آخر الأخباراقتصاد

إسرائيل ودعم بايدن المستميت لها رغم خطورته على مصالح أمريكا

تحليل بقلم

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

” لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان على أمريكا أن تخلق إسرائيل”،بايدن

هذه الكلمات التي قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان سيناتوراً قبل 40 عاماً، كررها خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، فما سر دعم بايدن لإسرائيل بهذا الشكل المطلق، رغم أنه كاثوليكي والكاثوليك الأمريكيون عادة ليسوا داعمين للدولة العبرية بنفس مقدار البروتستانت الذين يشكلون أغلبية الأمريكيين ويمثلون حجز الزاوية في التأييد الأمريكي لها.

 وفي تأكيد على دعمه المطلق للدولة العبرية الذي قد يفوق أي رئيس أمريكي، قال بايدن لزعماء اليهود الأمريكيين هذا الأسبوع: “أعتقد حقاً أنه لو لم تكن هناك إسرائيل، فلن يكون هناك أي يهودي في العالم آمناً في نهاية المطاف. إنها الضمان النهائي الوحيد”. 

اعترف بأنه صهيوني والآن يمنح نتنياهو الضوء الأخضر لإبادة غزة بدون معايير أخلاقية

وخلال زيارته في يوليو/تموز 2022، إلى إسرائيل، قال بايدن إن “العلاقة بين الشعب الإسرائيلي والشعب الأمريكي عميقة للغاية”، واعتبر أنه ليس من الضروري أن يكون المرء يهودياً ليكون صهيونياً (علماً أنه كان هناك قرار سابق من الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، وإن كان قد تم إلغاؤه في التسعينيات).

هذه المرة لا يبدي بايدن فقط تأييداً لا متناهياً لإسرائيل، بل إنه يبدو أنه يعطيها الضوء الأخضر للقيام بإبادة جماعية في غزة، بما في ذلك تهجير سكان القطاع لمصر أكبر حلفاء واشنطن والمنطقة تمهيداً للتصفية النهائية للقضية الفلسطينية، رغم ما في ذلك من مخاطر كبيرة على الاستقرار في الشرق الأوسط.

ولكن بايدن الذي سبق أن قال إن المساعدات البالغة ثلاثة مليارات دولارات التي تقدمها واشنطن لتل أبيب هي أفضل استثمار خارجي نفذته الولايات المتحدة، في تجاهل واضح لما سببته هذه السياسة من مآسٍ للفلسطينيين والعرب، وكيف ساهمت في إشعال التطرف بالمنطقة، وتوريط أمريكا في حروب باهظة بها، وها هي السياسة تهدد بوضع أخطر لن يكون فيه سكان المنطقة فقط هم من يدفعون الثمن، بل أيضاً الأنظمة العربية الحليفة لأمريكا  بما يهدد مصالح واشنطن في وقت تريد فيه التركيز على تنافسها مع الصين وروسيا. 

ولكن يبدو أن دعم بايدن لإسرائيل، مناقض لأخلاقياته المزعومة بما في ذلك التزامه الأخلاقي تجاه مأساة الهولوكوست، فسياسته في حقيقة الأمر تعيد تكرار مأساة اليهود التي حدثت بأوروبا ولكن هذه المرة بحق الفلسطينيين في وطنهم.

كما أنها تمثل خيانة لإرث بايدن العائلي كـ”كاثوليكي” جاء أسلافه من أيرلندا التي تعرضت لاحتلال وتطهير عرقي بريطاني مماثل لما يحدث في فلسطين. 

دعم بايدن لإسرائيل كان مشوباً ببعض المخاوف المحدودة في السابق

على مرّ السنين، أظهر بايدن دعماً كبيراً لإسرائيل بينما أعرب أيضاً عن مخاوف خاصة بشأن بعض تصرفاتها، ولكن اليوم يبدو أن هذا الحذر الذي كان قليلاً في الأصل، قد تلاشى.

فرغم أنه بصفته رئيس الدولة الراعية للتسوية السلمية يعلم أن إسرائيل ضربت عرض الحائط بكل القوانين والقرارات الدولية، بما في ذلك التفاهمات التي أبرمت بوساطة الأمريكيين وتواصل الاستيلاء على أراضي الضفة لصالح المستوطنات، وتحاصر غزة، وأصبحت تنفذ اقتحامات بحق الأقصى بشكل شبه يومي تمهيداً لتقسيمه زمانياً ومكانياً ثم الاستيلاء عليه، ولكنه يبدو أنه مصدوم من رد المقاومة الفلسطينية التي سبق أن حذرت مراراً، من تجاوز الخطوط الحمراء الفلسطينية والمساس بالمقدسات الإسلامية والمسيحية وبحرمة الأسرى لاسيما النساء.

ويتعامل بايدن كأن الفلسطينيين هم الجناة وليسوا الضحية، بل إنه برأ إسرائيل من مذبحة المستشفى المعمداني رغم وضوح الأدلة.

في الوقت الحالي، لم يقدم بايدن سوى تحذيرات غامضة مفادها أن إسرائيل يجب أن تتبع قواعد الحرب، والتي يقول مسؤولو الأمم المتحدة إنها تنتهكها عبر تكتيكات الحصار التي تؤدي إلى تضاؤل ​​إمدادات الغذاء والدواء والكهرباء.

وبدلاً من ذلك، انصب تركيز بايدن على إظهار التضامن “الثابت” مع إسرائيل، بما في ذلك تصريحاته خلال اجتماع في البيت الأبيض مؤخراً  مع الزعماء اليهود للحديث عن مكافحة معاداة السامية. 

فما هو السر في هذا التأييد الأعمى لإسرائيل، التي تخالف الأجندة الصاعدة للحزب الديمقراطي الأكثر إنسانية التي تطالب بموقف أكثر توازناً تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

إنه سياسي من جيل ديمقراطي قديم

ظلّ دعم بايدن لإسرائيل قوياً على مر السنين حتى مع حثّ بعض أركان حزبه الديمقراطي على اتباع نهج أكثر انتقاداً تجاه البلاد واحتلالها المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية، والذي يعتبره المجتمع الدولي على نطاق واسع غير قانوني.

يقول آرون ديفيد ميلر، الذي قدّم المشورة للإدارات الديمقراطية والجمهورية في الشرق الأوسط عن بايدن: “إنه سياسي من جيل ربما لم يعد موجوداً بعد الآن”.

ولاؤه لإسرائيل يعود لطفولته واستمر طوال حياته السياسية 

ويعود ولاء بايدن لإسرائيل إلى طفولته التي شهدت ولادة الدولة اليهودية واستمر طوال حياته السياسية.

زار جو بايدن “داخاو”، معسكر الاعتقال سيئ السمعة في ألمانيا، عدة مرات من قبل، لكنه تأثر أكثر عندما زاره كنائب للرئيس مع حفيدته المراهقة. 

أصرّ على زيارة غرف الغاز

يتذكر بايدن في مذكراته التي نُشرت بعد عامين من زيارة عام 2015: “يبدو الأمر كما لو أن الأمور قد أعيد ترتيبها لجعل الزوار أقل انزعاجاً”. “لقد خففوا من حدة الحواف القاسية على مر السنين”، حسب ما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتد برس “AP” الأمريكية.

وبسبب عدم رغبته في القبول بما يعتقد أنها تجربة مخففة، طلب بايدن من المرشدين إحضارهم إلى غرفة الغاز، حيث “أغلقوا الباب خلفهم”.

وقال تيد كوفمان، وهو صديق ومستشار قديم: “إنه يستخدم كل معارف الناس والقضايا التي جمعها على مدار الخمسين عاماً الماضية للتعامل مع ما يجري الآن”. 

وخلال تصريحات له استذكر زياراته إلى داخاو، قائلاً إن البعض يشكك فيما إذا كان من المناسب إحضار أحفاده، وأبنائه قبلهم، إلى معسكر الاعتقال عندما كانوا صغاراً. وقال إنه من المهم إظهار ليس فقط قسوة المحرقة ولكن اللامبالاة التي سمحت بحدوثها.

وقال بايدن بصوت مرتفع وضرب بقبضته على المنصة: “أردتهم أن يروا أنه لا يمكنك معرفة ما يحدث”.

واليوم يصور بايدن موقفه الداعم للعدوان الإسرائيلي بأن هدفه عدم تكرار هذه المبالاة، ولكن الواقع إن إسرائيل هي الجاني وسكانها اليهود ليسوا معرضين لخطر الإبادة كما حدث في أوروبا في الثلاثينيات والأربعينيات، ولكن الشعب الفلسطيني هو المعرض لهذا الخطر، وهذه المرة ليست هناك لا مبالاة أمريكية أو غربية، بل ضوء أخضر، أي إن بايدن والغرب برمّته شريك في هذه الجريمة.

نصف قرن من دعم الصهيونية بما فيها تقبل إمكانية إبادة العرب نووياً

لقد عمّق بايدن دعمه للصهيونية من خلال 50 عاماً من الاجتماعات مع القادة الإسرائيليين، حيث التقى بكل رئيس وزراء إسرائيلي على مدار أكثر من 5 عقود قضاها في مناصب منتخبة، بدءاً من غولدا مائير في عام 1973. إنها قصة يعيد سردها بشكل متكرر، آخرها يوم الثلاثاء الماضي. 

وخلال رحلة بايدن الأولى إلى إسرائيل بعد انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ، قال إن غولدا مائير شعرت بقلقه بشأن مستقبل البلاد. وبينما كانوا يلتقطون صورة بعد لقائهم، كما يتذكر بايدن، بأنها قالت له “ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه”.

ولكن الأخطر ما يقوله بايدن نفسه، إنها همست له بأن إسرائيل لديها “سلاح سري” لحماية نفسها، والذي قد تقصد به في الأغلب الأسلحة النووية، وهو ما يشير إلى قبوله لأي تصرف عدواني من إسرائيل حتى لو أدى لإبادة سكان المنطقة الأصليين، مثلما فعل الأمريكيون بالهنود الحمر. 

ولا تزال الأراضي الفلسطينية تحت السيطرة الإسرائيلية، وقد اعترف بايدن العام الماضي خلال زيارة إلى بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة، أنه لا يوجد أمل فوري يذكر في دفع عملية السلام. 

ومؤخراً، كانت محطته الأولى بعد وصوله إلى إسرائيل هي ياد فاشيم، النصب التذكاري للمحرقة، حتى يتمكن من “تجديد تعهدنا بعدم تكرار ذلك أبداً”. 

سياسته قامت على دعم لا محدود لإسرائيل ودفن أية خلافات

يتذكر فرانك جانوزي، الذي عمل مع بايدن عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، كيف أعطى بايدن توجيهات صريحة بضرورة التعامل مع أية خلافات مع إسرائيل بهدوء.

وأشار جانوزي إلى أنه “كان من المهم للغاية في الأماكن العامة، سواء كان ذلك أمام الكونغرس أم وسائل الإعلام أم على الساحة الدولية، أن تقف الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع إسرائيل”.

ويزعم جانوزي إن الدافع وراء دعم بايدن لإسرائيل بهذا الشكل المطلق هو أنه “إذا شعرت الدولة العبرية بعدم الأمان في العالم، أو بالعزلة، لأن أمريكا نأت بنفسها بطريقة أو بأخرى، فمن غير المرجح أن تستمع إسرائيل إلى نصيحتنا”.

بالطبع بايدن والساسة الأمريكيون يتجاهلون أن الدعم اللامحدود وغير المشروط لإسرائيل هو الذي شجعها على مخالفة القوانين والقرارات الدولية ومواصلة الانتهاكات بحق الفلسطينيين ومقدساتهم وتعزيز الاحتلال الذي تعترف واشنطن بأنه غير قانوني. 

علاقته توترت بنتنياهو بسبب التعديل القضائي والآن عقدا زيجة جديدة على حساب الدم الفلسطيني

وقد قام بايدن بخروج نادر عن هذا النهج الداعم لإسرائيل عند التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يقود حكومة ائتلافية يمينية تضم قادة قوميين متطرفين، ولكن غضبه كان منصباً على تأثيرات سياسة هذه الحكومة على الديمقراطية الإسرائيلية الداخلية، وليس على حقوق الشعب الفلسطيني. 

ولكن الآن عقدت زيجة جديدة بين بايدن ونتنياهو والصداق المسمى بينهما هو “الدم الفلسطيني”.

فمنذ هجمات المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحدث بايدن ونتنياهو بشكل متكرر، واحتضن بايدن نتنياهو فور وصوله لإسرائيل، وأعرب المسؤولون والمعلقون الإسرائيليون من مختلف الأطياف السياسية عن امتنانهم لدعم بايدن، ما قوّض انتقادات الجمهوريين لنهج البيت الأبيض تجاه المنطقة.

وكتب هيرب كينون في صحيفة جيروزاليم بوست أن الرئيس الأمريكي “وضع للتو معياراً جديداً لدعم الدولة اليهودية والشعب اليهودي في أوقات المأساة والحرب”.

وقال بايدن بعد هجوم المقاومة: “سوف نتأكد من أن دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية قادرة على الدفاع عن نفسها اليوم وغداً، كما فعلنا دائماً”.

وجاءت زيارة بايدن التضامنية إلى إسرائيل بعد مذبحة المستشفى المعمداني التي راح ضحيتها نحو 500 فلسطيني.

لوحات تقول “شكراً لك سيدي الرئيس” تُرفع في إسرائيل

إن عمق التزام الرئيس بايدن قد أثار إعجاب الإسرائيليين إلى حد كبير، على الرغم من أن حرب غزة إذا طال أمدها يمكن أن تختبر المشاعر على كلا الجانبين.

يمثل هذا الموقف نقطة تحول أساسية في علاقة الجمهور الإسرائيلي بالرئيس الأمريكي جو بايدن، حسب ما ورد في مقال لديفيد ماكوفسكي  الزميل المتميز في معهد واشنطن ومدير مشروع كوريت للعلاقات العربية الإسرائيلية، والذي نشر في موقع the Times of Israel، وأعادت وكالة أسوشيتد برس “AP” نشره.

وكان لدعم بايدن لإسرائيل بهذا الشكل تأثير استثنائي وفوري داخل إسرائيل. واعتذر أحد المعلقين في القناة 14 اليمينية الإسرائيلية لبايدن على الهواء لتشكيكه في التزامه تجاه إسرائيل في الماضي، قائلاً إن هذه “لحظة الحقيقة”. 

ظهرت لوحات إعلانية ضخمة على طريق أيالون السريع في تل أبيب تقول: “شكراً لك سيدي الرئيس” وتقتبس من خطابه. وتراوحت ردود الفعل الإسرائيلية، في التلفزيون الإسرائيلي ووسائل التواصل الاجتماعي، بين الامتنان والنشوة.

لم يكن هناك أي من المصطلحات الدبلوماسية المعتادة التي تدعو الجانبين إلى ممارسة ضبط النفس المتبادل. بل قال إن إسرائيل تواجه “الشر المطلق”. 

ولم يسبق لرئيس أمريكي أن ساوى بين حماس وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بل ذهب إلى حد القول إن عملية حماس “تتجاوز في بعض الحالات أسوأ الفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية”. 

ردد أكاذيب الاحتلال الإسرائيلي رغم ثبوت خطئها

وردد بايدن أكاذيب إسرائيل بأن المقاومة قطعت رؤوس الأطفال، وبينما أقر البيت الأبيض بعدم صحتها، لم تعترف أكبر دولة في العالم بخطئه.

وبكى بايدن وهو يتحدث عن معاناة الإسرائيليين، علاوة على ذلك.

وربط على الفور الهجوم بتاريخ الفظائع ضد اليهود، معلناً أن “هذا الهجوم قد أظهر إلى السطح ذكريات مؤلمة، والندوب التي خلفتها آلاف السنين من معاداة السامية والإبادة الجماعية للشعب اليهودي”. 

وتناسى أن المنطقة العربية لم تعرف يوماً التمييز ضد اليهود أو معاداة السامية لأن العرب أصلاً ساميون، واليهود وجدوا ملاذاً في الدولة العثمانية والدول العربية عندما طردوا مع المسلمين من الأندلس، بل كانوا يسيطرون على التجارة في الدول العربية والدولة العثمانية حتى وقوع النكبة.

متواطئ في المذابح وخطة التهجير الإسرائيلية

كان الوعد بتقديم مساعدات عسكرية أمريكية حقيقية في زمن الحرب بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل لتفعل ما تشاء، بما في ذلك ذبح الفلسطينيين، ومحاولة طردهم من قطاع غزة إلى مصر.

بل يبدو أن بايدن وإدارته متورطون في مخطط الترانسفير هذا الذي يعد الأخطر منذ النكبة، كما يظهر من تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يبدو أنه يتعرض لضغوط كبيرة للسماح بتهجير الفلسطينيين لسيناء، وهو ما أكده مصدر من حماس لقناة الجزيرة، حيث كشف أن إدارة بايدن عرضت على مصر تصفير ديونها مقابل قبول تهجير الفلسطينيين، وهو ما رفضته القيادة المصرية، حسب مسؤول حماس.

حاملة طائرات وذخائر بلا حدود

على الرغم من وجود خلافات حادة ومهمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق باستراتيجيات التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، فجأة حذَّر بايدن طهران وحزب الله. وحثَّ على عدم استغلال الأزمة هذه لبدء حرب إقليمية عبر الوكلاء المسلحين لطهران بالصواريخ مع إسرائيل بجملة واحدة: “لا تفعلوا”.

عُرضت صورة حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس جيرالد ر. فورد” المتجهة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ​​مراراً وتكراراً على شاشة التلفزيون الإسرائيلي، والتي جاءت بهدف ردع إيران وحزب الله.

وسمع الإسرائيليون على الفور عن وصول أول رحلة من بين العديد من الرحلات الجوية التي تحمل مساعدات عسكرية. ويقول بايدن إن المساعدات الأمريكية لإسرائيل تشمل الذخيرة وصواريخ اعتراضية جديدة لتعزيز القبة الحديدية، إضافة لنشر المزيد من الطائرات المقاتلة في الشرق الأوسط. 

لقد وصل بايدن بسياسته الداعمة للاحتلال الإسرائيلي لذروة قد تفوق في بعض نواحيها الدعم الأمريكي لإسرائيل في  حرب 1973.

فرغم أن واشنطن أرسلت في ذلك الوقت واحداً من أكبر الجسور الجوية العسكرية في التاريخ، ولكن لم ترسل حاملة طائرات وحاولت أن تبدو كوسيط نزيه، وضغطت على إسرائيل بعض الثغرة للدخول في وقف لإطلاق نار، بل رَعت عملية سلام أفضت لاستعادة مصر لكل أرضها حتى لو مقابل إخلاء سيناء من معظم قوات الجيش المصري.

إذ يبدو أن سياسة بايدن تجاه أزمة غزة تفعل ما لم يحدث من قبل، إنه تورط أمريكي شبه مباشر في إبادة الفلسطينيين، وطردهم من أراضيهم بطريقة تمارس بشكل أكثر فجاجة مما حدث في نكبة 1948.

إدارة بايدن توجه شتائم للديمقراطيين الذي يطالبون بوقف لإطلاق النار

ظل الإسرائيليون يسمعون طوال العقد الماضي بالأجنحة المختلفة للحزب الديمقراطي، لا سيما أن الجناح التقدمي لا يدعم إسرائيل، والذي يقوده السيناتور اليهودي بيرني ساندرز. 

ويعتقد الإسرائيليون أن إعلانات الولاء التي يصدرها بايدن لإسرائيل قد تكون مكلفة سياسياً بالنسبة له، ومع ذلك فهو مُصرّ على ذلك. 

ويبدو أن بايدن يغازل اليمين الأمريكي الموالي للحزب الجمهوري بإحباطه لدعوات التقدميين لوقف إطلاق النار في غزة كما حدث في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مايو/أيار 2021 قبل أن تكون إسرائيل مستعدة للقيام بذلك. 

لقد رفض بشكل واضح الدعوة لوقف إطلاق نار. فهو لم يرغب في إلقاء المحاضرات الأخلاقية ضد إسرائيل من على المنصات الدبلوماسية الدولية، وتعرض للانتقاد من جناحه المنافس داخل الحزب الديمقراطي، ولكن إدارته وصفت التقدميين الديمقراطيين الداعين لوقف إطلاق النار بالمقرفين.

جذور دعم بايدن لإسرائيل تعود لوالده

هذا التأييد الأعمى لإسرائيل يبدو أنه درس تلقاه بايدن من والده، الذي وصفه الرئيس الأمريكي بأنه كان “منشغلاً بالهولوكوست”، حسبما ورد في تقرير وكالة أسوشيتد برس “AP” الأمريكية.

وُلد بايدن عام 1942، قبل ثلاث سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية وقبل ست سنوات من تأسيس إسرائيل، وقد بلغ سن الرشد في وقت كان دوي الإبادة الجماعية يتصدر المشهد الدولي، والذي استغلته العصابات المؤسسة لدولة إسرائيل في إيقاع المذابح بالفلسطينيين وطردهم من أراضيهم خلال نكبة 1948.

يتذكر بايدن، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ خلال جلسة استماع عام 1999 حول معاداة السامية في روسيا، أن والده كان يتحدث في كثير من الأحيان عن “كيف وقف العالم بصمت في الثلاثينيات في مواجهة هتلر”. وأضاف بايدن أنه “صهيوني في قلبي”.

ولكنه في الواقع يسيء لذكرى الهولوكوست

يبدو بايدن مثل الكثيرين في الغرب يسيء للهولوكوست، مثلما يسيء للفلسطينيين.

كان ما حدث لليهود في ألمانيا قُبيل الحرب العالمية الثانية وقبلها هو تطور لعنصرية غربية قديمة بدأت باضطهاد اليهود منذ آلاف السنين، ولكنها أيضاً أجبرت مسلمي الأندلس على التنصر أو طردتهم ثم أبادت الهنود الحمر وحاولت فرنسا تكرار الأمر نفسه مع الجزائريين خلال فترة استعمارها الوحشية، وفعلته روسيا مع تتر القرم والشركس والشيشان المسلمين، وقبلها مع تتر قازن، وفعلت مثلها دول البلقان مع المسلمين من أتراك وسكان أصليين فور استقلالها عن الدولة العثمانية وصولاً لإبادة مسلمي البوسنة من قِبَل الصرب في تسعنيات القرن العشرين.

فالإبادة والاضطهاد في أوروبا لم يقتصران على اليهود، بل شملا لقرون عشرات الملايين من المسلمين، فالواقع أن المسلمين واليهود شركاء في كونهم ضحايا للاضطهاد الأوروبي مثلهم مثل الهنود الحمر والأفارقة الأمريكيين والغجر الأوروبيين.

إن الموقف من الإبادة والتطهير العرقي والعنصرية يجب أن يكون شاملاً، لا يرفض إبادة اليهود ويتجاهل آخرين، ولكن الغرب قصر الحماية على اليهود، ثم مكّن إسرائيل من أن تتذرع بالهولوكوست الذي وقع في أوروبا، لتمارس بحق الفلسطينيين أفعالاً لا تختلف كثيراً، جرائم إبادة جماعية، وطرد وإنكار للهوية وشيطنة وتمييز عنصري تقره بوقوعه كافة المنظمات الحقوقية الغربية.

لماذا يسير على نهج الأمريكيين البروتستانت المتحيز ضد الفلسطينيين؟

تاريخياً، كان التأييد الأعمى لإسرائيل سمة للأمريكيين البروتستانت المؤسسين للولايات المتحدة.

وجاء ذلك بسبب تأثير العهد القديم (التوراة) العميق على رؤية البروتستانت الدينية والحياتية بل رؤيتهم لأنفسهم وهم يغزون أمريكا، حيث تصوراً أنفسهم كأنهم العبرانيين الذين ورد في التوراة أنهم غزوا فلسطين وانتزعوها، من يد الكنعانيين والفلسطينيين قبل آلاف السنين، كما فعل الأمريكيون مع الهنود الحمر.

وكأن رواية التوراة هذه منحت المستوطنين الأنجلو ساكسون البروتستانت الأوائل شرعية دينية متوهمة لغزو أمريكا، وغزو أمريكا من قِبل المهاجرين البروتستانت الأوائل هذا يعطي بدوره شرعية أمريكية جديدة لغزو غزة وقبلها كل فلسطين، في دورة مغلقة من التفسير المجتزأ والتعسفي للتاريخ، لا تحدد فيه الضحية من خلال الممارسات والوقائع على الأرض بل من خلال التقارب الثقافي والإثني.

تريد أوروبا التكفير عن جرائمها بحق اليهود، وأمريكا وعلى رأسها بايدن تريد التكفير عن سكوتها عن هذه الجرائم، ولكن ليس بمحاسبة فاعليها أو إدانة النهج الإقصائي الغربي التاريخي، بل جعل أبناء ضحايا المحرقة يسلكون نهجاً مشابهاً لما حدث لأجدادهم، في تأكيد لصحة مقولة “إن الشعوب تتعلم من جلاديها”.

بعض الكاثوليك تحولوا من ضحية للعنصرية لشركاء بها

إن تأييد بايدن المعتز بمذهبه الكاثوليكي وأصوله الأيرلندية يعبر عن تحول أكبر في موقف الكاثوليك في أمريكا ووضعهم الاجتماعي خاصة ذوي الأصول الأيرلندية.

كان الكاثوليك دوماً على يسار السياسة الأمريكية، لأنهم تعرضوا عقب قدومهم للولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين لاضطهاد من سادة البلاد البروتستانت.

ظل الكاثوليك لعقود، وحتى بعد الحرب العالمية الثانية جزءاً من الشرائح الأمريكية المضطهدة، حيث كانوا أفقر من المتوسط العام الأمريكي، وموصمين بصور نمطية سلبية مثل الأفارقة والعرب الآن.

ولكنهم اليوم بعد أن اندمجوا في المجتمع الأمريكي، وأصبحوا يشكلون جزءاً من التيار الرئيسي به، وبعدما خرجوا من دائرة المهمشين في الولايات المتحدة التي تضم بالأساس الأمريكيين الأفارقة والهسبانيين (القادمين من أمريكا اللاتينية) والمسلمين، فإن بعض الكاثوليك القدامى انضموا لجلاديهم السابقين من البروتستانت في تبني خطاب ذي طبيعة عنصرية استعمارية.

ونسي بايدن تاريخ أيرلندا التي جاء منها أسلافه والتي عانت احتلالاً إنجليزياً، وتطهيراً عرقياً على مدار تاريخها كما يحدث الآن للفلسطينيين.

ومثلما أدى الاضطهاد البريطاني للأيرلنديين لدورات من العنف، لم يتوقف إلا بسلام عادل وشامل يراعي مظلومية الكاثوليك الإيرلنديين، فإن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والمذابح والتطهير العرقي لن يؤدي إلى إلا لدورات من عدم الاستقرار التي قد لا تدفع المنطقة العربية وحدها ثمنه بل العالم كله.

بايدن قلبه جمهوري كما ظهر من موقفه تجاه حرب العراق، وهكذا يحطم مشروعه الكبير بيديه

كما يثبت دعم بايدن لإسرائيل بهذا الشكل المطلق، حقيقة أخرى وهي إدعاء إدارة بايدن أنها تتحرك وفقاً للمعايير الأخلاقية والديمقراطية هو ادعاء واهٍ.

فواقع الحال أن بايدن سياسي أمريكي من الطراز التقليدي، إنه ديمقراطي بروح جمهورية، يمجد العنف والخروج عن القانون الدولي إذا ما جاء من أمريكا أو حلفائها، وهو أمر كان واضحاً عندما أيَّد حينما عضواً في الكونغرس قرار الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بغزو العراق عام 2003، دون أي مبرر ودون قرار من مجلس الأمن الدولي.

 ولكن ما يتجاهله بايدن ومساعدوه أن موقفهم هذا يوفر المشروعية لغزو روسيا لأوكرانيا، ويصرف انتباه أمريكا عن الحرب الأوكرانية، وعن المنافسة مع الصين، بل يعزز نفوذ موسكو وبكين وطهران في الشرق الأوسط، ويفاقم العداء لواشنطن والغرب في المنطقة الأهم في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى