تقارير وملفات إضافية

من هم الفائزون والخاسرون من قرار الجامعة العربية بشأن ليبيا.. حفتر ومصر أم حكومة الوفاق وتركيا؟

جاء قرار الجامعة العربية بشأن ليبيا الصادر عن الاجتماع الوزاري العربي الذي عقد الثلاثاء  23 يونيو/حزيران 2020 ليظهر الاختلافات المكتومة بين الدول العربية بشأن الأزمة الأخطر في المنطقة حالياً.

وتحولت الأزمة الليبية إلى القضية الأكثر صعوبة بالنسبة للجامعة العربية حيث أصبحت تُسبب انقساماً بين الدول العربية سواء على أساس جغرافي أو بناء على التحالفات السياسة.

إذ تدعم مصر والإمارات والسعودية حفتر مصحوبين بتأييد بحريني، في حين تبدو مواقف دول المغرب العربي قلقة من حفتر، ولكن دون رغبة في مواجهته أو الدخول في سجال مع داعميه، إضافة إلى تجنبها دعم حكومة الوفاق رغم اعترافها بها كبقية الدول العربية.

وفي الاجتماع الأخير الذي عُقد بناء على طلب مصر تواصلت هذه الخلافات، وصدر قرار للجامعة مصحوباً بعدد كبير من التحفظات من قِبَل عدة دول أبرزها قطر والصومال وتونس وليبيا.

ولكن كان هناك عدة مواقف لافتة من قِبل الدول التي يمكن أن نسميها قلقة من حفتر، أكثر منها داعمة للوفاق، كما بدا أن مواقف الدول الداعمة لحفتر أقل حدة مما تبدو في الإعلام.

فمن الفائز ومن الخاسر في قرار الجامعة العربية بشأن ليبيا؟ 

يمكن اعتبار أن من أكبر مكاسب مصر من القرار كان ترحيب مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري بإعلان القاهرة الذي أصدره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يوم 6 يونيو/حزيران في وجود اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب  عقيلة صالح، والذي دعا إلى وقف إطلاق نار بناء على وضع القوات الحالي، وتحدث عن حوار ليبي ولم يُشِر إلى حكومة الوفاق، وركز على شرعية مجلس نواب طبرق.

ولكن اللافت أن هذا الترحيب الذي ورد في قرار مجلس الجامعة العربية جاء في سياق الترحيب بكل المبادرات الدولية لحل الأزمة الليبية، كما أنه شدد على أن الترحيب بالمبادرة المصرية باعتبار أنها تؤكد القرارات الدولية والعربية السابقة بما في ذلك قرارات مؤتمر برلين.

أما المكسب الرئيسي لمصر فكان متمثلاً في تحذير القرار من مغبة الاستمرار في العمل العسكري لتحريك الخطوط التي تتواجد عليها الأطراف حالياً تفادياً لتوسيع المواجهة.

أي أن القرار يتبنى فعلياً وجهة نظر داعمي حفتر مثل فرنسا وروسيا والإمارات ومصر، بعدم دخول قوات الوفاق إلى سرت مقابل موقف تركيا وحكومة الوفاق المطالب بأن تكون حدود وقف إطلاق النار بناء على الخطوط التي اتفق عليها في اتفاق الصخيرات عام 2015 والتي كانت سائدة قبل هجوم حفتر على طرابلس قبل أكثر من عام.

كما أن هذا البند يمثل تأييداً ضمنياً لتحذير الرئيس المصري القائل بأن خط سرت الجفرة هو خط أحمر بالنسبة لمصر.

ولكن الملاحظ في هذه الفقرة تحديداً أن تونس قد تحفظت عليها، وهو ما يعني ضمنياً أن تونس تؤيد جهود حكومة الوفاق لطرد قوات حفتر من المدينة، وهو موقف يبدو غير متوقع من تونس الرسمية التي تؤكد حيادها تجاه الأزمة الليبية أو قد يكون ذلك نابعاً من القلق التونسي من أن عدم دخول قوات الوفاق لسرت يرسخ لفكرة تقسيم ليبيا.

لم يُشِر القرار على الإطلاق لقوات حفتر بالمسمى الذي يتبناه داعموه أي الجيش الوطني الليبي.

ويلاحظ أن القرار انتقد التدخل الخارجي ولكن لم يُشر لدولة بعينها، ولذا فإن هذا الانتقاد يمكن أن يفهم أنه لتركيا وكذلك لمصر والإمارات وروسيا، عكس قرارات الجامعة العربية المتعلقة بسوريا والعراق التي تدين التدخل التركي بالاسم.

وأكد القرار دعم مجلس وزراء الخارجية العرب الكامل للاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات في ديسمبر/كانون الأول 2015، والتأكيد على دور كافة المؤسسات الشرعية المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي، ومخرجات مختلف المسارات الدولية والإقليمية وآخرها مؤتمر برلين.

وهو الأمر الذي يعني تأكيد شرعية حكومة الوفاق، كما أن هذه الفقرة ومجمل القرار، والروح السائدة في الاجتماعات بعيدة تماماً عن أجواء إعلام الدول المؤيدة لحفتر، والتي تقدم حكومة الوفاق على أنها حكومة منبوذة أو مهددة بفقدان الشرعية بل العكس كان مندوب ليبيا في الجامعة العربية الذي هو ممثل حكومة الوفاق يتفاوض على صياغة قرار في قلب القاهرة عاصمة مصر أكبر داعمي حفتر.

يلاحظ أنه بينما يوجه القرار في مَواطن متعددة دعوات إلى سحب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمتطرفين وتفكيك الميليشيات، فإن هذا ينطبق على الطرفين.

فهناك قوات أجنبية روسية مؤيدة لحفتر وهناك وجود عسكري مصري وإماراتي، كما أن المقاتلين الأجانب موجودون إلى جانب قوات حفتر، قبل قدوم المقاتلين السوريين، فهناك تقارير أممية توثق قدوم المرتزقة السودانيين والتشاديين إضافة إلى مرتزقة فاغنر الروس الذين تحدثت عنهم الولايات المتحدة أيضاً، كما أن أغلب قوات حفتر من الميليشيات ومنها الميليشيات السلفية المدخلية أو الجهادية المتورطة في جرائم حرب كميليشيات الكانيات في ترهونة. 

ولكن حكومة الوفاق كانت تريد تحقيق مكاسب إضافية من خلال عدم المساواة بين دعوتها لتركيا لمساعدتها باعتبارها حكومة شرعية معترفاً بها دولياً وعربياً، وبين الدعم الذي يتلقاه حفتر، ولكن القرار لم يلبِّ لها هذا المطلب، لذا تحفظت هي وقطر والصومال.

وفي هذا الإطار، طالب ممثل ليبيا في الاجتماع بوجوب التفريق بين القوات المتواجدة في ليبيا بطريقة شرعية تم استدعاؤها باتفاق معلن ومكتوب مع الحكومة الشرعية ومودع لدى الأمم المتحدة، وبين قوات أخرى أقحمت نفسها في الصراع بشكل غير شرعي.

وفي تحفظاتها قالت ليبيا إنها تستغرب من ازدواجية المعايير التي اتبعتها الجامعة العربية في التعامل مع الوضع في ليبيا، حين لم يصدر قرار يدعو القوات المعتدية وداعميها حين كانت العاصمة طرابلس تحت قصف الطيران ونيران المدافع، لوقف عدوانها وعملياتها العسكرية، واليوم وبعد أن تمكن الجيش الليبي والقوات المساندة له -التابع للحكومة الشرعية- من دحر العدوان واتجه نحو استرجاع المدن المختطفة وبسط سيطرة الدولة عليها تتم المطالبة برسم الخطوط الحمراء.

ويمكن القول إن القرار اتسم بتوازن نسبي، خاصة أن اللجنة المكلفة بصياغته لم تضم من الدول الداعمة لحفتر إلا مصر (اللجنة تضم مصر وتونس والجزائر والمغرب وليبيا).

إذ جدد القرار التأكيد على شرعية حكومة الوفاق ولم يقدم شيئاً لحفتر، ولكنه حقق مكاسب لمصر خاصة عبر تقديم دعم صريح من موقفها من سرت.

وفي الوقت ذاته فإن تجاهل حفتر يبدو منسجماً مع موقف حكومة الوفاق، وهو ليس بعيداً في الوقت ذاته على توجُّه مصر الجديد لتهميش الجنرال المتقاعد.

اللافت في القرار والتحفظات عليه هو غياب غير متوقع للجزائر،  فالقرار لم يُشِر إلى مبادرات الجزائر الأخيرة التي قادها الرئيس عبدالمجيد تبون التي تقترح أن تقوم بلاده بدور الوساطة بين الطرفين الليبيين، وهي التحركات التي رأى فيها البعض منافسة للمبادرة المصرية (الجزائر علقت على إعلان القاهرة أنها أحيطت علماً بالمبادرات بشأن ليبيا دون ترحيب به).

واكتفى القرار بالترحيب بالبيان الختامي الصادر عن اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا الذي عقد في الجزائر برعاية الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في يناير/كانون الثاني 2020 (أي منذ 6 أشهر).

وفي هذا الإطار يلاحظ أن الجزائر لم يسجل انضمامها لتونس في تحفظها على تثبيت خطوط وقف إطلاق النار على الأوضاع الحالية، رغم تشابه مواقف البلدين، ورغم أن الجزائر أكثر صراحة ووضوحاً في التعبير عن مواقفها تجاه ليبيا بالنظر إلى أنها أقوى وأغنى من تونس وبالتالي لا تخشى رد فعل حفتر وداعميه.

وقد يمكن تفسير هذا الموقف الجزائري الهادئ برغبتها في القيام بدور الوساطة بين قوات شرق ليبيا وحكومة الوفاق وهو ما عبَّر عنه استقبال الرئيس الجزائري لرئيس مجلس  النواب الليبي عقيلة صالح مؤخراً.

وقد تتطلب الوساطة الجزائرية المحتملة محاولات لإرضاء القاهرة وإعادة بناء العلاقة مع عقيلة صالح في ظل توتر علاقة الجزائر الدائم مع حفتر، الذي لا ينسى له الجزائريون انتقاداته الحادة لجيش بلادهم.

اللافت أيضاً أن بعض المصادر المطلعة على الاجتماعات أفادت بأن موقف سلطنة عمان التي ترأست الاجتماع باعتبارها الرئيس الحالي لمجلس الجامعة العربية كان أقرب لموقف حكومة الوفاق، ولكن هذا لم يُترجم على ما يبدو في التحفظات.

من الملاحظ أن الخلافات بين الكتلتين العربيتين مصر والسعودية والإمارات الداعمين لحفتر، والكتلة المؤيدة للوفاق أو المتوازنة التي تضم ليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصومال وقطر، لم تنعكس إطلاقاً على موقف هذه الدول من القرار الذي صدر عن الاجتماع بشأن تأييد موقفَي مصر والسودان من أزمة سد النهضة، والذي تضمن تشكيل لجنة عربية للتنسيق مع مجلس الأمن، مما يشير إلى أن مصر ستستعين بالثقل العربي خلال عملية تقديم شكواها في المجلس ضد إثيوبيا، وهو أمر وافقت عليه كل الدول المتحفظة على القرار الليبي بما فيها حكومة الوفاق نفسها التي دعمت مصر والسودان في موقفهما من  الأزمة.

واللجنة التي تم تشكيلها للتواصل مع مجلس الأمن والأمم المتحدة تضم الأردن، والسعودية، والعراق، والمغرب، علماً أن الأخيرة أقرب في مواقفها في الأزمة الليبية لحكومة الوفاق.

بصفة عامة يؤشر قرار الجامعة العربية بشأن ليبيا والأجواء المحيطة به إلى أن التصعيد بين الطرفين وتحديداً مصر من ناحية وحكومة الوفاق وتركيا التي تدعمها من ناحية أخرى، هو تصعيد ما قبل الجلوس على مائدة التفاوض، كما يعزز القرار المؤشرات على أن مصر قبلت خروج حفتر من المعادلة أو تهميشه، وأن إعلان القاهرة هو إضافة إلى مسار الصخيرات ومؤتمر برلين وليس مناقضاً لهما.

ولكن يبقى الخلاف الأكبر حول سرت التي أصبحت أشهر مدينة في ليبيا وخطاً أحمر لقوى ودول عدة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى