تقارير وملفات إضافية

تصعيد السيسي ضد ليبيا.. هل يريد الحرب فعلاً أم له مآرب أخرى؟

لا شك أن “طبول الحرب” أصبحت الشغل الشاغل للإعلام المصري منذ خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن التطورات الجارية على الأرض في ليبيا، وهو الخطاب الذي جاء وسط استعراض عسكري بري كبير، ووضع الرئيس فيه خطوطاً حمراء وبدا أن دخول الجيش المصري إلى الساحة الليبية مسألة محسومة، فهل هذا هو السيناريو الذي تسعى إليه مصر أم أن هناك احتمالات أخرى أكثر قرباً للواقع على الأرض؟

لا شك أن ما يريده الرئيس المصري هو ألا تفرض حكومة الوفاق المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا نفوذها على كامل الأراضي الليبية وصولاً إلى الحدود المصرية، فهذا هو الهدف الاستراتيجي الأول وربما الأوحد للسيسي فيما يتعلق بالصراع في ليبيا، وخصوصاً بعد الهزائم المتتالية للجنرال خليفة حفتر الذي دعمت مصر انقلابه على العملية السياسية وهجومه على العاصمة طرابلس.

خطاب السيسي الذي أدلى به السبت الماضي 20 يونيو/حزيران، لم يتحدث عن وجود حلفاء لمصر في تهديدها بالتدخل العسكري في ليبيا، وكأنها معركة التحدي للنظام المصري، أما الخط الأحمر الذي ذكره السيسي “سرت-الجفرة”، حيث تدور الآن معارك بين قوات الوفاق من جهة وقوات حفتر المدعومة من روسيا والإمارات ومصر، فهي تبعد عن الحدود المصرية-الليبية بأكثر من ألف كيلومتر.

وعلى الرغم من ذلك لم يكن حفتر موجوداً في الصورة، بل بعض شيوخ القبائل الليبية في الشرق، ولم يشر السيسي لحفتر بل قال إن الجيش المصري “إذا دخل ليبيا فسيكون برفقة شيوخ القبائل” وأنه سيخرج منها عندما يطلب منه شيوخ القبائل ذلك.

ورغم ذلك، فإن المسار الذي ختم به الرئيس المصري الخطاب كان سياسياً يبحث عن ضرورة إيجاد مكان لمصر في ترتيبات الوضع الليبي القائم إذا تطور نحو بسط سيادة الحكومة الشرعية على مناطق الحدود مع مصر ، وأن مصر لا يمكن تجاوزها في هذه الترتيبات التي ستخضع للكثير من الاعتراضات على نوعية السيادة الليبية في الحدود.

الحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال جاءت على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري في اليوم التالي لخطاب السيسي، حينما قال إن بلاده تسعى لدعم الحل السياسي في ليبيا وطالب “بضبط النفس“، مضيفاً أن حكومة الوفاق “أخطأت في تقييم موقف الرئيس السيسي”، ومؤكداً على أن مصر “تعتبر الحل العسكري هو الملاذ الأخير”، فهل من المنطقي أن يلوح الرئيس بالحرب ثم يخرج وزير الخارجية ليقول إن هذا “تقييم خاطئ” من جانب الوفاق لخطاب الرئيس؟

خطاب السيسي جاء بعد أن أعلن عن “مبادرة القاهرة” للحل السلمي قبل أسبوعين، محاطاً بعقيلة صالح رئيس برلمان طبرق وحفتر، وهي المبادرة التي رفضتها حكومة الوفاق التي لم تعد تثق بحفتر بعد نكوصه عن المسار السلمي أكثر من مرة منذ بدء هجومه الفاشل على العاصمة مطلع أبريل/نيسان من العام الماضي، وهو ما يعني أن المشهد العسكري والتلويح بالدخول في الحرب في ليبيا ليس إلا ورقة ضغط تهدف إلى ضمان ترتيبات معينة بشأن الحدود بين البلدين لا أكثر ولا أقل.

المتابع للإعلام المصري – الذي تسيطر عليه الدولة بصورة كاملة – يلاحظ أنه منذ مساء السبت وحتى اليوم الثلاثاء 23 يونيو/حزيران لا صوت يعلو على صوت خطاب الرئيس وتهديده بالحرب في ليبيا ومتابعة الموقف الدولي “المرحب بمبادرة الرئيس”، بينما ملفات أخرى مثل سد النهضة ووباء كورونا واختبارات الثانوية العامة التي أثارت استياءً شعبياً عارماً بسبب غياب إجراءات الوقاية من الوباء في غالبية اللجان، أصبحت في الخلفية البعيدة للمشهد الداخلي المأزوم.

واللافت هنا أن قضية سد النهضة التي تمثل مسألة “حياة” لمصر والمصريين – بنص تعبير الرئيس في أكثر من مناسبة – قد وصلت لطريق مسدود فعلياً، ووصل التعنت الإثيوبي لدرجة يشعر معها غالبية المصريين – بمن فيهم الإعلاميون المدافعون عن النظام – بالمهانة والغضب، لم تشهد نفس اللغة الحادة “والخطوط الحمراء” في خطاب السيسي كما هو الحال في ليبيا.

الخطاب لم يشر إلى هذه المسألة الحساسة والتي تتعلق بشريان الحياة وقضية سد النهضة ذات الخطر الاستراتيجي على مصر وفق التصنيف الأمني المصري، مما يشير إلى أن السيسي يريد شدّ أنظار المصريين إلى جهة أخرى، وهذه استراتيجية تعرف “بالهروب للأمام”، بمعنى شغل الرأي العام عن ملفات داخلية خانقة عن طريق إيجاد عدو خارجي والتلويح بمحاربته.

فعلى مستوى محاربة الوباء، اتخذت الحكومة قرارات تخفيف إجراءات الحظر وإعادة النشاط الاقتصادي مع بداية ذروة تفشي الوباء وارتفاع أعداد الإصابة والوفيات الرسمية – والتي لا تعبر عن حقيقة وضع الوباء على الأرض – وهو ما أدى لارتفاع وتيرة الانتقاد سواء بين الأطباء الذين يجدون أنفسهم في الصفوف الأولى لمعركة الوباء دون وقاية مناسبة أو بين المواطنين الذين لا يجدون مكاناً في المستشفيات للعلاج، ورد الحكومة هو اعتقال من يجاهر بالانتقاد سواء كان طبيباً أو مواطناً عادياً.

وصرحت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد قبل يومين أن هناك أكثر من 36 ألف سرير في المستشفيات، لا يوجد بها سوى 6 آلاف فقط يشغلها مرضى بالوباء، وهو التصريح الذي أثار عاصفة من السخرية على منصات التواصل الاجتماعي، في ظل وجود أعداد كبيرة من المصابين ترفض المستشفيات استقبالهم وتأمرهم بالعزل المنزلي لعدم توفر الأماكن.

وأول أمس الأحد 21 يونيو/حزيران، كشف اليوم الأول لاختبارات الثانوية العامة والأزهرية والدبلومات الفنية عن عدم استعداد غالبية اللجان من حيث إجراءات الوقاية من الوباء بالصورة التي تحدث عنها وزير التربية والتعليم – كان قد صرح بإنفاق الوزارة 950 مليون جنيه مصري (الدولار= 16.2 جنيه) لتعقيم اللجان – ليفاجأ الطلاب بالأتربة تغطي الفصول وعدم وجود كمامات أو مواد تطهير في غالبية اللجان، وعند سؤال الوزير على إحدى القنوات المحلية التابعة للنظام انفعل على المذيعة متهماً السوشيال ميديا بترويج الإشاعات.

والوضع الداخلي من ناحية الاقتصاد لا يقل سوءاً مع فقدان ملايين الأسر المصرية لدخلها بسبب تداعيات الوباء – شأن دول العالم جميعاً – وفي هذا السياق يمكن قراءة المشهد العام لخطاب الرئيس المصري وتلويحه بالحرب في ليبيا، حيث إن هذا المشهد يقدم له الكثير من الفوائد، لكن الدخول في الحرب فعلاً مسألة لها حسابات أخرى تماماً.

وفي هذا السياق تأتي قضية سد النهضة على قمة أولويات الأمن القومي الآن، أو هكذا يفترض أن تكون الأمور، خصوصاً وأن إثيوبيا أكدت عزمها البدء في ملء وتشغيل السد أول يوليو/تموز، أي بعد أسبوع واحد، وهذا هو “الخط الأحمر” الذي كان يفترض أن يكون محور حديث السيسي وفي قاعدة “برنيس” الجنوبية، من وجهة نظر الأمن القومي المصري، حتى تكون الرسالة واضحة بعد أن “صبرت مصر سنوات بالفعل” في هذا الملف.

لكن الخطوط الحمراء و”نفاد الصبر” جاءا في غير محلهما تماماً، فمصر لاعب أساسي في الأزمة الليبية منذ البداية ودعمت حفتر في انقلابه على الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، وراهنت عليه والآن خسرت الرهان، فالمنطق يقول إن المفاوضات السياسية هي الحل، وعلى الأرجح هذا هو السيناريو الأقرب، وفي هذا السياق قد يكون الرئيس المصري أراد من “خطابه العسكري” أن يغطي على الملفات الأخرى وأبرزها سد النهضة، فإن بدأت إثيوبيا بالفعل بملء خزان السد وتشغيله، يمكنه إلقاء اللوم على “الملف الليبي” بعد أن ألقى باللوم على ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في إقدام إثيوبيا على البدء في تشييد السد.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى