تقارير وملفات إضافية

على خطى داعش.. جريمة كبرى ارتكبتها قوات حفتر بطرابلس تسلط الضوء على علاقتها المريبة بالتنظيم المتطرف

على غرار ما فعله تنظيم داعش في مدينة سرت الليبية، فإن قوات حفتر زرعت ألغاماً أرضية قبل انسحابها من الأحياء الجنوبية لطرابلس، لترتكتب جريمة حرب كبرى ومتسببة في مأساة إنسانية في المدينة يخشى أن آثارها قد تمتد لفترة طويلة.

وفيما يشار إلى أنها تعلم أن انسحابها بلا رجعة فخخت قوات حفتر حتى بيوت النازحين في الأحياء الجنوبية لطرابلس، في محاولة للانتقام من المدينة التي دحرت الهجوم الذي بدأ قبل العام.

وأصابت عمليات تفخيخ أحياء قريبة من وسط العاصمة أنصار حفتر بطرابلس بالصدمة، وبعضهم يرفض التصديق أن من يسمون أنفسهم بـ”الجيش الوطني” والذين يزعمون أنهم جاؤوا لتحرير العاصمة، رحلوا مخلفين وراءهم ألغاماً لقتل أبنائها!

كما أعادت عملية تلغيم الأحياء الجنوبية لطرابلس الأضواء على تشابه أسلوب قوات حفتر، مع تنظيم داعش في مدينة سرت.

إذ إن زرع الألغام والعبوات الناسفة لا يختلف في شيء عن قيام تنظيم “داعش” الإرهابي بتفخيخ مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، أواخر 2016، مما أعاق السيطرة عليها عدة أشهر وخلّف مئات الضحايا بين قتيل وجريح، بعضهم أصيب بعاهات دائمة.

تساؤلات عديدة أثيرت حول العلاقة بين حفتر و”داعش”، بعد الكشف عن أن قوات حفتر زرعت ألغاماً أرضية قبل انسحاب من الأحياء الجنوبية لطرابلس. وأنصاره مصدومون من الجريمة.

إذ إن استخدام الألغام بهذا الشكل الوحشي يمثل استراتيجية مفضلة لعناصر تنظيم داعش الإرهابي قبل انسحابها وخاصة عمليات تلغيم وتفخيخ المنازل والطرقات.

وكان الناطق باسم الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، محمد قنونو، أشار إلى أن أسلوب تفخيخ المنازل والطرق الذي استخدمته ميليشيات حفتر، هو ذات الأسلوب الذي انتهجه تنظيم داعش في سرت، قبل تحريرها عام 2016 في عملية البنيان المرصوص.

كما أن القائد الميداني في الجيش الليبي الطاهر بن غربية، أشار إلى أن بعض المفخخات والألغام تشبه تلك التي استعملها “داعش” في سرت.

بل وتحدث بن غربية، في لقاء مع قناة “ليبيا بانوراما” (خاصة) عن مقتل أحد قياديي “داعش” (لم يسمه) في قاعدة الوطية الجوية (140 كلم حنوب غرب طرابلس) والتي تم تحريرها في 18 مايو/أيار الجاري من أيدي ميليشيات حفتر.

ومن المعروف أن هناك علاقات بين تنظيم داعش وبقايا نظام القذافي، إذ لم يكن غريباً أن تكون مدينة سرت مسقط رأس القذافي، ومدينته الأثيرة، هي في الوقت ذاته، معقل داعش بليبيا.

وتفيد تقارير بأن التنظيم استغل سخط بعض أبناء المدينة على فقدانهم للنفوذ بعد سقوط نظام القذافي، لتجنيدهم لدى داعش، إضافة إلى التعاون بين أفراد التنظيم المتطرف وأزلام القذافي في الاستفادة من أموال التعويضات التي صرفت للذين تضررت أوضاعهم من المعارك بالمدينة.

وبينما يتدشق حفتر وأنصاره بالحديث عن محاربة الإرهاب، فإن فعلياً من قلم أظافر داعش في ليبيا ومنع التنظيم من إقامة إمارة هناك هو عملية البنيان المرصوص التي نفذتها القوات الموالية لحكومة الوفاق وخاصة قوات مدينة مصراتة.

“نعلن عن هدنة خلال عيد الفطر”، كان هذا الإعلان الذي صدر عن أحمد المسماري المتحدث باسم قوات حفتر، مجرد غطاء قبيح لتنفيذ واحدة من أخطر جرائم الحرب التي شهدها الصراع الليبي.

وانكشفت حقيقة الهدنة التي أعلنها أحمد المسماري، الذي ادعى أنها لأسباب إنسانية وبمناسبة العيد، إذ تبين أن هدفها كان إتاحة الفرصة للمرتزقة وأتباعهم لأن يزرعوا الألغام في أحياء صلاح الدين وعين زارة ومشروع الهضبة وغيرها قبل انسحابهم.

فخلال هذه الهدنة المزعومة، فإن قوات حفتر زرعت ألغاماً أرضية قبل انسحاب من الأحياء الجنوبية لطرابلس.

والنتيجة سقوط العديد من الضحايا كثير منهم لا علاقة لهم بالصراع.

فخلال 5 أيام فقط من بداية إزالة الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً الألغام والعبوات الناسفة والفخاخ المتفجرة، قتل 21 شخصاً وجرح 18، بحسب إعلام محلي، بينهم نازحون عادوا لتفقد بيوتهم بعد تحرير أحيائهم علّهم يقضون عيد الفطر بين أهلهم وجيرانهم.

أوضح العقيد مهندس عمر الرطب، الناطق باسم إدارة الهندسة العسكرية بالجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني، لـ “عربي بوست”، أن ميليشيات حفتر المنسحبة من محاور صلاح الدين والخلة ووادي الربيع التي كانت تتمركز بها مرتزقة فاغنر الروسية، خلفت عدداً كبيراً من الألغام والمفخخات التي زرعتها قبل انسحابها.

وأضاف أن أغلب منازل المدنيين والطرق الرئيسية والفرعية بالأحياء المحررة تم تفخيخها بألغام مضادة للدروع والأفراد.

وناشدت السلطات الليبية المواطنين النازحين الذين يمتلكون منازل في المناطق المحررة من مليشيات حفتر توخي الحذر وعدم التسرع بالعودة، خشية تعريض حياتهم للخطر، إلى غاية انتهاء عمليات تطهير هذه المناطق من المفخخات.

كما أدانت الأمم المتحدة “استخدام عبوات ناسفة مبتكرة” في عين زارة وصلاح الدين جنوبي طرابلس، مشيرة إلى “مقتل وجرح ساكني هذه المناطق، بينما كان النازحون يبحثون عن ملاذ آمن أثناء عطلة العيد”.

بإمكانيات بسيطة، تمكن رجال الهندسة العسكرية في الجيش الليبي من تفكيك أكثر من 600 لغم، بينها 102 مضادة للدروع و218 مضادة للأفراد و280 متفجرات يدوية، خلال خمسة أيام، بحسب قناة فبراير (خاصة).

ومن بين 21 قتيلاً، توفي عدد من أفراد الهندسة العسكرية أثناء تفكيكهم لهذه المفخخات، التي يتم تفجير بعضها عن بُعد، مما يزيد من حجم المخاطر والتضحيات.

وهذا يتطلب دعماً دولياً وأممياً سريعاً للجيش الليبي، وتزويده بالمعدات الحديثة لتفكيك الألغام وتقليص عدد الضحايا إلى أقصى حد.

الحروب قد تنتهي لكن الألغام قد لا تنفجر إلا بعد عشرات السنين، وهذا ما قصدته البعثة الأممية بليبيا، في بيانها الأخير “هذه الأعمال لا تخدم أي هدف عسكري، وتثير الخوف الشديد بين السكان، وتنتهك حقوق المدنيين الأبرياء، الذين يجب حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني”.

ففرنسا مثلاً زرعت 8.8 مليون لغم على حدود الجزائر مع تونس والمغرب ما بين 1956 و1962، لوقف تدفق الأسلحة إلى الثورة الجزائرية.

لكن حتى بعد الاستقلال 1962، ورحيل الفرنسيين، فإن الألغام واصلت حصد أرواح الجزائريين لعشرات السنين، رغم أنها لم يعد لها أي جدوى عسكرية.

إذ بلغ عدد ضحايا حقول الألغام 2470 بين قتيل وجريح (ما بين 1962- 2016)، بحسب تقرير تقدمت به السلطات الجزائرية للأمم المتحدة في 2019.

والمفارقة أن موسكو التي ساعدت الجزائر بعد الاستقلال في تطهير الحدود من حقول الألغام وفقدت خلالها اثنين من رجالها، تسمح اليوم لشركة فاغنر (الروسية) بزرع ألغام ومساعدة ميليشيات حفتر على تفخيخ أحياء عاصمة مغاربية، رغم خطورة ذلك على المدنيين، ولو بعد مرور سنوات طويلة.

جميع المفخخات والألغام التي وُجدت بالمناطق المحررة حتى الآن هي صناعة روسية وجُلبت من روسيا، وليست محلية، وهو ما يثبت تورط الروس في جرائم ضد المدنيين في ليبيا، حسبما أوضح العقيد مهندس عمر الرطب، الناطق باسم إدارة الهندسة العسكرية بالجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني.

وأشار إلى أن معركة إزالة الألغام وتمشيط المناطق المحررة تعتبر أقوى من معركة تحرير جنوب طرابلس من المرتزقة.

وأعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، يوم السبت 23 مايو/أيار، تشكيل فريق عمل مختص من ضباط وضباط صف وأفراد تابعين لجهاز المباحث الجنائية للتخلص من مخلفات الحرب والألغام والمتفجرات بالمناطق السكنية والمعسكرات بالمناطق المحررة جنوب العاصمة طرابلس.

فهل يعي حفتر وداعموه خطورة استخدام الألغام في تجمع سكاني كبير مثل طرابلس، وهل هناك من يحاسبهم على هذه الجريمة التي قد تمتد آثارها لعشرات السنين”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى