تقارير وملفات إضافية

ربط نهر الكونغو بالنيل قد يغير الحياة بمصر.. فهل هو مشروع واقعي، وماذا كان مصير القناة المشابهة؟

عاد مشروع ربط نهر الكونغو بالنيل إلى الواجهة مجدداً، بعد الإعلان عن إجراء وفد من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، برئاسة اللواء محمود شاهين، دراسات جدوى لمشروع تحويل نهر الكونغو إلى نهر صالح للملاحة في المنطقة الواقعة بين كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومدينة بوما.

وتم تفسير مشاركة مصر في مشروع تجهيز نهر الكونغو للملاحة بأنها تهدف إلى ربط مياه النهر الكونغو بالنيل، في وقت تخشى فيه مصر تراجع حصتها من مياه النيل جراء سد النهضة الإثيوبي

وقال موقع Al Monitor الأمريكي، الثلاثاء 13 أكتوبر/تشرين الأول 2020، إن موقع Zoom Eco الكونغولي نشر نهاية سبتمبر/أيلول 2020، مقطع فيديو للوفد على تويتر، وقال فيه شاهين إن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية نفذت “استطلاعاً جوياً لمنطقة المشروع، إضافة إلى زيارات ميدانية من المقرر أن تستمر، حتى نكون قد أجرينا دراسة دقيقة، ونأمل أن تكون إيجابية لمشروع نهر الكونغو”.

ومشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل في مصر اقترحته شركة Sarco الخاصة المتخصصة في مجالات الاستثمار والتعدين، على الحكومة المصرية عام 2013، لتعويض شح المياه الذي تعاني منه مصر ولتطوير الموارد المائية في مصر.

واستند المشروع إلى فكرة نقل 110 مليارات متر مكعب من المياه من حوض نهر الكونغو إلى حوض النيل سنوياً عن طريق ربط النهرين، وهو ما يضاعف حصة مصر الحالية من مياه النيل.

إلا أن الحكومة المصرية أعلنت رفضها الرسمي للمشروع، بسبب الصعوبات والعقبات الفنية والهندسية والسياسية التي تحول دون تنفيذه، فضلاً عن تكلفته الباهظة وضرورة مرور الممر المائي المقترح ببعض المناطق غير الآمنة التي دمرتها الحروب الأهلية.

 نهر الكونغو، المعروف سابقاً باسم نهر زائير، هو ثاني أطول نهر في إفريقيا، وأقصر من نهر النيل (الذي يعد أطول نهر بالعالم)، ولكنه ثاني أكبر نهر في العالم من حيث حجم  المياه، بعد نهر الأمازون فقط. وهو أيضاً أعمق نهر مسجَّل في العالم، بأعماق تزيد على 220 متراً (720 قدماً).

فما يغري البعض بفكرة ربط النيل بالكونغو هو وفرة مياه الأخير وزيادتها على حاجة البلاد الغنية بالأمطار الاستوائية المتوافرة طوال العام، إذ يعتبر شعب الكونغو من أغنى شعوب العالم بالموارد المائية ونصيب الفرد من المياه في الكونغو 35000 متر مكعب سنوياً، إضافة إلى ألف مليار متر مكعب سنوياً تصب في المحيط.

هذا مقابل الصراع الذي يدور حول نهر النيل الذي تتشاطئ عليه عشر دول، ومعاناة مصر، الدولة التي يقارب سكانها مئة مليون نسمة، من نقص خطير في المياه يُخشى أن يتفاقم.

يتصور المشروع الفائدة المشتركة بين الدول المشاركة فيه، حيث تقدم الكونغو المياه مقابل قيام مصر بتقديم الخبراء والخبرات لتطوير مجموعة من القطاعات في الكونغو، خاصة على صعيد توليد الطاقة الكهربائية من المساقط المائية، بافتراض أن المشروع سيجعل الكونغو من كبرى الدول المصدرة للطاقة في العالم ويحقق لها عائداً مادياً ضخماً من توليد وتصدير الطاقة الكهربائية، إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء لمصر والكونغو والسودان، والنقل النهري بين بلدان الحوض الجديد.

تقوم فكرة المشروع على قيام السودان بتخزين ما يحتاجه من المياه في خزانات عملاقة أو إنشاء بحيرة عملاقة لتحويل المياه الإضافية للاستفادة منها، ثم توليد وتخزين المياه الكونغولية الغزيرة التي ستوفرها القناة، على أن يذهب جزء من المياه إلى مصر.

ومما يشجع المتحمسين للمشروع، عدم وجود نص واحد في القانون الدولي أو في اتفاقيات دول حوض النيل يمنع إقامة ذلك المشروع إلا في حالة واحدة، إذا عارضت أو رفضت الكونغو المشروع، بل العكس هناك بند في القانون الدولي يسمح للدول الفقيرة مائياً مثل مصر، بأن تعلن فقرها المائي من خلال إعلان عالمي وفي تلك الحالة يحق لمصر سحب المياه من أي دولة حدودية أو متشاطئة معها غنية بالمياه، والكونغو وافقت مبدئياً على فكرة المشروع ولم تبدِ أي اعتراض.

ونُسب إلى الدكتور عبد العال حسن، نائب رئيس هيئة المساحة الجيولوجية والثروة المعدنية بمصر، حديثه عن نجاح خبراء الهيئة في وضع 3 سيناريوهات علمية وجيولوجية تسمح بزيادة إيراد نهر النيل باستغلال جزء من فواقد نهر الكونغو التي تصل إلى 1000 مليار متر مكعب سنوياً تلقى في المحيط الأطلسي، وذلك عن طريق إنشاء قناة حاملة بطول 600 كيلومتر لنقل المياه إلى حوض نهر النيل عبر جنوب السودان إلى شمالها ومنها إلى بحيرة ناصر.

أظهر مبارك والسيسي على السواء، ولعاً بحفر القنوات والترع، فحفر مبارك مفيض توشكي الذي وعد بأنه سيكون نهر نيل جديداً، سيؤدي إلى زراعة مئات الآلاف من الأفدنة، ولا يعرف المصريون حالياً مصير هذا المشروع.

أما الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي فقد أصر على حفر ما تُعرف بقناة السويس الجديدة رغم انتقادات كثيرة بأنها ليست ذات جدوى اقتصادية.

وتكلف المشروع 8 مليارات دولار، منها 4 مليارات دولار لحفر قناة موازية للمجرى المائي الحالي لقناة السويس، و4 مليارات أخرى لحفر 6 أنفاق تعبر أسفل قناة السويس.

وأُنفق جزء كبير من التكلفة بالعملة الصعبة؛ لإصرار السيسي على حفر القناة في عام واحد، مما اضطره إلى الاستعانة بجهات أجنبية، رغم وجود قدرات مصرية كبيرة، ثم اعترف السيسي بأن هدفه من حفر القناة في عام واحد هو رفع معنويات المصريين، مبدداً مليارات من الدولارات الثمينة في وقت كانت مصر تعاني من شح العملة الأجنبية، واضطرت إلى تنفيذ تعويم قاسٍ لمواجهة هذه الأزمة.

الحفر الذي تكلف 4 مليارات دولار قبل عدة سنوات، استهدف حفر 35 كليومتراً للقناة الموازية، يمكن أن تتخيل كم ستتكلف القناة المقترحة للربط بين النيل والكونغو والتي سيبلغ طولها 600 كيلومتر في بيئة جغرافية أكثر وعورة وتعقيداً وبها جبال وغابات ومستنقعات.

الأهم أن هذه المنطقة تعد أكثر مناطق العالم اضطراباً وابتعاداً عن الحضارة والموانئ، مما يجعل المشروع، في حال موافقة الدول المعنية به عليه، عرضة لهجمات عسكرية وقبلية ومعوقات لوجيسيتة.

في عام 2015، أعلن علاء ياسين مستشار وزير الري والموارد المائية المصري لشؤون السدود، أن المشروع المقترح لربط نهر النيل بنهر الكونغو لن يمضي قدماً، “لأسباب فنية”. 

تم اقتراح المشروع من قِبل شركة Sarko Overseas، وهي شركة خاصة يملكها إبراهيم الفيومي، لكن مصر قررت عدم المضي في المشروع، على الرغم من ادعاء الشركة أن مصر يمكن أن تستفيد مما يقدَّر بنحو 110 أمتار مكعبة من المياه سنوياً من نهر الكونغو. .

يبدو أن مصر كانت مهتمة بالمشروع لكن فشلت الشركة الخاصة في تقديم تفاصيل معينة طلبتها لجنة من الخبراء التي أنشأتها الحكومة.

أرادت القاهرة المزيد من المعلومات فيما يتعلق بالمسائل الهيدروليكية والفنية.

وأشار تقرير قدمته اللجنة إلى مجلس الوزراء والرئاسة المصرية، إلى أن “طريق اتجاه المياه من نهر الكونغو إلى رابط أو مجرى سيتم إنشاؤه، لم يتحدد بعد”. 

وقال الأستاذ جمال القليوبي بالجامعة الأمريكية في القاهرة، إن على مصر التركيز على سد النهضة الكبير بدلاً من الربط المقترح بين النيل ونهر الكونغو. 

وفي دراسة أجراها في عام 2013، خلص إلى أن ما يقرب من 1000 مليار متر مكعب من مياه نهر الكونغو تضخ في المحيط الأطلسي سنوياً.

كان هناك مشروع أكثر واقعية وبدأ العمل فيه بالفعل، هو مشروع قناة جونقلي التي تهدف إلى اختصار مسار نهر النيل الأبيض في جنوب السودان لتقليل الهدر الذي يضيع في السدود النباتية والمستنقعات.

وشرعت مصر بالفعل في حفر قناة جونجلي بسبعينيات القرن الماضي، حيث تم حفر 260 كيلومتراً بواسطة الشركة الفرنسية التي فازت بعطاء تنفيذ الحفر، لكن توقف عند قرية الكونقر، نتيجة نشوب الحرب الأهلية عام 1983 بين الحركة الشعبية بقيادة قرنق في جنوب السودان والحكومة المركزية بالسودان آنذاك.

ويؤكد خبراء آنذاك أن المتبقي من المشروع الذي سيخدم مصر وجنوب السودان من الحفر، لا بد من إتمامه؛ لأهمية القناة للبلدين مصر وجنوب السودان.

عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، قال لموقع Al Monitor، إنه لا توجد صلة بين مشروع تحسين الملاحة في نهر الكونغو ومشروع ربط نهري النيل والكونغو.

وأشار عباسي إلى أن تنفيذ المشروع الأخير ليس سوى ضرب من الخيال بالنظر إلى كل المعوقات الطبيعية التي تحول دون تنفيذه، مثل سلاسل الجبال التي يصل عرضها إلى 600 كيلومتر وارتفاعها إلى 5000 متر، فضلاً عن القانون الدولي الذي يحظر نقل المياه من نهر إلى آخر.

أضاف شراقي أنه “في مشروع تحسين الملاحة بنهر الكونغو، تقدم مصر خبرة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، إضافة إلى معدات الحفر التي استخدمتها في حفر قناة السويس الجديدة. والمشروع يهدف إلى دعم التعاون بين البلدين وتعزيز حضور مصر في المنطقة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى