تقارير وملفات إضافية

التطبيع المؤجل.. لماذا لم يصل بومبيو وحمدوك لنتيجة حول العلاقة بين السودان وإسرائيل؟

لم يغادر وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الخرطوم، الثلاثاء 25 أغسطس/آب 2020، بصيد كبير كانت تتمناه واشنطن منذ أعلنت عن اتفاق الإمارات وإسرائيل على تطبيع العلاقات بينهما، وفقاً للمعلن في بيانات سودانية وأمريكية.

وهيمنت ثلاثة ملفات على مباحثات بومبيو، أول وزير خارجية أمريكي يزور الخرطوم منذ 15 عاماً، مع كل من رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبدالفتاح البرهان.

وهذه الملفات هي: إصرار سوداني على رفع اسم البلاد من قائمة ما تعتبرها واشنطن “دولاً راعية للإرهاب”، ومطلب أمريكي بتطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، ثم بحضور أقل قضية سد “النهضة” الإثيوبي.

وبينما جاءت المواقف في ملفي قائمة الإرهاب وسد “النهضة” تقليدية، حملت المباحثات حول ملف التطبيع مع إسرائيل جديداً سودانياً، إذ طلبت الخرطوم من بومبيو الفصل بين ملفي التطبيع وقائمة الإرهاب، وأوضحت له أن احتمال التطبيع من عدمه مؤجل، لحين تشكيل مجلس تشريعي.

وتضم هياكل السلطة في السودان خلال المرحلة الانتقالية ثلاثة مجالس، هي: مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، والمجلس التشريعي، وكان من المقرر تشكيل الأخير في يناير/كانون الثاني الماضي، لكنه لم يتشكل حتى اليوم.

في أول رحلة رسمية مباشرة بين تل أبيب والخرطوم، وصل بومبيو إلى العاصمة السودانية، الثلاثاء، ضمن جولة في الشرق الأوسط تضم إسرائيل، والسودان، والبحرين والإمارات.

وعقب لقائه بومبيو، قال حمدوك: “ناقشت بشكل مباشر وشفاف حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والعلاقات الثنائية، ودعم الحكومة الانتقالية”.

وبدأت بالسودان، في 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير، قائد الاحتجاجات الشعبية، التي أجبرت قيادة الجيش، في 11 أبريل/ نيسان 2019، على عزل عمر البشير من الرئاسة (1989-2019).

بدوره، قال مجلس السيادة، في بيان، إن البرهان طلب خلال مباحثاته مع بومبيو رفع اسم السودان من قائمة العقوبات والدول الراعية للإرهاب، في ظل التحول الديمقراطي والانفتاح على الخارج الذي يشهده السودان، وفقاً للبيان.

ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقوبات اقتصادية وحظراً تجارياً كان مفروضاً على السودان منذ 1997.

لكنها لم ترفع اسم السودان من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، المدرج بها منذ عام 1993، إثر استضافته الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

طائرة بومبيو هبطت في الخرطوم محملة بآمال أمريكية وإسرائيلية كبيرة بدفع السودان نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد أن أعلنت الإمارات وإسرائيل، في 13 أغسطس/آب الجاري، اتفاقهما على تطبيع العلاقات بينهما.

والإمارات هي ثالث دولة عربية تُقدم على هذه الخطوة، بعد الأردن ومصر، اللتين ترتبطان بمعاهدتي سلام مع إسرائيل عامي 1994 و1979 على الترتيب.

واستبق مسؤولون إسرائيليون، في مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، زيارة بومبيو للسودان، بتصريحات عن قرب التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب، وفقاً لمبدأ “السلام مقابل السلام”، وليس “الأرض مقابل السلام”، الذي يتمسك به الفلسطينيون.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان الثلاثاء، إن بومبيو التقى حمدوك والبرهان “للتعبير عن دعمه لتعميق العلاقات بين إسرائيل والسودان”.

ولم يتطرق بيان مجلس السيادة السوداني لقضية التطبيع، رغم أن رئيسه البرهان هو صاحب أول خطوة نحو إقامة علاقات مع إسرائيل، بلقائه نتنياهو في أوغندا، فبراير/شباط الماضي.

بينما قال المتحدث باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، إن حمدوك أوضح لبومبيو أن “المرحلة الانتقالية يقودها تحالف عريض بأجندة محددة لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد، وصولاً إلى انتخابات حرة”.

وشدد على أن “الحكومة الانتقالية لا تملك تفويضاً بتعدي هذه المهام للتقرير بشأن التطبيع مع إسرائيل”.

وأضاف أن “هذا الأمر يتم التقرير فيه بعد إكمال أجهزة الحكم الانتقالي”، داعياً إلى “الفصل بين عملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومسألة التطبيع مع إسرائيل”.

والموقف السوداني من قضية التطبيع كان مرتباً قبيل قدوم بومبيو بيوم، إذ عقد حمدوك اجتماعاً مع البرهان وقوى إعلان الحرية والتغيير.

وبينما لم تخرج تفاصيل عن اجتماع مغلق بين حمدوك والبرهان، أعلن التحالف الحاكم، في بيان فجر الثلاثاء، أن حمدوك وقوى إعلان الحرية والتغيير اتفقوا على أن يوضح حمدوك لبومبيو أن التطبيع ليس من قضايا الفترة الانتقالية.

وسيكون 67% من أعضاء المجلس التشريعي المنتظر، من قوى إعلان الحرية والتغيير، ويرفض الكثير من مكوناتها التطبيع، وعلى رأسها: الحزب الشيوعي، وحزب البعث، وحزب الأمة.

وفقاً لعبدالحميد عوض الكريم، كاتب صحفي، في حديث للأناضول، “يمكن تلخيص مباحثات بومبيو في الخرطوم بأنها لم تحقق ما أرداه الرجل بشأن قضية التطبيع بين السودان وإسرائيل”.

وتابع: “لم يتحقق طلب بومبيو، وهذا واضح من بيانات سودانية عقب اللقاءات، حيث لم يجد موافقة على التطبيع”.

وأرجع “الكريم” ذلك إلى ثلاثة أسباب هي “أن التنظيمات الأيديولوجية في قوى التغيير وقفت عائقاً أمام ذلك، مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث، الذي ينطلق من موقف عقائدي، وكذلك حزب الأمة القومي، بزعامة الصادق المهدي، وهؤلاء يرفضون التطبيع”.

ومن المكونات الأخرى في قوى إعلان الحرية والتغيير: تجمع المهنيين السودانيين، تحالف نداء السودان، تحالف الإجماع الوطني، والتجمع الاتحادي، إضافة إلى قوى مدنية.

واستطرد: “ثانياً حمدوك لا يبدو متحمساً لموضوع التطبيع، باعتباره لا ينطلق من سند سياسي كافٍ لاتخاذ قرار خطير، وثالثاً أن الموقف الشعبي عامة ليس مشجعاً للتطبيع”.

وبجانب ملفي قائمة الإرهاب والتطبيع مع إسرائيل، شغل ملف سد “النهضة” الإثيوبي حيزاً في مباحثات بومبيو بالخرطوم.

وقالت الخارجية الأمريكية، في بيانها، إن واشنطن والخرطوم اتفقتا على أن تحقيق اتفاق متبادل المنفعة بين السودان وإثيوبيا ومصر، بشأن ملء وتشغيل سد “النهضة” هو “أمر بالغ الأهمية للاستقرار الإقليمي”.

وتعثرت المفاوضات بين الدول الثلاث، على مدار السنوات الماضية، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة في فرض حلول غير واقعية.

وتُصرّ أديس أبابا على ملء السد حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مع القاهرة والخرطوم، فيما تصر الأخيرتان على ضرورة التوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي بشأن السد الواقع على النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل.   

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى