آخر الأخبارتراند

عندما خرجت الجولان من سوريا ولم تعُد لسوريا الحبيبة

الأرض السورية التي أهدتها أمريكا للاحتلال الإسرائيلي

بقلم رئيس التحرير

ماجستر سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

تشمل هيمنة “إسرائيل” أربع دول، فلسطين، لبنان، الأردن وسوريا. لا يمكننا أن ننظر إلى الاحتلال، دون أن نرى هاجس تأمين الموارد المائية، مع كل ما يتطلّبه هذا التأمين من ممارسات احتلالية. فالأرض لا قيمة لها دون ماء. يروي هذا المقال مركزية المياه في نشوء الكيان الصهيوني وتوسّعه، عبر مفاوضاته أو حروبه.

تعتمد المجتمعات الاستيطانية بشكل كُلّي على الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي المحتلة.1 وهي تتبع علاقة طردية ما بين الأرض، مواردياً ورمزياً، وشروط البقاء واستمرارية المحتل عليها  لحصر المصادر الاقتصادية تراكمياً تحت سيطرتها وتجريد السكان الأصليين من سبل عيشهم. ويحصل ذلك عبر اقتلاع رابطهم الإنتاجي والعاطفي  مع أرضهم لبناء كيانٍ سياسيٍ حصري يخدم مجتمعاً جديداً يستبدل بدوره الشعب الأصلي وفضاء معيشته، ويستغلّه ويقمعه. لا يشذُ الفكر الاستيطاني الصهيوني عن هذا التوجّه وتتجلّى فيه عناصر التراكم البدائي ، وأكثرها وضوحاً في استراتيجية الصندوق القومي اليهودي Jewish National Fund. منذ نشأته في المؤتمر الصهيوني الأول ، سعى الصندوق القومي إلى استملاك أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الخصبة والقابلة للزراعة؛ حيثُ تمركزت أول البؤر الاستيطانية في فلسطين حول الزراعة في مجتمعات صهيونية.

ففعل الزراعة، تاريخياً وحديثاً، ركيزة أساسية في عملية الاحتلال، إذ خدمَ ويخدم عدة أهداف تجعل من مشروعه أكثف وأمتن في وجه السكان الأصليين؛ وهو أداة تم استغلالها في فلسطين على أصعدة متنوعة. على سبيل المثال، خلقت الحراثة الحديثة ذات الخطاب الآتي من عصر التنوير، مجتمعات جديدة بأهداف واحدة، ليبني المستوطن عندما يفلح الأرض المُحتلة رابطاً مُفبركاً معها خدمةً لـ”تأصيله”.

زادت الزراعة من القدرة الاستيعابية للأرض استعداداً لأفواج جديدة من المستوطنين، وخلقِ طلب (وطعام) لأيدي عاملة يهودية مُراد استقطابها. هذا إلى جانب رسمها لرواية وخطاب وبروباغندا مُثلى لمُحتل أبيض جاء من كل مكان في مكان جديد في عهد الإمبريالية والاستعمار:

 تمثّل زراعة الرجل الصهيونى الذى جاء من كل مكان فى أوروبا الشرقية بالنسبة للقوى الإمبريالية التقدّم والاستغلال الأمثل للأرض، والطرق الأحدث لترويضها، و”جعل الصحراء تنبُت وتُزهر”، أمام وسائل والمعرفة التراكمية لسكان الأرض الأصليين الذين يُنظر إليهم من زاوية البربرية والرجعية. كل هذه ركائز أساسية لتأليف تكتل وطني مُفتعل.

ومن أبرز الأمثلة على هذا الفكر الاستعماري-العنصري وبلورته في فلسطين، رئيس اتحاد المزارعين اليهود موشيه سميلانسكي ولد العام 1874 في اوكرانيا هاجر الى فلسطين العام 1890 وكان من مؤسسي مستوطنة الخضيرة، ووصفه لقرية الملبّس المُهجرّة (التي بُنيت على أطلالها مستوطنة بتاح تكفا الزراعية) حيث قال أنّ أساليب المزارع الفلسطيني “البدائية والرجعية” عنت أنّ “الطيور التي تعبر فوق هذه الأراضي تفقد ريشها”، متناسياً دور التبرّعات المادية من قبل البارون إدموند روثشايلد إلى جانب جمعية الإستعمار اليهودي Jewish Colonisation Association في أي نجاحات زراعية صهيونية بعد احتلال القرية – أي أنّ هذه الأموال استُعملت لتجفيف بحيرة تسبّبت في تفشي مرض الملاريا. ، ولم يكن التجفيف ضمن قدرة الفلاح الفلسطيني، نتيجة تفقيره.

في الرابع عشر من ديسمبر 1981 ضمت إسرائيل رسميا هضبة الجولان التي احتلتها من سوريا بحرب الأيام الستة 1967. وتبرر إسرائيل قرارها بوجود أبعاد تاريخية وإستراتيجية وتصر على اعتبار الهضبة أرضا تابعة لها رغم رفض الأمم المتحدة.

من أعلى الهضبة في الجولان يمكن مشاهدة بحيرة طبريا في شمال إسرائيل وكذلك لبنان وسوريا.

قبل أربعين عاما، في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1981 دعا رئيس وزراء إسرائيل حينها مناحيم بيغن حكومته إلى الاجتماع للعمل على قانون يمنح إسرائيل الحق بتطبيق القانون الإسرائيلي في مرتفعات الجولان المحتلة، أي ضم المرتفعات على أرض الواقع، معللا قراره باتخاذ هذه الخطوة بسبب “الموقف المتشدد” من جانب سوريا تجاه إسرائيل.

وفي نفس اليوم، تم تمرير مشروع القانون في الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، بأغلبية 63 صوتًا مقابل 21 صوتا معارضا في ثلاث قراءات. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، أصبحت مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل من سوريا في حرب الأيام الستة عام 1967، جزءًا من دولة إسرائيل.

ردود الفعل جاءت فورية، فقد رفضت معظم الدول الاعتراف بالخطوة الإسرائيلية. الإدارة الأمريكية حينها، بقيادة الرئيس رونالد ريغان، أعربت عن “قلقها العميق ومعارضتها لهذه الخطوة” ، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية. كما علقت إدارة ريغان فيما بعد اتفاقية تعاون عسكري مع إسرائيل. أما الأمم المتحدة فقد أصدرت القرار رقم 497، الذي نص على أن “القرار الإسرائيلي بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغ وليس له أي أثر قانوني دولي”.

ويرى مؤرخون أن هناك اعتبارات سياسية داخلية لقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، فضلا عن اعتقاد بيغن نفسه بأن مرتفعات الجولان ستبقى إسرائيلية. ويقول دان أورباخ المؤرخ العسكري في الجامعة العبرية: “لقد آمن بيغن، من وجهة نظر أيديولوجية، بما نسميه ’إسرائيل الكبرى’”، مشيرا إلى إستراتيجية تنص على أن جميع مناطق “فلسطين التاريخية “يجب أن تنتمي لدولة إسرائيل. ويضيف أورباخ بأن “بعض المناطق كانت أكثر أهمية من غيرها ومرتفعات الجولان كانت مهمة لأسباب أمنية إستراتيجية”.

موقع استراتيجي هام

من أعلى الهضبة في الجولان يمكن مشاهدة بحيرة طبريا في شمال إسرائيل وكذلك لبنان وحتى سوريا. والعاصمة دمشق ليست بعيدة. في الشتاء، جبل الشيخ المغطى بالثلوج، هو منطقة التزلج الوحيدة في إسرائيل. كما أن مرتفعات الجولان المحتلة مع بحيرة طبرية يعتبران مصدرا مائيا مهما.

ومن وجهة نظر عسكرية فإن الموقع الاستراتيجي هو ما يجعل المنطقة مهمة للغاية. ولا تزال هناك آثار مازالت شاهدة على الماضي: علامات صفراء تحذر من حقول الألغام معلقة على عدد غير قليل من الأسوار. دبابات صدئة ومواقع عسكرية سورية قديمة ومنازل متداعية تذكر بتأريخ الأحداث التي جرت في مرتفعات الجولان، حيث خاضت إسرائيل وسوريا الحرب على أرضها.

في حرب الأيام الستة عام 1967 استولت إسرائيل على المنطقة واحتلتها من سوريا، ما اضطر معظم السكان السوريين إلى الفرار أو هجروا من ديارهم. وبقيت قرى قليلة فقط، حيث لا يزال الدروز العرب يعيشون فيها حتى اليوم. في عام 1973 فشلت محاولة القوات السورية استعادة الجولان. وانتهت حرب يوم الغفران كما تطلق عليها إسرائيل، والمعروفة أيضا باسم الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، في عام 1974 باتفاق لوقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل ونشر بعثة من قوات الأمم المتحدة أو ما يطلق عليهم الخوذ الزرقاء. وحتى اليوم فشلت عدة محاولات للتفاوض على اتفاقية سلام بين البلدين.

اكتسب البعد الأمني للمرتفعات أهمية إضافية مع الحرب الأهلية في سوريا منذ عام 2011. يقول إيال زيسر، المؤرخ والخبير في الشؤون السورية بجامعة تل أبيب: “بجانب الأبعاد المعنوية والتاريخية، فإن الأسباب تعود إلى أهمية الجولان كمنطقة عازلة مع سوريا. نشاهد الفوضى في سوريا، وتواجد إيران وحزب الله هناك”. ويضيف زيسر: “المنطقة تعتبر حاجز بين إسرائيل وبين ما يحدث في سوريا. ومن وجهة نظر استراتيجية، الأفضل لإسرائيل أن تجلس على المرتفعات بدلاً من أن تجلس في الوادي”.

اكتسب البعد الأمني للمرتفعات أهمية إضافية مع الحرب الأهلية في سوريا منذ عام 2011. يقول إيال زيسر، المؤرخ والخبير في الشؤون السورية بجامعة تل أبيب: “بجانب الأبعاد المعنوية والتاريخية، فإن الأسباب تعود إلى أهمية الجولان كمنطقة عازلة مع سوريا. نشاهد الفوضى في سوريا، وتواجد إيران وحزب الله هناك”. ويضيف زيسر: “المنطقة تعتبر حاجز بين إسرائيل وبين ما يحدث في سوريا. ومن وجهة نظر استراتيجية، الأفضل لإسرائيل أن تجلس على المرتفعات بدلاً من أن تجلس في الوادي”.

تسعى إسرائيل لمنع إيران وحزب الله اللبناني، الداعمين للنظام في دمشق، من بناء جبهة هناك وتعزيز وجودهما في الدولة المجاورة لها. سلاح الجو الإسرائيلي نفذ العديد من الهجمات، وإن كانت لم تعلن عنها إسرائيل في الغالب، على قوافل أسلحة ومواقع عسكرية محتملة في سوريا في السنوات الأخيرة.

اعتراف أميركي بتغريدة

انتقل أريك غولاندسكي مع عائلته من تل أبيب إلى السكن في مرتفعات الجولان في عام 2008. لم تكن هناك دوافع سياسية لهذه الخطوة، لكنه يفضل أن يرى أطفاله ينشؤون خارج المدينة، بحسب ما يقول رب الأسرة في اتصال هاتفي. ويضيف: “أعتقد أنه إذا سألت الناس اليوم عن قانون (1981)، فلن يتذكره سوى القلة – باستثناء الجيل الأكبر سنًا الذي عاش هنا والذي قاتل من أجله. بالنسبة لي، ليس هناك شك في أن الجولان تنتمي إلى إسرائيل”، يقول غولاندسكي الذي يشعر بالأمان هنا على الرغم من الحرب في الدولة المجاورة. ويقول: “لكن ما نتذكره اليوم هو ما جرى في عام 2019، عندما قال دونالد ترامب إن الجولان تمثل رسميا جزءا من إسرائيل، والولايات المتحدة تعترف بذلك”.

ففي آذار / مارس 2019 ، وقبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، غيّرت تغريدة ظهرت في وقت الظهيرة نهج السياسة الخارجية الأمريكية الذي امتد لعقود: إذ أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب أن الولايات المتحدة ستعترف من الآن فصاعدا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.

وحتى الآم لم تلغ الإدارة الأمريكية الحالية في عهد الرئيس جو بايدن القرار. وكما يبدو فإن هناك رغبة في ترك الأمر مفتوحا للمستقبل. وفي مقابلة مع محطة CNN الأمريكية في شباط/ فبراير، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إن السيطرة على الجولان لاتزال “ذات أهمية كبيرة” لأمن إسرائيل في الوضع الحالي. إذا تغير الوضع في سوريا، فسيتم إعادة تقييم الحالة، لكن هذا الأمر “بعيد” في الوقت الحالي.

الجولان إسرائيلية. نقطة”

في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي استذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قرار مناحيم بيغن في خطاب ألقاه. وقال بينيت: “قبل أربعين عاما، اتخذت حكومة مناحيم بيغن قرارا جريئا وهاما للغاية: تطبيق القانون الإسرائيلي على مرتفعات الجولان”. كما أعلن بينيت أنه يريد مضاعفة عدد السكان على الأقل في السنوات القليلة المقبلة وأنه سيبني مستوطنتين جديدتين لهذا الغرض. ومن المقرر عقد اجتماع لمجلس الوزراء في الجولان في هذا الشهر.

حتى اليوم تعتبر كثافة السكان في الجولان منخفضة ويبلغ عدد السكان فيه المرتفعات حوالي 50 ألف نسمة. وفيما يشكل أكثر من نصف السكان من المستوطنين اليهود، فهناك دروز عرب، كثير منهم يعتبرون أنفسهم سوريين ويرفضون الحصول على الجنسية الإسرائيلية.

وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت فهو لا يترك مجالاً للشك في أن إسرائيل ستتمسك بمرتفعات الجولان ، حتى لو تغيرت نظرة المجتمع الدولي لسوريا في المستقبل. إذ يقول: “حتى في حالة – ويمكن أن يحدث – يرى العالم  من وجهة نظر مختلفة بالنسبة لسوريا، أو بشأن نظام الأسد، فلن يكون لذلك تأثير على الوضع في الجولان. فمرتفعات الجولان هي إسرائيل، نقطة على السطر”.

كيف يمكن إحباط اعتراف أمريكا بسيادة إسرائيل على الجولان؟ومتى تعود الجولان لأهلها ؟؟؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى