آخر الأخبارتقارير وملفات

لماذا مصر والسعودية والإمارات حلفاء واشنطن يواصلون الاقتراب من الصين وروسيا؟

تقرير ترجمة وإعداد 

فريق التحرير

نادراً ما حظيت “بريكس” بمثل هذا الزخم الدولي، إلا أن الاستقطاب العالمي، واهتمام دول عربية كبرى مثل مصر والسعودية والجزائر بحجز مقعد فيها، أحاطها في المنطقة بهالة من العناوين، في اتجاهات شتى.

لكن المحرك الخفي للأنظار خلف القمة الـ15 للمجموعة سوى ذلك، هو تلك “الورقة المنبوذة” التي طالما كان هجاؤها مادة الأفواه مثلما ظل استهلاكها ضرورة لا مناص منها، منذ أن غدت عملة البشرية ولغته التي يختزل بها المعاني ويعقد الصفقات، حتى نافست “الذهب” على عرشه الوثير، إذ صار الدولار منذ 1971 منفصلاً بذاته عن أي ارتباط بالمعدن النفيس، يستمد قوته من واشنطن حارسته، فكان الولد سر أبيه، كذلك “المأكول المذموم”، والدواء المر.

وهكذا فإن الورقة الملعونة في القمة ذات الزخم الكبير، ليست ورقة أي من الزعماء، وإنما الورقة الخضراء، التي قال رئيس جنوب أفريقيا صراحة إن القمة التي عقدت في ديار نيلسون مانديلا، ينبغي أن تكون بداية التحرر من “الورقة الملعونة”، إن لم يكن بإعلان وفاتها في ذلك القطب من العالم، فليس أقل من إنهاك قواها، أو هجائها حتى وإن كان على طريقة مثل عربي قديم أوسع الغزاة شتماً غير أنهم “فازوا بالإبل”.

نقطة ضعف كبيرة عملة بريكس ليست على جدول الأعمال

وهنا يقر كي لا يشك حشد الزعماء والمسؤولين في منطقه بأن “عملة بريكس ليست على جدول الأعمال”، حتى وإن قال الرئيس البرازيلي في الجلسة الافتتاحية للقمة إن “عملة (بريكس) تزيد من خيارات الدفع لدينا، وتقلل من نقاط ضعفنا”، وذلك في غضون رأي سائد بأن “الدولار القوي يخنق الاقتصادات الناشئة ويدفع العالم إلى فخ التباطؤ”.

وما تردد الزعيم الأفريقي في قوله من دون غلاف، كان هو بيت القصيد بالنسبة إلى بوتين، صاحب المقام المحمود أخيراً عند سائر الناقمين على الغرب وبلاد العم سام، وعلى رأسها ورقته المشبوهة المتهمة بسرقة قوت الدول الناشئة وأمم العالم الثالث، على رغم تعداد البيت الأبيض المستمر منحه من تلك العملة الفاتنة على هيئة أدوية أو طحين أو برامج تنموية، كما الصواريخ والقنابل العنقودية حين دعت الحاجة في أوكرانيا.

ولئن عرف ابن “كيه جي بي” كيف يضع حداً لمتحدي كفاءته على الطريقة التي انتهى به زعيم “فاغنر” يفغيني، فإنه أدرى بأن بين الخصوم من لا يمكن شطبه بالضربة القاضية، وحينها بالنسبة إليه لا أقل من أن تدمي مقلته، فجرى الاكتفاء بالتأكيد على رغبة دول المجموعة في الاعتماد على العملات المحلية في التبادلات التجارية بدلاً من الدولار.

لكن “بلومبيرغ” ترى أن ما تسميه “تبختر” المجموعة الدولية المهمة في تأسيس عملة تنافس الدولار، “حلم صعب المنال”، إلا أن مجرد محاولة البحث في هكذا قضية تمس موقع أحد أدوات الهيبة الأميركية المتمثل في عملتها، هو خطوة جريئة تخشى واشنطن من آثارها، مهما كان نجاحها ضئيلاً الآن، خصوصاً وأنها تأتي من مجموعة تتزعمها روسيا والصين، غريتماها التقليديتان في الشرق، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، واستقطبت أهم حلفائها الاقتصاديين في الشرق الأوسط وعضو مجموعة العشرين السعودية، التي يتردد غربياً أن قنبلتها الاقتصادية التي تخشى أميركا تفجيرها في أي خلاف سياسي، هي تلك المتعلقة بتسعير النفط بالدولار الأميركي، ما أضاف إلى عملة البيت الأبيض قبل عقود قيمة اقتصادية ومعنوية لا تقدر بثمن.

الصفقة الكبيرة

ولهذا يسوق الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان بين مبرراته لأهمية انخراط بايدن في توسيع محاولات الوفاق مع الرياض والاستجابة لمطالبها، الحيلولة دون استخدام تلك الورقة، وتسعير النفط بالين الصيني، في وقت يزداد فيه التقارب بين بكين والرياض، صاحبة اليد الطولى في سوق الطاقة الدولية، وسط خشية دوائر القرار الأميركية إبطال مفعول صفقة “البترودولار” الحيوية، بما تعنيه من مغزى سياسي واقتصادي.

يواصل بعض كبار حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الاقتراب من الصين وروسيا، بعدما تقرر انضمام السعودية والإمارات ومصر إلى مجموعة بريكس، ما يزيد من تعقيد الجغرافيا السياسية التي انقلبت رأسا على عقب بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

ويرجح المراقبون انضمام الدول الثلاث إلى بريكس، في بداية العام المقبل، إلى جانب إيران والأرجنتين وإثيوبيا، حسبما أورد تقرير نشرته وكالة “بلومبرج” .

وتعد هذه الخطوة جزءًا من حملة لقادة دول بريكس: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا؛ لزيادة نفوذ المجموعة ومواجهة قوة الولايات المتحدة على الاقتصاد والتجارة العالميين، وخاصة دور الدولار الأمريكي.

كما تشير الخطوة أيضًا إلى تصميم السعودية والإمارات ومصر على تعزيز مكانتها كقوى متوسطة الحجم مع تجنب الانحياز إلى أي طرف في عالم منقسم بشكل متزايد بين واشنطن وبكين.

وفي هذا الإطار، قالت آنا جاكوبس، كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية: “إنهم يركزون على تحقيق التوازن والحفاظ على العلاقات مع القوى المتعددة، وليس الانحياز إلى أحد الجانبين والانخراط في منافسة على القوى الكبرى”.

وحاولت الولايات المتحدة التقليل من أهمية توسع بريكس، حيث قال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، في وقت سابق من هذا الأسبوع إن واشنطن لا تعتبر المجموعة منافسًا جيوسياسيًا ناشئًا.

ورفض مجلس الأمن القومي الأمريكي الإفادة بتعليق آخر يوم الخميس، رغم أنه سلط الضوء على دور مجموعة العشرين باعتبارها “المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي” في بيان بعد اجتماع سوليفان مع نظرائه من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة.

هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والدولار 

وفي حين تتمتع السعودية وروسيا بصوت قوي في إمدادات النفط العالمية من خلال تحالف “أوبك+”، فإن تطوير بريكس يركز بشكل أكبر على هيمنة الدولار الأمريكي في تجارة النفط، لا سيما مع كل من المنتجين والمستوردين الكبار بين المجموعة الموسعة، بما في ذلك أكبر مشتري الصين.

وأعربت الصين ودول بريكس الأخرى عن رغبتها في شراء الطاقة بعملات أخرى، ولكن أي تحرك لتحويل نظام البترودولار القائم منذ فترة طويلة سيكون معقدا، حسبما أكدت “بلومبرج”، مشيرة إلى أن السعودية والإمارات تربطان عملتيهما بالدولار، وستحتاج كل منهما إلى أي عملة أخرى يتم الدفع بها لمنافسة الدولار من حيث السيولة وكمخزن للقيمة.

وبدون استخدام واسع النطاق للديون غير الدولارية، فمن المرجح أن يكون هناك “تقدم لمدة عقد من الزمن نحو عالم متعدد الأقطاب، ربما يصبح فيه الدولار واليورو واليوان العملات المهيمنة في الأمريكتين وأوروبا وآسيا على التوالي، حسبما أوردت مذكرة لمحللين في ING

وأشارت المذكرة إلى أن الطاقة تمثل 15% فقط من التجارة العالمية وأن “تسعير صادرات النفط السعودية إلى الصين والهند بعملات غير الدولار لا يعني نهاية الدولار باعتباره العملة الدولية المفضلة”.

وأورد تقرير أصدره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ومقره البحرين، في يوليو/تموز الماضي، أن دول الخليج تريد “القدرة على التعامل داخل المناطق الدولارية وغير الدولارية”.

ومع ذلك، فإن الانضمام إلى مجموعة بريكس يوفر للسعودية والإمارات الفرصة والمرونة للاعتماد بشكل أقل على الدولار إذا لزم الأمر.

وفي السياق، قال توربيورن سولتفيدت، المحلل الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة “فيريسك مابلكروفت” لاستشارات المخاطر، ومقرها المملكة المتحدة: “إنهم يمهدون الطريق للتخطيط للطوارئ في حالة تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة بشكل كبير”.

وتنفق السعودية تريليونات الدولارات لتنويع اقتصادها، ويرى ولي عهدها الأمير، محمد بن سلمان، أن العلاقات الأعمق مع دول مثل الصين والهند أمر بالغ الأهمية لتحقيق هذا الهدف.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير، فيصل بن فرحان، لوسائل إعلام محلية: “إن سياستنا الخارجية تركز في المقام الأول على بناء شراكات اقتصادية قوية، أولاً لدعم التنمية الاقتصادية في المملكة (..) لقد أثبتت بريكس أنها قناة مهمة ومفيدة لتحقيق هذا الهدف”.

ويأتي ضم السعودية والإمارات إلى بريكس بعد إقامة كل منهما علاقات مع الدول الأعضاء بالمجموعة في العقد الماضي، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تدفقات النفط الهائلة التي تتجه الآن إلى آسيا.

وتعد الصين والهند أكبر شريكين تجاريين لكل من السعودية والإمارات، وبلغ حجم تجارة السعودية مع الصين والهند إلى مستوى قياسي بلغ حوالي 175 مليار دولار العام الماضي، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة التي جمعتها “بلومبرج”.

وفي الوقت ذاته، توترت العلاقات بين واشنطن وبعض دول الخليج في الأشهر الثمانية عشر الماضية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى رفض هذه الدول فرض عقوبات على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا وقرارها عدم زيادة إمدادات النفط عندما ارتفعت الأسعار في أعقاب ذلك.

وتحسنت هذه العلاقات في الأشهر الأخيرة، حيث تعمل الولايات المتحدة والسعودية على التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى اعتراف المملكة بإسرائيل مقابل ضمانات أمنية أمريكية.

وإضافة لذلك، أوضحت الرياض وأبو ظبي أنهما ترغبان في أن تظل الولايات المتحدة والقوى الغربية شركاء اقتصاديين وأمنيين أقوياء، وهو ما عبر عنه حاكم دبي الشيخ، محمد بن راشد، بقوله إن الانضمام إلى بريكس سيعزز مكانة الإمارات كدولة “تربط بين شمال العالم وجنوبه وكذلك شرقه وغربه”.

في خطوة مفاجئة.. ماكرون يريد حضور قمة البريكس لدفع المجموعة للعب دور في إنهاء

الحرب الروسية-الأوكرانية.. وموسكو ترفض المبادرة

يريد الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أن يكون أول زعيم غربي يشارك في قمة بريكس المقبلة، التي ستعقد خلال أغسطس في جنوب إفريقيا، وتعجبت موسكو للطلب لأن البريكس يهدف الى تقليص سيطرة الغرب على العالم، وفرنسا جزء من هذا الغرب.

وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا قد أبلغت الثلاثاء الماضي جنوب إفريقيا برغبة الرئيس ماكرون الحضور في هذا اللقاء الدولي الهام رفقة الدول الأعضاء في البريكس وهي روسيا والهند والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا.

وجاء الرد اليوم من موسكو على الطلب الفرنسي، حيث أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف  حسب صحيفة كوميرسانت اليومية “من الواضح أن رؤساء الدول الذين ينتهجون مثل هذه السياسة العدائية وغير المقبولة تجاهنا، والمصممون جدًا على عزل روسيا دوليًا والالتزام بخط الناتو في إلحاق هزيمة استراتيجية بنا، لا مكان لهم كضيوف”.

من المسلم به أن مضيف القمة هو الذي يختار الضيوف، كما أقر الدبلوماسي الروسي، “ولكن يجب استشارة جميع الدول الأعضاء في البريكس، ولم نخف موقفنا عن زملائنا في جنوب إفريقيا، نتوقع أن تؤخذ وجهة نظرنا في الاعتبار بالكامل”، وذلك في رفض حضور الرئيس الفرنسي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى