تقارير وملفات إضافية

هل يصر محمد بن سلمان على مشروع نيوم رغم تآكل أرصدة السعودية؟ الإجابة لدى إسرائيل

كانت عبارة “دائماً ما تبدأ قصص النجاح برؤية” تُزيّن الملصقات الضخمة الخاصة بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في سول العام الماضي، حين أجرى زيارته الرسمية الأولى إلى كوريا الجنوبية، وكان رؤية السعودية 2030 تمثل أيقونة العهد الجديد الذي يقوده الأمير الشاب.

ولكن مع دخول خطط رؤية 2030 عامها الخامس، وانتهاء جدولها الزمني خلال 10 أعوام، أصبحت المملكة تترنّح تحت وطأة الصدمة المزدوجة لانخفاض أسعار النفط والتداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

فهل هناك ضوءٌ في نهاية النفق بالنسبة لرؤية 2030؟

حين أُعلِنَت الرؤية وسط الكثير من الاحتفالات على يد نائب ولي العهد آنذاك، أشارت الأرقام إلى استثمار نحو تريليون دولار في المشاريع الضخمة، وجذب تريليون دولار إضافية من الاستثمارات الأجنبية. وكان من المتوقّع أن تصل أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى تريليوني دولار بحلول عام 2030.

ففي عام 2016 كانت المملكة تمتلك نحو 700 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية، وكانت أسعار النفط أعلى، بينما كان الأمير الشاب مستمتعاً للغاية بدوره الجديد في الديوان الملكي. ولم تكُن الرؤية مستحيلة التحقيق، من الناحية المالية على الأقل، رغم شكوك الكثيرين.

لكن صدمة كوفيد-19، وانخفاض أسعار النفط إلى النصف، فرضت ضغطاً هائلاً على الوضع المالي للمملكة. إذ تراجعت الاحتياطيات الأجنبية في مارس/آذار وأبريل/نيسان بنحو 48.6 مليار دولار -وهي أكبر انخفاضات شهرية حتى تاريخه، لتصل إلى 448.6 مليار دولار.

ولم تكُن الأمور على ما يُرام حتى قبل الجائحة، إذ لا يرجع الأمر إلى التباطؤ الاقتصادي نتيجة الجائحة فقط. وخير دليلٍ على ذلك هو أنّ موقع رؤية 2030 لم يُحدّث قسم “التقدّم الذي حققته الرؤية” في النسختين العربية والإنجليزية منذ عام 2018.

تعتمد الرؤية على ثلاثة محاور رئيسية هي “المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح”. لكن الاقتصاد تعثّر بطول الطريق بدلاً من أن يزدهر.

إذ ظلّت البطالة مرتفعة بين المواطنين خلال السنوات القليلة الماضية، عند نحو 12%، في حين نما الاقتصاد بنسبة 0.3% فقط خلال عام 2012. وربما نما الاقتصاد غير النفطي بنسبة 3.3%، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء، لكن تأثير انخفاض أسعار النفط وكوفيد-19 من المتوقّع أن يعكس تأثير تلك المكاسب. 

وتتوقّع وكالة Fitch Ratings للتصنيف الائتماني أن ينكمش الاقتصاد غير النفطي بنسبة 4% خلال العام الجاري.

ومن شأن هذه الأخبار أن تضُر بعملية التنويع الاقتصادي. إذ تُشكّل ثلاثة قطاعات -التجزئة والنقل والإنشاءات- أكثر من 60% من القطاع الخاص بحسب مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وهي قطاعات تأثّرت للغاية بالجائحة نتيجة الإغلاق. في حين سيؤدي ارتفاع ضريبة القيمة المضافة بثلاثة أضعاف، وخفض علاوات المعيشة إلى إضعاف الثقة في الاقتصاد. إذ يُوظّف قطاع التجزئة وحده نحو مليوني شخص، ويُساهم بنسبة 14% من إجمالي الناتج المحلي.

وكان قطاع الإنشاءات قد بدأ يسترد عافيته في عام 2019 بعد تراجع دام أربع سنوات، ولكن من المتوقع أن يُعاود التراجع من جديد هذا العام. كما تضرّرت الشركات الناشئة والصغيرة، التي كان من المفترض أن تُشكّل 35% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2030. فضلاً عن أنّ الجائحة ضربت أحد القطاعات الرئيسية في عملية التنويع الاقتصادي: السياحة، التي كان يُفترض أن تجذب 1.5 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030 (دون احتساب الحجيج).

وتأثّرت المناسك الدينية بالدرجة نفسه. إذ علّقت الرياض العمرة مع توقّعات بإلغاء موسم الحج في أواخر يوليو/تموز، أو تخفيض هائل في أعداد الحجيج بسبب كوفيد-19. واستضافت السعودية العام الماضي نحو 2.6 مليون حاج، مع تحقيق أرباح من السياحة الدينية وصلت إلى 12 مليار دولار.

مثّلت جهود الخصخصة واحدةً من الانتكاسات التي تعرّضت لها الرؤية، إذ كانت تلك الجهود تهدف إلى تمويل عملية التنويع وخزائن صندوق الاستثمارات العامة من أجل الاستثمار داخل وخارج البلاد.

وكان الحدث الكبير الذي يُنتظر أن يفتح الباب أمام خصخصة المزيد من أصول الدول هو العرض العام الأوّلي لشركة النفط الحكومية السعودية أرامكو، العام الماضي. وبدلاً من عرض 5% من الأسهم وجمع نحو 100 مليار دولار، جرى تخفيض العرض العام الأوّلي وبيع 1.5% فقط من الأسهم مقابل 26.5 مليار دولار.

وسيكون جذب المستثمرين الأجانب أمراً بالغ الصعوبة مستقبلاً، في أعقاب تراجع أرباح أرامكو، خاصةً بعد أنّ تسبّبت الرياض في انهيار أسعار النفط خلال شهر مارس/آذار.

إذ قال هيو مايلز، مُحرّر مجلة Arab Digest البريطانية في القاهرة: “لقد خسروا ثقة الجميع، ومن بينهم الأشخاص الذين استثمروا في أرامكو، لأنّهم بدأوا حرب أسعار وخدعوا الجميع [في أرباحهم المتوقّعة]”.

ومع ذلك، فإنّ هناك حاجة إلى الخصخصة لجمع المزيد من الأموال وزيادة أصول صندوق الاستثمارات العامة، التي يُفترض أن تصل في ظل الرؤية إلى تريليوني دولار بحلول عام 2030، بارتفاعٍ كبير عن الأصول الحالية التي تُقدّر بـ320 مليار دولار فقط.

إذ قال غاربيس إيراديان، كبير اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمؤسسة Institute of International Finance: “ربما تكون الرؤية طموحةً للغاية، لكنّهم يستطيعون الوصول إلى مبلغ تريليون دولار في حال أضافوا إليها خصخصة بعض الشركات السعودية”.

في الوقت الحالي، يبدو أنّ صندوق الاستثمارات العامة يمنح الأولوية لأمور أخرى بخلاف التنمية المحلية ورؤية 2030.

ففي ظل تزايد الضغوط المالية على المملكة، بدأ تحويل الأموال المُخصصة للرؤية من أجل تعويض الركود الاقتصادي. وفي أوائل مايو/أيار نقلت صحيفة عكاظ السعودية أنّ حملة التقشّف في البلاد ستقتطع ثمانية مليارات دولار من ميزانية رؤية 2030.

وهذه هي نفس القيمة التي أنفقها صندوق الاستثمارات العامة على الاستثمارات خارج البلاد هذا العام. فإبان ذروة جائحة كوفيد-19 في مارس/آذار وأبريل/نيسان، أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي أنّها حوّلت 40 مليار دولار إلى صندوق الاستثمارات العامة من أجل شراء الأصول الأجنبية بأسعار منخفضة، مُراهنةً بذلك على العائدات الكبيرة بعد انتهاء الجائحة.

ويُمكن أن يُؤثّر ذلك على جوهرة التاج في رؤية 2030: مشروع تطوير مدينة نيوم المستقبلية بقية 500 مليار دولار، ويُعَد اسمها اختصاراً للمصطلح اللاتيني العربي نيو-مستقبل Neo-Mustaqbal (أي مستقبل جديد). ومدينة نيوم هي عبارةٌ عن شركة مُساهمة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة.

لكن تقدُّم المشروع كان بطيئاً. فحتى الآن في عام 2020، لم يتضح بعد ما إذا كانت بعض أجزاء مشروع نيوم قد تم تأجيلها أو إلغاؤها. وجاء تعليق وزير المالية السعودي محمد الجدعان دبلوماسياً خلال رده على صحيفة Financial Times البريطانية في مايو/أيار، إذ قال إنّ المشاريع “التي حصلت على الموافقة سيستمر العمل عليها، وخاصةً مشروع نيوم”.

في حين تُشير تقارير أخرى إلى أنّ العمل توقّف في المشاريع العقارية المُتعلّقة بنيوم، مع تعويض شركات التطوير العقاري.

واختلف المُحلّلون فيما يتعلّق بالآفاق المستقبلية لمشروع نيوم. إذ يعتقد البعض أنّ المشروع ستُعاد دراسته وربما يُقلَّص حجمه على غرار الكثير من خطط رؤية 2030، بينما يعتقد آخرون أنّ المشاريع الضخمة من هذا النوع ستتواصل بسبب أهميتها الكبيرة.

وقال مايلز: “أعتقد أنّ الأمر سينتهي بالمشروع ليصير جوهرةً في الصحراء. وقد شهدنا ذلك من قبل في الدول الغنية بالنفط التي تحفل بالمشاريع الضخمة المُتباهية، وهذا واحدٌ من تلك المشاريع”.

وربما يتواصل الحماس لمشروع نيوم بفضل أهميته الجيوسياسية على البحر الأحمر بالقرب من إسرائيل، التي تتقارب الرياض معها خلف الأبواب المغلقة، حسب الموقع البريطاني.

إذ قال مايلز: “الغرض الحقيقي وراء مشروع نيوم هو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهذا هو سبب وجود المشروع في المقام الأول، ومحمد بن سلمان جاهزٌ لتحقيق ذلك”. كما لمّحت مقالةٌ منشورة على موقع نيوم إلى احتمالية التعاون مع قطاعات التقنية وتكنولوجيا المعلومات في إسرائيل.

وسيتعيّن على ولي العهد وحده اتّخاذ قرار استمرار المشروع من عدمه في ظل خضوع صندوق الاستثمارات العامة -وبالتالي مشروع نيوم- لسطوته.

لكن ثيودور كاراسيك، المستشار البارز بشركة Gulf State Analytics الاستشارية، يرى أنّ نيوم ومشروعات المنتجعات السياحية على البحر الأحمر -التي تُقدّر بمليارات الدولارات- ستتواصل: “لا مفر من استمرار تلك المشروعات التي تحظى بتفضيلٍ شخصي”.

وباتت آفاق الرؤية تبدو أكثر تبديداً للمال وأقل إشراقاً في ظلّ الاقتصاد المُترنّح، واتّساع عجز الميزانية، وانكماش الاقتصاد العالمي.

إذ قال ديفيد ويرنغ، الأستاذ الزميل في العلاقات الدولية بكلية رويال هولواي في جامعة لندن: “تتجاوز المشكلات تأثير كوفيد-19، لتدور الآن حول إمكانية تحقيق رؤية 2030 على أرض الواقع. حيث تبدو الرؤية وكأنّها قُتِلَت في مهدها بسبب عدم وجود المال”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى