تقارير وملفات إضافية

بعدما فعلوا المستحيل للفرار من بلدهم المعزول عن العالم.. لماذا وكيف يرجع العديد من الكوريين الشماليين لوطنهم؟

نادراً ما يُعلَن عن تفاصيل حالات الهروب إلى كوريا الشمالية، لكن البعض منها يتحول إلى أساطير. تشارلز روبرت جينكينز من ضمن هذه الحالات. وهو جندي أمريكي ساخط، شرب عام 1965 عشرة علب من البيرة قبل أن يترك موقعه في المنطقة منزوعة السلاح التي تقسم شبه الجزيرة الكورية، وهو خطأ أدى به إلى العيش في ظل نظام كيم الوحشي لمدة أربعة عقود.

تقول صحيفة The Financial Times البريطانية، على مدى السنوات العشرين الماضية، كان الكثير من الكوريين الشماليين الفارين إلى كوريا الجنوبية يجاهدون للتكيف مع الحياة في كوريا الجنوبية والتصدي للإجراءات القسرية التي تلجأ إليها الشرطة السرية في كوريا الشمالية bowibu لمحاولة إغرائهم بالعودة.

ويُشار إلى أن حوالي 30 كورياً شمالياً هارباً “عاودوا الهروب” من كوريا الجنوبية منذ تولى كيم جونغ أون السلطة عام 2011، وفقاً لما قاله نائب كوري جنوبي عضو في لجنة المخابرات التابعة للجمعية الوطنية لجمهورية كوريا. ويُقارن هذا الرقم بحوالي 33,600 كوري شمالي فروا إلى كوريا الجنوبية، من بينهم ما يقدر بنحو 900 في عداد المفقودين. ويعيش عشرات الآلاف الآخرين في الصين.

ولي مي يونغ (تم تغيير اسمها لحماية هويتها) من قصص الهروب الناجحة المثالية. فهي من جيل الألفية وأتت إلى كوريا الجنوبية قبل 10 سنوات، وتمكنت من تغيير لهجتها ولغتها لتبدو شبيهة باللهجة المحلية التي يكثر بها استعمال كلمات إنجليزية الأصل لا تُستخدم أبداً في كوريا الشمالية. وساعدتها هذه الحيل- إخفاء هويتها الحقيقية- في تيسير طريقها للدراسة والعمل وفتح العديد من المشروعات الصغيرة.

لكن عمة لي لم يحالفها الحظ بالقدر نفسه. ورغم هروبها عبر الصين إلى كوريا الجنوبية، وجدت صعوبة بالغة في التكيف مع الحياة في سيول وشعرت بالاشتياق لابنتها التي تركتها وراءها والتي أصبحت أماً بدورها. تقول لي إن عمتها قررت العودة سراً إلى كوريا الشمالية، على أمل العودة إلى الحياة التي ألفتها من قبل. لكن ما حدث هو أنها أصبحت تعيش تحت المراقبة المشددة للشرطة السرية، وينشر جهاز النظام الإعلامي قصتها لتحذير الناس من المشقة التي يواجهها من يغادرون الوطن الأم.

تقول لي إن عمتها خلال فترة وجودها في سيول: “كانت لا تكف عن البكاء”. ولكن “حياتها لم تعد ملكاً لها بعد الآن”.

ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز Database Center for North Korean Human Rights “قاعدة البيانات لحقوق الإنسان في كوريا الشمالية”، المنظمة غير حكومية التي مقرها سيول، عام 2019، يفكر واحد من كل خمسة هاربين في كوريا الجنوبية في العودة إلى كوريا الشمالية.

ويؤكد سوكيل بارك، من منظمة Liberty In North Korea “الحرية في كوريا الشمالية” التي تساعد الكوريين الشماليين على الهروب والتكيف مع الحياة في الخارج، أن من يعودون بالفعل “قلة قليلة” مقارنة بالعديد من قصص النجاح الرائعة.

وقال: “الكثير من الشباب الكوري الشمالي الذين أتوا إلى هنا ذهبوا إلى الجامعة في كوريا الجنوبية في الجيل الأول من المهاجرين، وفتحوا مشروعاتهم، وعملوا في جميع أنواع المهن، ويرسلون الأموال إلى وطنهم ويساعدون الآخرين على الهروب”.

بيد أن بارك يقول إن الهاربين يواجهون عدداً من التحديات، من العزلة والوحدة وغياب المجتمع، إلى التمييز والتحيز، فضلاً عن شعورهم بأنهم أقل من مواطني كوريا الجنوبية في مستوى التعليم والذكاء. قال: “عادة ما يقاسون مشاعر سلبية مثل الاكتئاب والقلق”.

يشير كيم سونغ مين، الهارب والناشط الديمقراطي في سيول، إلى أن شرطة كوريا الشمالية السرية شددت من إجراءات تعقبها للهاربين. إذ يمارس العملاء ضغوطاً هائلة على الهاربين لدفعهم إلى العودة، مستخدمين التهديدات والحوافز التي غالباً ما يعرضونها عبر أفراد عائلاتهم الذين ما يزالون في كوريا الشمالية. وقال إن بعض من عادوا إلى كوريا الشمالية “أُوهموا” بأن ثمة حياة أفضل في انتظارهم.

وقال بارك سانغ هاك، وهو هارب آخر تحول إلى ناشط، إن بعض الكوريين الشماليين عادوا بعد مواجهتهم مشكلات قانونية. وأشار إلى حادثة وقعت في يوليو/تموز الماضي، حيث زحف فيها أحد الهاربين، وفقاً لمسؤولين كوريين جنوبيين، تحت أسلاك شائكة وأنبوب صرف في جزيرة غانغهوا، ثم سبح لمسافة تزيد عن كيلومتر إلى كوريا الشمالية. وورد أن هذا الرجل، الذي أثار وصوله إلى مدينة حدودية في كوريا الشمالية مخاوف من تفشي فيروس كورونا، يخضع لتحقيق متعلق باعتداء جنسي.

يقول بارك، الذي ينتمي لمنظمة “الحرية في كوريا الشمالية”، إن حكومة كوريا الجنوبية ومنظمات المجتمع المدني تتحمل مسؤولية تحسين برامج إعادة توطين الهاربين. ويرى أيضاً أن بإمكان الكوريين الجنوبيين مجتمعين أن يفعلوا الكثير لاحتواء هوية الكوريين الشماليين.

يقول: “الكوريون الشماليون يشعرون بأنهم “شاذون” بطريقة ما، لأنك إذا ظننت أن المجتمع لن يرحب بك، فأنت تخفي هذا الجزء من هويتك وتحاول تجنبه حال إثارة الحديث عنه”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى