوضح في حديثه للأناضول، أن “تحديد عدد الحضور في المقار الانتخابية وطبيعة التدخل في تفاصيل الأخيرة، من خلال اشتراط عدم تقديم الأطعمة فيها كما جرت العادة سابقاً، توحي ضمناً بجدية الدولة لمحاصرة ما كان يسمى بالمال الانتخابي”. وقال محادين: “القانون الانتخابي يتولى حصر المنافسة بين أعضاء القائمة الواحدة، الأمر الذي يستشف منه صعوبة أن تستأثر قوى حزبية أو سياسية وحتى اقتصادية بأغلبية في البرلمان المقبل”.

وأردف: “هذا يؤكد أن التحديات أمام المرشحين لكسب الأصوات لم تعد سهلة كما كانت في الانتخابات الماضية، خصوصاً أن التكنولوجيا أصبحت عاملاً مهماً في تواصل المرشح مع الناخب”.

وحول أثر التعليمات التنفيذية الصادرة من هيئة الانتخابات على المرشحين، قال الأكاديمي الأردني: “لا أعتقد أنها كافية؛ لأن الدراسات العلمية تؤكد أن اللقاء الوجاهي بين المرشح والناخب يمكن أن يؤثر باتجاه تعديل توجهات الناخبين نحو المرشحين الذين قابلوهم وجاهياً وحاوروهم”.

وتابع: “تعليمات هيئة الانتخابات تشير ضمناً إلى تعديل وتحسين صورة العلاقة بين الناخب والمرشح، الذي شابها الكثير من التشكيك في شراء ذمم الناخبين من بعض المرشحين، كما يشاع”. وزاد: “الولائم تمنح الأثرياء دون ميسوري الحال فرصة التأثير على بعض الناخبين، في ظل ارتفاع نسبة البطالة والفقر، ونتائج كورونا على هذه الشرائح”.

من جهته، بيّن جهاد المومني، المتحدث باسم هيئة الانتخابات أن “التعليمات التنفيذية الخاصة بالدعاية الانتخابية تضمنت منع المهرجانات، لكنها لم تمنع المقرات، فهي ستكون موجودة وسنسمح بها ضمن ضوابط وشروط معينة”.

وتابع المومني في حديثه للأناضول: “هذه الشروط لا تمنع المرشح من أن يقدم برنامجه الانتخابي وأن يلتقي بناخبيه، ولكن وفق التعليمات الصادرة عن لجنة الأوبئة” وأضاف: “العدد نحن لا نحدده، ولكننا نضع قيود على المقرات من حيث توفر المعقمات ودخول الشخص إليها مرتديا الكمامة (قناع الوجه)، إضافة إلى أننا منعنا تقديم الأطعمة، إلا بحدود القهوة السادة في فناجين كرتونية، وعبوات مياه تكفي لشخص واحد”.

وأكد أن “السلامة العامة مهمة، ونحن نتقيد بتعليمات لجنة الأوبئة ووزارة الصحة، ولكننا لا نمنع الدعاية الانتخابية على أحد، الذي منعناه هو إقامة المهرجانات لأنها تعني التجمع، والتجمعات ممنوعة في كافة المناسبات”.

وفي رده على سؤال حول ما إذا ما كان الأردن أمام نقطة تحول في الانتخابات، أجاب المومني: “نعم، نحن في هذه الانتخابات نبتعد قليلاً عن الأطر التقليدية كالمجاملات والولائم، وكل الأمور التي تعودناها”. وأرجع المومني ذلك إلى سببين، وهما جائحة كورونا، والثاني التشدد في منع المال الأسود من جهة أخرى.

وأوضح أن “الهيئة ستراقب كل الهبات والأعطيات، وكل ما يقدم من أجل التأثير على إرادة الناخب، ولن نسمح بهذا، وسنتشدد في هذه الانتخابات أكثر من أي وقت مضى”.

أما عن الطرق المثلى والآليات المناسبة لتحقيق مستوى عال من التواصل بين المرشح ومواطني دائرته، في ظل التعليمات الجديدة، أوضح المومني أن “أدوات التواصل تطورت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت أكثر تأثيراً على الناخبين”. واستدرك: “لكننا لم نمنع التعامل بالطرق التلقليدية كاللوحات في الشوارع والشعارات التي ترفع، وتوزيع البرامج الانتخابية، لم نمنع أي دعاية انتخابية في إطارها القانوني وفي الوقت القانوني”. مضيفاً: “لم يبدأ موعد الدعاية الانتخابية؛ لأنه لم يبدأ موعد الترشح للانتخابات، والذي تقرر في 6 و7 و8 أكتوبر (تشرين أول) المقبل، وبعدها تبدأ الدعاية الانتخابية”.

وفي يوليو/تموز الماضي، حددت هيئة الانتخابات المستقلة، يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، موعداً لانتخاب مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) الـ19، بموجب مرسوم ملكي. والانتخابات المقبلة عادية، بعدما أنهى مجلس النواب الحالي، الذي انتخب في 20 سبتمبر/أيلول 2016، دورته العادية الأخيرة في 10 مايو/أيار 2020.

واستناداً إلى الدستور، تُجرى الانتخابات البرلمانية في الأردن خلال الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء عمر مجلس النواب الحالي في سبتمبر/أيلول المقبل، لكن إجراءات مكافحة كورونا أدت إلى تغيير في المواعيد الدستورية.

وتأتي الانتخابات على وقع “حالة من الإحباط” في الشارع الأردني ترجمت على مواقع التواصل الاجتماعي كما يرى مراقبون، نتجت عن عدم لمس المواطن لأي تغيير من المجالس السابقة ينعكس على الحالة الاقتصادية والسياسية للبلاد، التي تمر حالياً بأزمة سياسية نتج عنها احتجاجات شعبية في جميع المحافظات الأردنية، وهي حل نقابة المعلمين الأردنيين، أكبر نقابة في البلاد في يوليو/ تموز الماضي واعتقال أعضاء مجلسها لمدة شهر، قبل أن يتم الإفراج عنهم قبل يومين، في حين لا تزال النقابة مجمدة، ولا يزال العشرات من المعلمين معتقلين على خلفية نشاطهم الحراكي خلال الأسابيع الأخيرة.

بالإضافة لذلك، كان القضاء الأردني قد قرر الشهر الماضي حل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بسبب “عدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية”، وهي التي تمثل مع جناحها السياسي حزب “جبهة العمل الإسلامي” أكبر حركات المعارضة السياسية في البلاد، وسط توقعات بمقاطعة الجماعة للانتخابات القادمة، بعد أن كانت قد شاركت في الدورة السابقة وحظيت ببضعة مقاعد في البرلمان.

ويأتي الاستحقاق الانتخابي الدستوري في ظل “حالة تأزيم” مع النقابات والمعلمين والتيار الإسلامي، ولا يعرف إن كانت الأيام القادمة ستحمل انفراجة سياسية تقودها حكومة الرزاز لتشجيع القوى السياسية والشارع على المشاركة في الانتخابات، أم أن الشارع الأردني سيذهب نحو مزيد من التأزيم، وبالتالي العزوف عن الانتخابات.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى