تقارير وملفات إضافية

تل أبيب تحاول إخفاء ذلك.. كيف أدى كورونا إلى تفشي الاضطرابات النفسية والميل للانتحار بين الإسرائيليين؟

لا ترغب وزارة الصحة ولا منظمات الرعاية الصحية في إسرائيل في الإقرار بأنَّ هناك ارتفاعاً في استخدام الوصفات الطبية لتخفيف التوتر والقلق أو الاكتئاب مؤخراً. لكن صيادلة تل أبيب والعديد من الأطباء يمكن أن يشهدوا بأنَّ هذا صحيح، كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية.

ظهرت دلائل عديدة على أنَّ الإغلاق الثاني المرتبط بمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد أدى في إسرائيل إلى زيادة عدد الأشخاص الذين أبلغوا عن إصابتهم باضطرابات نفسية، سواء حالات جديدة أو أشخاص عانوا منه في الماضي وشهدوا نوبة جديدة بسبب ضغوط الجائحة والإغلاق.

يقول الدكتور ياردن ليفينسكي، طبيب نفسي ومستشار قسم المجتمع في منظمة Clalit Health Services للخدمات الصحية للصحيفة: “أستطيع أن أقول بشكل لا لبس فيه إنَّ هناك تفشياً حالياً للاضطرابات النفسية. إذ رصد أطباء الأسرة زيادتها، وأبلغوا عن ارتفاع في أعراض القلق والاكتئاب، وعن المرضى الذين يأتون بشكاوى لا يمكن ربطها بمشكلة واحدة يمكن تشخيصها”.

وفي آب/أغسطس، أبلغت وزارة الصحة مجلس الوزراء أنَّ منظمات الرعاية الصحية شهدت “زيادة كبيرة في عدد زائري العيادات بسبب الاضطرابات النفسية، وخاصة حالات القلق والاكتئاب”. لكنها لم تكن قادرة على إعطاء رقم دقيق لإجمالي هؤلاء الأشخاص أو حتى تقدير.

قبل تفشي فيروس كورونا المستجد، يقول الدكتور أفيف سيغيف، رئيس قسم الطوارئ النفسية في مركز شالفاتا للصحة العقلية التابع لمنظمة Clalit Health Services، إنه لم يقابل أي شخص راودته ميولٌ انتحارية، لكنه تعامل مع حالات من هذا القبيل منذ مارس/آذار.

ولفت سيغيف إلى ارتفاع كبير في مثل هذه الحالات في يوليو/تموز وأغسطس/آب، أعقبها استقرار الوضع في سبتمبر/أيلول. ثم اعتباراً من نحو 3 أسابيع، شهد زيادة حادة في طلبات المساعدة النفسية.

وأوضح سيغيف: “ما من شك في أن الخوف من الإغلاق زاد من حدة هذه المشاعر. ووفقاً للعديد من المعالجين، هناك شعور بالإرهاق بين العامة؛ فالناس مرهقون بسبب حالة عدم اليقين، والتغيير من وجود إطار عمل إلى عدم وجود واحد، أو أنهم سيذهبون للعمل أو لن يذهبوا إليه. هناك شيء مروع في هذه الجائحة، وهو تغير الروتين اليومي بالكامل”.

وعلى سبيل المثال، أحد مرضى الطبيب ليفينسكي هو رجل متزوج يبلغ من العمر 34 عاماً وله طفلان ويعمل في مجال التكنولوجيا فائقة التطور. ومنذ ظهور فيروس كورونا المستجد، يعمل الرجل من المنزل وبدا كل شيء على ما يرام. لكن ببطء وبثبات، بدأ يشعر أنه من الصعب التركيز، ويمضي وقته في تفقد المواقع الإخبارية والشبكات الاجتماعية بحثاً عن معلومات حول “كوفيد-19″؛ مما أصابه بالأرق.

وشعر أنَّ مزاجه يتدهور وأنه غير قادر على العمل. ويقول ليفينسكي إن “هذا الرجل مثال جيد على حقيقة أنَّ تداعيات الأزمة النفسية بدأت تظهر. وبالرغم من أنه يشتكي من مجرد نقص الانتباه، الحقيقة أنه مصاب بالقلق”.

يقول ليفينسكي إنَّ “ضحايا القلق الجدد” يمكن تقسيمهم إلى مجموعتين. تضم المجموعة الأولى أولئك الذين بدأت معاناتهم النفسية منذ بداية الأزمة، وسرعان ما طلبوا العلاج أو استشاروا طبيب الأسرة. أما المجموعة الثانية فهي “مجموعة أكبر من الأشخاص الذين يعانون من القلق، والذين لا يُعرِّفون ما يشعرون به على أنه قلق، لكن على أنه مجرد شعور سيئ أو قلق أو أرق”.

وأضاف ليفينسكي: “هؤلاء ليسوا أشخاصاً أصيبوا فجأة بنوبة قلق، بل هم أشخاص يذهبون إلى طبيب الأسرة بأعراض أكثر غموضاً وشيوعاً: فهم لا ينامون في الليل، أو يسوء نمط نومهم ويستيقظون مبكراً والأفكار تتصارع داخل رؤوسهم”.

وأوضح: “هذه ليست أعراضاً محددة نربطها بنوبات القلق -من النوع الذي له بداية ونهاية- بل هذه هي الأفكار التي تدور في أذهانهم طوال اليوم: ماذا لو لم ننجح، ماذا لو حدث شيء لأطفالنا أو والدينا أو جيراننا. تضج رؤوسهم بالأفكار، ثم لا يستطيعون التركيز. وعندما تفقد التركيز، تشعر بالفشل. الناس مشغولون بمحاولة إدارة حياتهم، ويحاولون البقاء على قيد الحياة ويقولون لأنفسهم: لا بأس في أنهم لا ينامون، ولا يمكنهم التركيز وأنهم يتابعون الأخبار بهوس شديد؛ لأنه في هذه الحالة أمر طبيعي، لكن الحقيقة هي أنَّ هذا ليس طبيعياً”.

أجاب ليفينسكي: “الجميع في محنة. وتعاني نسبة كبيرة من الأشخاص من هذه المشاعر لكن من دون تحديدها، ويستمرون في ذلك. لكن هذه الأعراض النفسية تُعطِّل حياتهم؛ مما يعني أنهم مصابون باضطراب قلق”.

ومع حلول فترة إغلاق ثانية، سُجِّلَت زيادة بسيطة، لكن واضحة، في مستوى اضطراب القلق بسبب استمرار الفيروس والقلق الاقتصادي. لكن على الرغم من هذه الزيادة، لا تستدعي الأرقام الشعور بالذعر.

وفي هذا الصدد، أوضح البرفيسور غولان شاهار، من قسم الطب النفسي بجامعة بن غوريون: “الموجة والإغلاق الثانيان يثيران توتراً أكبر من الموجة الأولى لأنها ضربة ثانية. كان هناك أمل ونجاح بعد الإعلان عن تسطيح المنحنى، واستأنف الناس حياتهم”.

وتابع شاهار: “لكنهم اكتشفوا بعد ذلك أنَّ إعادة فتح الاقتصاد لم تدَر جيداً وأنه لا يوجد في الواقع أي شخص يشرف على الوضع. ولهذا بدأت ثقة العامة في القيادة تتراجع، ويمرون حالياً بعملية نفسية تشبه ما يعاني منه الطفل حين يفقد ثقته بوالديه”.

ويُعرِّف البروفيسور الجامعي القلق على أنه نتيجة لفيروس كورونا المستجد وليس أثراً جانبياً له. يقول: “تماماً مثل تأثير الأمواج المتتالية، عندما تتحرك موجة واحدة بفعل موجة أخرى. كل شعور بالتوتر يزيد من حدة الأعراض النفسية للقلق والاكتئاب. لذلك، ليس من المستغرب أنَّ الناس لم يبدأ يظهر عليهم أعراض نفسية من فيروس كورونا المستجد إلا مؤخراً”.

وبالرغم من أنَّ الجائحة تتعلق بالصحة الجسدية، يمكن الاستنتاج من دراسة أجراها البروفيسور شاهار مع الدكتورة لياد بركات بوجميل من مركز بيريز الأكاديمي، أنَّ المخاوف الاقتصادية لها نفس الأهمية. وهنا علَّق شاهار: “على الرغم من أنَّ تأثيرات المرض أقوى مما اعتقدنا في البداية، تجاوزه الكثير من الناس بسهولة نسبية. لكن في النهاية، فرص حدوث ضرر اقتصادي أكبر من فرص حدوث أضرار صحية، ما لم تكن من فئة السكان الأكثر عرضة للخطر الصحي المترتب على الفيروس”.

ووجدت هذه الدراسة أنَّ مستوى القلق الاقتصادي في إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة مساوٍ للقلق بشأن الصحة، وبالأخص بين الشباب.

وتضيف الدراسة: “تضر الجائحة تحديداً الأشخاص الذين يمرون بمرحلة من الحياة تكون فيها التزاماتهم في ذروتها، مثل الرهون العقارية. والشباب هم السكان المعرضون للخطر في الوقت الحاضر، على الرغم من أنهم فئة السكان ذات أعلى إنتاجية ومشاركة اقتصادية، وكذلك الأشخاص الذين لديهم أطفال صغار، ويستهلكون ويحافظون على حركة الاقتصاد. والأشخاص الذين يمثلون مستقبل المجتمع، هم من يواجهون الخطر الأكبر من بين الجميع”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى