الأرشيفكتاب وادباء
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
-
الزمار احمد موسى المذيع الكذاب لايستحىيونيو 7, 2017
* إن بيت أمتنا اليوم تماما يشبه بيت العنكبوت فى الضعف والوهن , أو إن شئت فقل كالعيس فى البيداء يقتلها الظمأ , والماء فوق ظهرها محمول . لقد فقدت أمتنا بوصلتها فلم تعد تدرى على أى طريق تضع قدميها لأنها فقدت الوعى الحقيقى بمصادر قوتها وعزتها . إن كنز الوعى أكثر قيمة من الذهب والفضة . وسلاح الوعي أقوى تأثيرا من كل الأسلحة الحديثة . أمة تمتلك سلاح الوعي , أمة لا تهزم ولا تقهر ولا تحتل ولا تتأخر ولا تتسول رغيف خبزها من أحط الأمم وأضعفها . أمة واعية مدركة للأخطار التي تحيط بها , هى أمة صلبة متماسكة ليس فى بنيانها ثقوب , ولا فى حياتها كروب , ولا فى شمسها غروب , الوعي فى حياة الأمم والشعوب كشجرة الزيتون لاينمو سريعا , ولكنه يعيش طويلا . يقول الله عزوجل :” لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ” يقول قتادة : أذن سمعت وعقلت ماسمعت . فلا يمكن للإنسان أن يعقل ويفهم دون أن يسمع بوعي كامل وإدراك شامل . نحن فى حاجة ملحة إلى الوعي الحقيقي وليس المزيف ,الوعي الذي يحمل المرء على العمل والتفاؤل وعمارة الوجود انطلاقا من قول الحق عز وجل “ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم ألينا لا ترجعون ” فالله لم يخلقنا عبثا دون هدف معلوم . إن الوعي يجعل المرء يدرك أن الله خلقه للبناء والإصلاح وليس للفساد والإفساد والطغيان فى الأرض . الوعي يجعل المرء يفهم حقيقة رسالته فى الحياة وكيف يحققها بتقديم الأهم على المهم , والممكن على المستحيل , والسهل على الصعب . الوعي ليس شعارات ترفع , أو يافطات تعلق , أو منشورات توزع , أو خطبا تلقى , إنما هو منهج حياة وخطة عمل ودراسة عميقة لكل قضايا امتنا المتنوعة .
* لقد عبر التاريخ الإسلامي عن وعي رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بما يدور حوله . وقال علماء السيرة أن ذلك الوعى يتمثل فى وضوح الهدف في كل خطوة من خطواته , فصاحب الرسالة ,
يحمل أمانة , ولم يكن ليفرط في ذلك في لحظة من اللحظات . فلم يكن يوما مغامرا طائشا يندم على سلوك تعجل فيه , ولم يكن يوما مستكينا مترددا حائرا يطمع أعداؤه في إفنائه والقضاء عليه , بل كان محركا للأحداث أجمعها , مستفيدا من أخطاء أعدائه , صاحب تصورات جديدة في الإدارة والتنظيم والتخطيط . كذلك الوعي فيما يخص المعرفة الدقيقة والشاملة بقوة فريقه الذاتية , من حيث العدد والعدة , والإمكانات والظروف , ومدى طاقتهم وقدراتهم , حتى لا يبنى خطته في لحظة من اللحظات على معطيات خاطئة أو ناقصة فيتعرض للفشل . كما وعى الأخطار التي ينتظر أن تواجهه , والعقبات التي ربما تعترض سبيله ومن ثم أعد لها ما يناسبها من خطط. لقد كان حليما حكيما , يكثر الاستماع والتفهم والإدراك , ذكيا عبقريا , يحسن التفسير والاستيعاب , فكان يضع المعلومات كلها بجانب بعضها البعض , الصغير منها والكبير حتى تتضح له معالم الخريطة كاملة فيقرر مايريد وفق معلومات دقيقة وصحيحة . وليس وفق عاطفة هوجاء عاصفة تقود إلى اتخاذ مواقف متسرعة ضررها أكثر من نفعها .*
لقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بأمته من الحالة العنكبوتية من أول يوم ذهب فيه للمدينه المنورة , فكان وعى البناء . بناء المجتمع الجديد على أسس متينة وقوية . كانت المدينة عند الهجرة قليلة الموارد , وبعد الهجرة وفد عليها أضعاف عدد سكانها ليقيموا مع أهلها بصورة دائمة , فكان لابد من بناء اجتماعي محكم لكى يتجنب ويتحاشى كل ما يتوقع من مشكلات , فحقق نظام ” المؤاخاة ” بين المهاجرين والأنصار الذي أذاب الفوارق بين الفريقين وجعلهم لحمة واحدة , بل وأمة واحدة يتقاسمون فيما بينهم ما يملكونه من مال وعقارات وزوجات دون شح متبع أو هوى مطاع . أى وعى اجتماعي أعظم من هذا ؟ . ولم يكتف بهذا بل حقق قيمة العدل والتى لا يمكن التنازل عنها في بنائه للدولة , وخاصة أن الدولة منقسمة أصلا إلى فئتين أصحاب الأرض , والوافدين , و أية محاباة لطرف على طرف ستؤدي حتما إلى انهيار الدولة , والى تفجر صراع داخلي فيها وقد تصل إلى حرب طائفي لا تبقى ولا تذر . والذي يعصم من ذلك كله هو إقامة العدل بين أبنائها , فالعدل أساس الملك كما يقولون . إنه الوعي الذي يتمثل فى تأسيس صرح العدالة عاليا خفاقا . وقبل ذلك بنى المسجد ليكون البوتقة الإيمانية التى تنصهر فيها كل الفوارق الفردية ليكونوا صفا واحدا . * إن أمة تعانى من نقص الوعي أفرادا وقادة , أمة متناحرة متأخرة عن ركب الحضارة والتقدم . وإن أمة واعية بأفرادها وقادتها هي أمة لا تغلب ولا تهزم ولا تقهر ولايقدر عدوها على إذلالها فضلا عن احتلالها واستحلال عرضها . إن الوعي هو الكنز الاستراتيجي الذي لا يفنى بأى حال من الأحوال مهما طال الزمان . نتفق جميعا على أن أمتنا تعيش أشد أوقاتها ضعفا وأشدها ظلاما وجهلا وتخلفا . لا مخرج لنا للهروب من الحالة العنكبوتية إلا بدراسة أسباب الجهل والتخلف وحالة اللاوعى التى أصابت عقل الأمة فهوت فى مستنقع الذلة والمهانة والهزيمة . هذه حالة استثنائية فى تاريخ الأمة ولا يمكن أن تستمر كثيرا وطويلا حتى نستحق قول الحق ” كنتم خير أمة أخرجت للناس ” وإلا فالبديل قولا واحدا هو أن نعلن للعالم حالة الإفلاس ونرضى بالنوم فى كهف العنكبوت المظلم الضعيف . فهل هذا يرضى الله ويرضيكم ؟