ثقافة وادب

رفض رشوة كبيرة وأجبر نصرالله على إعلان قتاله بسوريا.. “الناشط هادي العبد الله وحالاته الحرجة في الثورة السورية!”

كغيره كان ينتظر كسر صوم أربعين سنة عن الكلام، فانطلق بعدما كان أستاذاً جامعياً ليترك عمله ويلتحق بصفوف الثورة، تلك الأيام التي غيّرت وجه “سوريا الأسد”، تلك اللحظات التي لم يتوقعها نظام الإجرام أبداً حتى في الحلم، ولكنها حصلت، ولم تكن حلماً ولا هذياناً سوريا، بدأت تنتفض وتصرخ بملء صوتها للحرية.

 كتاب
صدر حديثاً بعنوان “حالات حرجة من يومياتي في الثورة السورية 2011-2019″، (192 صفحة)،
للصحفي السوري هادي العبدالله، الذي واكب أحداث الثورة السورية منذ بدايتها، ووثق
وشهد أهم أحداثها، يروري ما علِق من بقايا ذاكرته المتعبة.

معدّله الدراسي لم يسمح له
بدخول الطب، ولم يجد خياراً أفضل من التمريض، ولتفوقه سافر إلى مصر في بعثة
دراسية، بعد تخرجه جاء طلب تدريسه في جامعة البعث، في مدينة حمص، بكلية التمريض
الموجودة في مدينة حماة، ثم قرر استكمال دراسات عليا باسم “حالات حرجة”،
ومنها جاءت تسمية الكتاب.

كانت البداية مداخلات كشاهد
عيان على قناة أورينت الإخبارية، ينقل أخبار المظاهرات، وبعدها بفترة المعارك
والمجازر التي يقوم بها النظام، يصف البداية: كيف لي أن أسكت، وبركانُ الثورة قابع
فيّ؟

أُجبر على تغيير اسمه وصوته
لأكثر من مرة، كانت البداية باسم عبدالرحمن، فسمير فتحي، ثم هادي العبدالله.

عندما بدأت ميليشيا حزب الله
مساندة النظام الذي كاد يفقد كامل سيطرته على مدينة حمص استطاع هادي ورفاقه أن
يسحبوا جثة أحد مقاتلي الحزب، وبعدها عُرض عليه شيك مفتوح لعدم فضح مشاركة الحزب،
فأبى ونشر اسم المقاتل إلى الإعلام، وهو ما اضطر حسن نصر الله للظهور إعلامياً
ليُقر بوجود الحزب في سوريا رسمياً.

بعد حصار مدينة القصير، مسقط رأسه، يصف ليلة تهجير مدينة بأكملها تزحفُ خارجَ جِلدِها، ثمّ تجوع وتعطش على أطرافها ككحّة حنين.

كاد أن يفقد روحه أكثر من مرة، لكنها أطفئت لمرات عدة، وكان أقساها في البداية، لطالما كان طعم البدايات مختلفاً عندما فقد صديقه، الذي يعتبره روحاً يحملها بجانب روحه “طراد الزّهوري”، الذي تعرف عليه في إحدى المظاهرات.

ويجيب هادي على سؤال إشكالي
غاية في الأهمية، هو: يسألون دائماً ما هو سر استمراركم في ثورتكم، على الرغم من
كمّ المجازر والإجرام؟ يجيب باختصار: ربما هي أسباب كثيرة تلتقي عند نقطة واحدة
“الوفاء للدم”.

وبطريق عودتهم إلى منزلهم،
كعادة هادي يسبق خالد العيسى لكي لا يصيبه مكروه، فيحدث انفجار ويصاب هادي،
ويستشهد خالد، فيعاهد نفسه “بكون خاين إذا تركت الطريق اللي مشينا سوا”.

هذا هو قدر الأبطال دائماً في
ثوراتنا، أن يغتالَهم الأنذال! واصفاً اغتيال رفيقي دربه، رائد الفارس وحمود،
اللذين أقناعاه بفكرة الزواج، فتزوج “رفاه” وأنجبت له
“بيسان”.

الفقد حل بكل عائلة سورية،
فالمعاناة واحدة. يضيف: لذلك أعيش الآن على الخوف من الفقد، أناجي الله في جوف
الليل كأنّني أهذي، يكفي أن تنطفئ عيناي بالفراق مرّتين، لا تُطفئ يا الله
بالفقْد، بعدُ، قلبي.

 حكاية هادي ومعانته التي
لم تنته هي واحدة من حكايا الشعب السوري الجريح الذي نكّل به نظام الأسد، واستخدم
كل أساليب القمع والقتل ليخمد ثورته.

 احفظوا حكايا المظلومين،
حكايا الشهداء، وثقوا ثوراتكم، الإخفاقات والنجاحات، الأبطال والخونة، صعِّبوا
عليهم تزوير التاريخ، أغرِقوهم بالحقائق، دعوا أولادكم وأحفادكم يردِّدون
حكاياتكم، لا تستصغِروا فعلَكم، لا تحتقروا معروف وثيقة، وكما يمكن أن ينجينا من
النار شق تمرة، يمكن أن ينجينا شق عدسة، وشق كلمة، إحدى وصايا أسعد طه، فلنعمل
بها.

الثورة السورية تُقبل على
عامها التاسع بعد أن خذلها وخانها وتآمرعليها القريب والبعيد، يتوهم من يظن أنها
هُزمت، إنَّا نرى النصر قريباً ولو بعد حين، إنه ممكن، وإنه سيكون لأنه قد
كان. 

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى